هاشم بدر الدين: جهاز أمن البشير لا يزال يعمل تحت لافتة الاستخبارات العسكرية للجيش

42

مصدر الخبر/وكالة راينو

 

قال القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان (الأم) والمنسق العام للواء السودان الجديد (هاشم بدر الدين) في حوار لـ(راينو)، أن لواء السودان الجديد كان القوة العسكرية الأساسية للمعارضة في شرق السودان، قاتل نظام الحركة الإسلامية بعد أن رفعت شعار (فلترق كل الدماء) في تسعينات القرن الماضي، وقدم ما يزيد عن الألف شهيد في حقبة التجمع الوطني الديمقراطي الذي رفع شعار الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية المحمية والمعززة بالسلاح للخلاص من نظام الحركة الإسلامية. حاورناه في عدد من المواضيع المتعلقة بلواء السودان الجديد واتفاقية نيفاشا للسلام وانفصال جنوب السودان وصولاً للحرب الحالية من أشعلها وإلى أين يمكن أن تمضي الإمور، وفي هذه المساحة ننشر الجزء الأول من الحوار:

حوار: راينو (1-2)

ذاع صيت (لواء السودان الجديد)، كحركة كفاح مسلح تتبع للحركة الشعبية لتحرير السودان، خاض المعارك ضد جيش المخلوع البشير في شرق السودان، حدثنا عن نشأة التنظيم، وأبرز مراحله التي مر بها وصولاً لليوم؟

لواء السودان الجديد آلية عمل وليس تنظيماً سياسياً بالمعني المتعارف عليه، وهو مبادرة قدمتها الحركة الشعبية عام (1995) للتنظيمات والأفراد الذين تواصلوا معها، وأبدوا رغبتهم في العمل معها لإسقاط نظام الجبهة (الترابية)، وبناء سودان جديد يقوم على الديمقراطية وسيادة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان، وعدم التمييز بناءً على اللون أو الدين أو العرق أو الجهة، سودان له هوية تجمع كل مكوناته بمختلف ثقافاتها، ولا تحاول فيه فئة أن تفرض هويتها ولغتها وثقافتها على بقية المجتمع.

الحركة الشعبية كانت وقتها في تحالف مع الأحزاب السياسية التقليدية والنقابات وبعض التنظيمات المسلحة، فيما عرف بالتجمع الوطني الديمقراطي. الأفراد والتنظيمات الذين قدمت لهم الحركة الشعبية مبادرتها لم يكونوا جزءً من التجمع، وبعضهم ربما كانوا جزءً من أحزابه، لكن لهم تحفظات على أدائها أو مواقف قيادتها، لذلك رغبوا في العمل مع الحركة الشعبية باتفاق حد أدنى، يتطور من خلال الانخراط في النضال السياسي والعسكري.

كان لواء السودان الجديد هو القوة العسكرية الأساسية في شرق السودان، وقدم ما يزيد عن ألف شهيد بما فيهم من قضوا بـ(الكلزار)، والحمى النزفية، ومرض النوم.

وكان من المفترض أن ينعقد مؤتمراً للواء السودان الجديد عام (1997)، لاختيار قيادة ووضع برنامج عمل سياسي، لكن تم إرجاؤه خوفا من أن يؤدى ذلك لإضعاف التجمع الوطني، لأن بعض قادة الأحزاب، أبدوا شكوكهم في أن الحركة الشعبية تسعي لصناعة بديل للتجمع.

كانت اتفاقية (مشاكوس) التي تفرعت في اتفاقيات (ناكورو) و(نيفاشا) لاحقا ً، وفرضها الأمريكيون على الحركة الشعبية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001)، واستسلام نظام (البشير) لهم، كانت نكسة لمشروع السودان الجديد، لأنها وضعت السودان عملياً تحت سلطة الإدارة الأمريكية التي عملت على إعادة صياغته وفق أولوياتها في حربها على ما تسميه الإرهاب، والتي قرر نظام البشير – رغم أنفه – أن يكون أحد أدوات المخابرات الأمريكية في تلك الحرب.

قدم لواء السودان الجديد ما يزيد عن الألف شهيد من أجل بناء وطن بلا تمييز

 

في مفاوضات الترتيبات الأمنية في (نيفاشا)، كان هاجس ممثلي نظام البشير هو انسحاب لواء السودان الجديد من مدينة (همشكوريب)، والبلدات والحاميات التي يسيطر عليها في شرق السودان في العام الأول من الفترة الانتقالية، خوفاً من أن يكون لواء السودان الجديد نواة لعمل مسلح جديد في الشرق، بعد أو خلال الفترة الانتقالية. وبالطبع استجاب الأمريكيون لمخاوف نظام البشير، واشترطوا سحب قواتنا من الشرق بعد توقيع الاتفاقية، وهي القوات التي جاءت إلى الخرطوم، وبقيت فيها طوال الفترة الانتقالية.

بعد اتفاق (نيفاشا)، وإجبار (الحركة الشعبية) على أن تستوعب المليشيات التي كانت تقاتلها مع نظام (عمر البشير)، علت أصوات الانفصال في الجنوب بعد أن دعمها الأمريكيون، بالنص على تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية، واقتسام أموال النفط مباشرة بعد التوقيع، والإبقاء على القوانين التي يسميها نظام البشير بالشريعة – وهي لا علاقة لها بالشريعة – وإسقاط مقترح أن تكون العاصمة قومية مستثناة من قوانين (الترابي)، بحيث لا يكون أمام المواطن الجنوبي خياراً غير التصويت للانفصال.

الإبقاء على شريعة البشير بعد نيفاشا أجبر الجنوبيين على التصويت للانفصال

بعد توقيع اتفاق أبوجا لسلام دارفور في العام (2006)، والذي ولد ميتاً، وما أعقبه من تشظي لحركات دارفور، قدمنا مبادرة لواء السودان الجديد كاتفاق حد أدني، يتجاوز نهج الاستقطاب القبلي الذي تميزت بن مرحلة ما بعد أبوجا. فاستجابت للمبادرة عدة تنظيمات في جنوب دارفور، مثل حسم في ديار (الهبانية)، ومجموعة الشهيد (آدم الراجي)، والجبهة الشعبية الديمقراطية، التي انخرطت حاليا في الحرب إلى جانب الدعم السريع.

(*) مرت ثورة السودانيين في ديسمبر من العام 2018 بمنعرجات كثيرة قبل سقوط النظام في الحادي عشر من أبريل 2019 فالفترة الانتقالية التي تم الانقلاب عليها في الخامس والعشرين من أكتوبر للعام (2021)، كيف تنظرون إلى التجربة، وما الذي أودى بها إلى هذا المصير؟

 

رغم الدور الإيجابي والفعال الذي قام به تجمع المهنيين في توقيت المسيرات وتحديد خطوط سيرها، لكن في اعتقادي الشخصي، أنه ارتكب خطأً كبيراً، بتوجيه مليونية 6 ابريل إلى القيادة العامة، وذلك أحد الأسباب الأساسية لما يحدث حالياً. كان يجب أن تتجه المليونية إلى القصر الجمهوري. القيادة العامة هي مقر قادة جيش البشير وبطانته المنتقاة بعد ثلاثين عام من الاختبار والتمحيص للتأكد من ولائهم – أو ضعفهم وخنوعهم – فصعدهم لرتبة فريق، وأحال الغالبية الذين لا يأمن غوائلهم إلى التقاعد.

والخطأ الآخر ليس مجرد خطأ، إنما جريمة في حق الشعب السوداني، وهو هرولة جماعة الهبوط الناعم إلى القيادة العامة بتعليمات من الأسياد في مساء 12 ابريل (2019)، للتفاوض مع لجنة عمر البشير الأمنية. غاية الأسياد من تلك الخطوة كانت تثبيت البرهان والاعتراف به كقائد للجيش، وكبح جماح الثورة، وقطع الطريق على أي تحرك قد تقوم به الرتب الصغيرة.

الدعم السريع يريد تسليم السلطة للشعب وجنرالات البشير يريدون تسليمها للفلول عبر انتخابات مزورة

 

من فاوضوا اللجنة الأمنية وقدموا لها التنازلات باسم الشعب، واستمروا في التفاوض رغم مماطلة اللجنة لإطالة أمد التفاوض حتى تخمد جذوة الحراك وتتفرق الجموع من أمام القيادة، ليسهل فض من تبقي منهم، هم الذين أجهضوا الثورة. ولم يكتفوا فقط بذاك الدور، ولكن عادوا للتفاوض بعد ارتكاب اللجنة الأمنية لجريمة فض الاعتصام. وبعد مليونية 30 يونيو الرافضة لأي دور للعسكر في السلطة وفي تحديد مستقبل السودان، ورغم شعار الشارع الذي تناقله الإعلام في كل العالم، رضخوا بسهولة لضغوط الأمريكان المتسترة خلف آبي أحمد والاتحاد الأفريقي، وقبلوا بالبرهان رئيسا لمجلس السيادة. هؤلاء هم الذين شرعنوا استمرارية نظام الإنقاذ بنسخته الثانية، وقادونا إلى ما نحن فيه الآن.

 

خطاب الفلول الإثني والجهوي الحالي سيؤدي لتشظي ما تبقى من الجيش

بعد الانقلاب نشطت الأحزاب المدنية والشارع السوداني في مناهضته، لتنضم قوات الدعم السريع لجهود العودة للمسار المدني الديمقراطي في وقت متأخر، من خلال التوقيع على الاتفاق الإطاري، واعتذر قائد قوات الدعم السريع عن الانقلاب ووصفه بالفاشل، كيف تنظرون لموقف الدعم السريع من انقلاب أكتوبر وما هي أسبابه برأيكم؟

الذي قاوم الانقلاب هم الثوار الذين خرجوا مباشرة للشارع لإعلان رفضهم واقتحموا القيادة العامة نفسها، الأحزاب لم تفعل شيئاً، بل إن رئيس أحد الأحزاب عمل وسيطاً وسمساراً بين (حمدوك) واللجنة الأمنية، لإخراجها من ورطتها.

الدعم السريع ليس حزباً أو تنظيماً سياسياً له مؤسسات تدرس خطواته ومواقفه قبل أن يتخذها، لذلك كان حتى ذلك الوقت أداة في يد جنرالات عمر البشير، الذين هم أيضا كانوا ولا يزالون أدوات في أيدي الفلول، فجروه معهم في الانقلاب الذي أدرك فيما بعد خطأه واعتذر عنه، وأمر اللجنة الأمنية بتسليم السلطة للشعب. ولأنها لا ترغب في ذلك، غامرت بالدخول في حرب مع الدعم السريع.

 

القتل على أساس الهوية ليس جديداً علي الجيش السوداني المسيس

كانت حرب الخامس عشر من أبريل هي ذروة الصراع بين الجيش المتحالف مع رموز النظام البائد وقوات الدعم السريع، تبنى فيها الدعم السريع شعارات ديسمبر، ومنها استعادة المسار المدني الديمقراطي وابتعاد العسكر عن السلطة بالكامل في الفترة الانتقالية القادمة، فإلى أي مدى يمكن أن تسفر حرب أبريل عن هذه النتائج مع الوضع في الاعتبار جهود عناصر النظام القديم لإطالة أمد الحرب؟

فلول النظام السابق هم من أشعل الحرب باستخدام هيئة عمليات جهاز الأمن للهجوم على قوات الدعم السريع في المدينة الرياضية، وهم من أجبر جنرالات (عمر البشير) على توريط الجيش فيها، وأوهموهم بأن هزيمة الدعم السريع أمراً سهلاً لن يستغرق سوي ساعات، وأن مصر ستقاتل معهم من أجل مصالحها، لعلمها أن الأنظمة العسكرية هي الأكثر حرصاً على مصالحها في السودان، وهم من أمر جنرالات عمر البشير بإطلاق سراح قادتهم من السجون ليقودوا معهم المعارك ويشاركوا في التعبئة.

فلول النظام السابق يعيشون بذات العقلية القديمة، يتمنون ولا يفكرون، يعيشون في عالم من الأحلام، ينسجون القصص من خيالهم ويصدقونها، يكذبون على الناس وعلى أنفسهم، يتبعون الهوى والشيطان الذي يتلاعب بهم فأوهمهم أن إرادة الله طوع إرادتهم، وأن المشيئة لهم لا لله سبحانه وتعالى، لكن الدعم السريع خيب آمالهم وأضغث أحلامهم، فالحرب لم تزيدهم إلا تبارا، ودعواتهم لاستمرارها يدفع ثمنها الأبرياء، لأنهم لا يخوضونها ولا يعانون ويلاتها، وكانوا أول الهاربين إلى المنافي.

لا اعتقد أنه حتى بعد وقوف الحرب، ستعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب أو قبل الانقلاب، وأسلوب الاستقطاب العرقي والجهوي الذي يستخدمه الفلول حالياً سيقود حتما لتشظي الجيش، إذا بقي هنالك جيشاً، وقد تمتد الحرب لثلاث سنوات وتتدخل فيها أطراف أخري محلية أو إقليمية، وتفرز واقعاً جديداً المعطيات فيه مختلفة، فالعودة إلى الوراء أمر مستبعد، وأي تسوية تشرك الجيش في الفترة الانتقالية، لن تجد قبولاً.

الدعم السريع يريد تسليم السلطة للشعب وجنرالات عمر البشير يريدون الاحتفاظ بالسلطة باسم مجلس الأمن والدفاع وتسليمها للفلول عبر انتخابات مزورة ينظمها جهاز أمنهم كما كان يفعل في السابق ليضموا سلامتهم.

 

شابت حرب أبريل العديد من الانتهاكات من الطرفين في حق المواطنين السودانيين وممتلكاتهم، منها الاعتقال والقتل على الهوية من جانب الجيش، وعودة التعذيب في المعتقلات السرية للجان المقاومة والناشطين من الأحزاب السياسية، فما مدى خطورة سير الإمور بهذا المنحى وإمكانية خروجها عن السيطرة بحيث تتشظى البلاد وتتقسم؟

كل الحروب تحدث فيها انتهاكات وتعدى على المدنيين، وتتعاظم هذه الانتهاكات إذا حدثت المعارك داخل المدن. هروب الشرطة وإطلاق سراح آلاف المساجين بما فيهم عتاة المجرمين كان عملاً مدبراً، الهدف منه التغطية على إطلاق سراح قادة النظام السابق بما فيهم المطلوبين من محكمة الجنايات الدولية وعناصر جهاز الأمن المدانين بقتل المعلم أحمد الخير، والهدف الآخر خلق حالة من الفوضى تهيئ الرأي العام لتقبل عودة الدولة الفاشية.

القتل على أساس الهوية ليس أمراً جديداً علي الجيش، ولا على كل مليشياته التي صنعها، وقصف المواقع المدنية بحجج واهية هو سياسة الأرض المحروقة التي مارسها الجيش في الجنوب وجبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق، والآن يمارسها في قلب العاصمة دون وازع أو رادع، لأنه في كل الحروب لا يتفوق إلا بها.

 

السبب الرئيس لكل هذا الدمار هو وجود معسكرات الجيش داخل العاصمة، وهو أمر شاذ، أثاره العديد من المثقفين والمهتمين في الصحف بعد سقوط نميري عام (1985)، وتصدى للدفاع عنه العديد من ضباط الجيش لأنهم يريدون الجمع بين الحياة المدنية، ومهنة العسكرية. مستشهدين بمعسكرات الجيش في (القاهرة)، لأن قدوتهم دائماً هي الجيش المصري، رغم أن كل دول العالم المتقدم تضع جيوشها خارج المدن الكبيرة.

وللأسف لم تولي حكومة الأحزاب أهمية لهذا الأمر، رغم خطورته على أرواح ملايين المواطنين. والآن يدفع ثمن وجود معسكرات الجيش في العاصمة ملايين المواطنين الأبرياء بإزهاق أرواحهم وسفك دمائهم وضياع ممتلكاتهم ووظائفهم، وتشردهم في أصقاع الأرض.

الاعتقالات للجان المقاومة والناشطين يقوم بها نفس جهاز أمن البشير الذي يعمل باسم الاستخبارات العسكرية، حتى لا يدخل فى مشكلة مع أولياء نعمته الأمريكان، لأن الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري نصا على أن جهاز الأمن ليس له سلطة الاعتقال والتحقيق. وكان يجب أن تنص هذه الوثائق قبل كل شيء على منع الاعتقال نفسه من أي جهة كانت، وطبعاً هذا ناتج عن عدم معرفة بالدساتير، وعدم الاطلاع حتى على دستور السودان المؤقت لعام (1956)، الذي نص في الفصل الثاني المادة 6 على حظر القبض على الأشخاص ومصادرة ممتلكاتهم.

 

 

 

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *