علي أحمد: إعلان نيروبي .. شكراً (حمدوك) مرة أخرى. 

211
الأستاذ علي أحمد..

 

علي أحمد ..

“إعلان نيروبي .. شكراً (حمدوك) مرة أخرى”. 

بالتوقيع – أول أمس – على إعلان نيروبي بين رئيس الوزراء السابق، الدكتور عبدالله حمدوك، ورئيس حركة تحرير السودان، القائد عبدالواحد محمد أحمد النور، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان—شمال، القائد عبدالعزيز الحلو، برعاية وحضور الرئيس الكيني ” وليام روتو”. حيث دعا الإعلان طرفي الحرب إلى وقفِ إطلاق النار والعمل على إنهاء الحربِ وتحقيقِ السلامِ الدائم، تكون إمكانية تحقيق حلول شاملة وجذرية للأزمة السياسية السودانية المستفحلة والمستمرة منذ قبل إعلان الاستقلال عام 1956، حيث اندلعت حرب الجنوب الأولى عام 1955، قد أصبحت قابلة للتحقُق أكثر من ذي قبل.

ولعل أبرز ما ورد في إعلان نيروبي هي الأحكام البيّنة التي لا لبس فيها؛ فيما يتعلق بالعملُ على المعالجة الشاملة لأزمات السودان التراكمية، لا عَبْر عملية انتقالية تقليدية، وإنما عَبْر “عملية تأسيسية،” تقوم على مبادئ أساسية لازمة لبناء دولة جديدة، هي الوحدة الطوعية؛ وتأسيس دولة علمانية غير منحازة، تعترف بالتنوع وتعبِّر عن جميع مكوناتها بالمساواة والعدل؛ كما تأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي؛ وضمان فصل الهُويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة (أي فك الارتباط بين الهُويات والدولة)؛ ومعالجة قضية انتهاكات حقوق الإنسان عبر العدالة والمحاسبة التاريخية؛ وحق تقرير المصير للشعوب السودانية، حال الفشل في تضمين هذه المبادئ في الدستور.

و لكن أكثر بنود الإعلان أهميةً على الإطلاق الذي يعكس فهم القادة الثلاثة العميق للمدخل الصحيح والمنهج السليم لتنفيذ الأحكام التأسيسية الأخرى، هو ما جاء في البند (4) والذي ينص على “تأسيس منظومة عسكرية وأمنيّة جديدة، وفقاً للمعايير المتوافق عليها دولياً، تفضي إلى جيش مهني وقومي واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية جديدة، يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقاً للدستور، وأن يكون ولاؤه للوطن، ويُعبِّر تشكيله عن كل السودانيين، وفقاً لمعيار التعداد السكاني، وينأى عن العمل السياسي والنشاط الاقتصادي بصورة كلية.

الإعلان جاء شاملاً متكاملاً يستحق الاحتفاء والإشادة من قبل كلِ داعٍ إلى التغيير، أو طالبٍ للتحول المدني الديمقراطي، أو مناضلٍ من أجل الحرية؛ فليس من مؤسسة أو جهة مثل المنظومة العسكرية الأمنية؛ ظلتْ تقف دائماً عقبة رئيسية أمام التغيير والاستقرار والنهضة، تمارس القهر والكبت والاستبداد، أحياناً كأداة بيدِ النخب السياسية الحاكمة، وفي غالب الأحيان بإرادة ورغبة النخب العسكرية المهيمنة، حينما تقود هي بوجهٍ مباشرٍ الأنظمةَ السياسية، فاقدة الشرعية.

ونتيجة لهمينة وبطش واستبداد المؤسسة العسكرية وسيطرتها بطريقة غير شرعية على الفضائين السياسي والاقتصادي، واجه ملايين السودانيين ولا يزالوا، وعلى رأسهما القائدين عبدالعزيز الحلو وعبد الواحد النور؛ الكثير من الصعوبات التي أثرت سلباً على حيواتهم فاضُطر بعضهم إلى اختيار طريق النضال والثورة والتغيير، ولعل إعلان نيروبي – ونأمل ذلك – هو أحد ثمار هذا الاختيار .

وهنا ينبغي أن نشيد بشجاعة وحكمة الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، الذي تجاوز بوطنيته المعهودة والمشهودة كل المرارات التي جرعتها له المؤسسة العسكرية ولم تثنِه عن المضي قدماً من أجل تحقيق السلام وإنجاز التحول المدني الديمقراطي في البلاد.

لقد غادر حمدوك الخرطوم بعد أن حقق الكثير من الإنجازات فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الرعية للإرهاب، والشروع في إعادة دمجه في النظام المالي الدولي، وكفالة الحريات الأساسية؛ بسبب بطش وطيش قادة هذه الجيش، كما غادرها مؤخراً جميع سُكانها بسبب الحرب التي أشعلها هؤلاء أنفسهم.

ولأن تأسيس دولة سودانية محترمة ومستقرة وعلى أسس جديدة، لن يتأتي في ظل استمرار هذه المؤسسة العسكرية والأمنية المعطوبة التي لا عمل لها سوى اشعال الحروب الأهلية وتنظيم الانقلابات العسكرية وإشهار السلاح على المواطنين الذي يطالبون بالتغيير ، فقد جاء إعلان نيروبي ليقر بضرورة تأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة كشرطٍ لازم لتأسيس السودان الجديد المنشود، دولة الحرية و العدالة والمواطنة والديمقراطية والتنمية والاستقرار والإزدهار.

شكرا حمدوك مرة أخرى.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *