متى يعتدل الكيزان ويتأدبون مع الله وخلقه؟

221

????????????????????????????????????

رشا عوض ..

متى يعتدل الكيزان ويتأدبون مع الله وخلقه؟

الاعتدال والتأدب الذي أعنيه هو: قبول الكيزان بأن يكونوا في هذا الوطن مواطنين عاديين لا سادة أوصياء على دنيا الناس وآخرتهم، ويقتنعوا بأن عهدهم في السلطة قد انتهى؛ لأنه بمنطق السياسة والتاريخ والأخلاق كان لا بد أن ينتهي، وأنهم يجب أن يقبلوا ذلك كحقيقة موضوعية، ويفتحوا صفحة جديدة خالية من أوهام العودة إلى فردوس السلطة المفقود بالقوة العسكرية.

معطيات الواقع تقول بوضوح لا لبس فيه: لن يعتدل الكيزان، ويتأدبوا مع الخلق والخالق إلا في حالة واحدة فقط هي ببساطة أن يفقدوا قوتهم العسكرية التي تمكنهم من قهر الشعب السوداني وأن يفقدوا المال السائب المتدفق عليهم من حنفية المال العام بلا حسيب أو رقيب، والذي يستخدمونه في إفساد الحياة السياسية وإغراقها في الزيف والكذب والتضليل عبر الإعلام الفاجر المأجور وعبر الرشاوى السياسية.

لن يعتدل الكيزان، ويتأدبوا إلا إذا كان هذا هو الخيار الوحييييد المتاح أمامهم! إلا إذا فقدوا القوة العسكرية والمال المسروق من الشعب السوداني! باختصار إلا إذا انكسر مركزهم الأمني العسكري، وفقد السيطرة والجدوى السياسية والاقتصادية.

هل معنى ذلك أنني أتبنى خيار استمرار الحرب حتى ينفذ الدعم السريع هذه المهمة؟ هذا استنتاج متعجل وغير صحيح للأسباب التالية:

أولا: شخصيا لا أنظر إلى الدعم السريع كمنقذ أو مخلص من الاستبداد والدكتاتورية لأسباب شرحتها بالتفصيل في مقالات سابقة.

ثانيا: أنا وأمثالي من المدنيين الديمقراطيين لا نمتلك أمر التحكم في هذه الحرب وهي وبال علينا، ولو كان لنا من الأمر شيء لما تركناها تندلع أصلا؛ لأن في اندلاعها حكم إعدام على الحياة الطبيعية للسودانيين وحكم إعدام مغلظ على الحياة السياسية الديمقراطية، ولكنها اندلعت رغم إرادتنا، وعلى العكس تماما من تمنياتنا، اندلعت لأن الكيزان أرادوا ذلك، ولأن الدعم السريع نفسه أراد ذلك، الكيزان يرغبون في الحكم بالقوة، والدعم السريع يرغب في الحكم بالقوة، وهذا ما جعل الحرب حتمية، لا يهم من أطلق الرصاصة الأولى ولا داعي للغرق في شبر ماء التفاصيل التي لا معنى لها! فالحرب كانت حتمية بكل أسف بسبب طمع الطرفين في السلطة.

حسب كثير من التجارب التاريخية، تفرز الحروب في النهاية نتائج ضد مقاصد أطرافها، ربما يحصد شعب السودان المنكوب الذي دفع فاتورة هذه الحرب اللعينة، دون أن يكون طرفا فيها مكسبا تاريخيا للأجيال القادمة وهو “تجريد الكيزان من أدوات قهر الشعب السوداني”. ولكن هل سيكون البديل نظاما ديمقراطيا؟ بالطبع لا! المرجح حسب معطيات الواقع هو “استبداد آخر”! بمعنى أن الديمقراطيين الحقيقين معركتهم ستظل مستمرة وطريق التضحيات أمامهم طويل وشائك حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، ولكن الدكتاتورية التي ستخلف الحرب ستكون ضعيفة سياسيا وحتى عسكريا ومنزوعة الهيبة والمهابة، فالدعم السريع انهزم سياسيا أثناء الحرب بانتهاكاته الكبيرة ضد المدنيين، والجيش انكشف ضعفه ومدى سيطرة الكيزان عليه، أما الكيزان فأثبتوا في هذه الحرب مدى عدم قابليتهم للإصلاح بالتي هي أحسن ومدى انغلاقهم على خيارين لا ثالث لهما: إما حكم السودان وإما إحراقه بالكامل!

كيزان السودان منذ نشأتهم لم يتعرضوا في هذا البلد الطيب أهله لما تعرض له الإخوان المسلمون من قمع واضطهاد في سوريا ومصر وليبيا وتركيا، حتى بعد سقوط نظام حكمهم الذي بدأ بدق مسمار في رأس طبيب، وانتهى بدق خازوق في جسد معلم وبينهما الإبادات الجماعية ونهب الموارد وتبديد الأصول المادية والمعنوية، حتى بعد سقوطهم بثورة شعبية ماذا فعل لهم هذا البلد الطيب؟

ماذا فعلت لهم الثورة السلمية؟

هل أذاقتهم، ولو نذرا يسيرا مما أذاقوه لهذا الشعب خلال حكمهم البغيض!

أبدا، ولكن الذي أذاقهم الويل والثبور وعظائم الأمور هو المليشيا التي صنعوها بأيديهم لحماية وحراسة نظامهم الفاسد المنحط، فانقلب السحر على الساحر!

ظنوا أن الحرب مع الدعم السريع ستكون نزهة مجانية مثل حروبهم على العزل والنساء والأطفال في دارفور والمتظاهرين السلميين في الخرطوم ومدني وعطبرة والأبيض!

وبعد أن مد الواقع لسانه لرغائبيتهم، وطال أمد الحرب، كالعادة لم يستخلصوا الدرس الصحيح، ويدركوا أن هذه الحرب لن تعيدهم إلى السلطة، ولو استمرت ستقسم البلاد وتدمر الدولة! بل عضوا على الأجندة الحربية بالنواجذ وكأنهم عاهدوا شياطينهم على أن يحرقوا هذه البلاد شبرا شبرا، ويدكوها على رؤوس من فيها عقاب لشعبها؛ لأنه لم يقبل استمرار حكمهم الفاسد إلى الأبد!

وبدلا من أن يراجعوا حساباتهم لصالح “معادلة كسبية” تحقق السلام، وتنقذ ما تبقى من وطن وتوقف نزيف الدم، انخرطوا في عمل منهجي لإطالة أمد الحرب وتحويلها لحرب أهلية عبر خطاب الكراهية والعنصرية، وركزوا مدفعيتهم الثقيلة صوب القوى المدنية الديمقراطية كذبا وتلفيقا للاتهامات واغتيالا للشخصيات بهدف تشويه الصوت المدني واستئصاله وتحميل المدنيين مسؤولية الحرب ومسؤولية انتهاكات الدعم السريع عبر أبشع عملية تضليل وتزييف للوعي وكسر لأعناق الحقائق شهدها تاريخ البلاد! فالكيزان بعد أن فشلوا في استئصال الدعم السريع عسكريا، وتجرعوا الهزائم المتتالية في ميدان القتال، فمن غير المستبعد أن يفكروا مجتمعين، أو يفكر تيار منهم في تقاسم السلطة مع الدعم السريع إن رضي هو ورضي حليفه الإقليمي، ولذلك يجب توجيه شحنة الغضب والاستياء الشعبي من ويلات الحرب إلى القوى المدنية الديمقراطية!! يجب خداع الشعب بأن الرصاص الذي يقتله والدانات التي تهدم بيوته وتمزق أوصاله، وكل الدمار الذي لحق به مصدره قحت وتقدم! وليس مصدره الأطراف العسكرية التي تتقاتل على السلطة! سبب الموت والجثث التي تنهشها الكلاب ودم الأبرياء المسفوك ومذلة النزوح واللجوء والمباني المهدمة والجسور المدمرة هو القوى المدنية التي ترفع رايات السلام، ولا تحمل في يدها سوى القرطاس والقلم! وليس السبب هو الجيوش المتحاربة التي في يدها الدبابات والطائرات والتاتشرات والمدافع والبنادق! وليس السبب هو التنظيم الأخطبوطي صاحب المليشيات والمهيمن على مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية!

هل هناك بجاحة وافتراء وتجني على الحقيقة أكثر من ذلك!

وهل من مسخرة مثل أن يجد هؤلاء الأفاكون في صفوفنا من يتطوع لإزاحة اللوم عنهم، ويوبخ من يكشفون زيفهم وأكاذيبهم، بل ويساوي بينهم وبين ضحاياهم بترويج ثنائية كيزان وقحاتة!!

هل يعقل تقسيم المسؤولية عن الأزمة السودانية بالتساوي بين النظام الذي حكم بالحديد والنار ثلاثين عاما ارتكب فيها أبشع الجرائم والمفاسد وحكومة انتقالية لم تستمر سوى عامين، وكانت مخنوقة بأيدي العسكر وأذرع الدولة العميقة، وفي النهاية تم الانقلاب عليها!

إن زجر الضحية وملاطفة المجرم وعزف المعزوفات التي تطربه بالصورة التي رأيناها في أثناء هذه الحرب لا علاقة له بالموضوعية والاتزان، بل هو تواطؤ مفضوح مع المجرم على حساب الموضوعية والاتزان! أو على أحسن الفروض إحسان ظن بالمجرم واعتقاد بأن الملاطفة والطبطبة ستجعله يكف أياديه عن الإجرام! وهذه غفلة!

الكيزان لن يكفوا عن الإجرام إلا إذا أصبحوا غير قادرين عليه! ولو كانت الملاطفة تجدي معهم لما فعلوا بالسودان البلد الذي أكرمهم دونا عن كل بلاد الدنيا ما فعلوه من تخريب وحروب ودمار!

وسط نيران حربنا هذه نتساءل: هل أصابت مصر عبد الناصر ومصر السيسي، وسوريا حافظ الأسد وليبيا القذافي وتونس بورقيبة، وقبل ذلك تركيا أتاتورك في معاملة الإخوان المسلمين فيما أخطأ السودان، وها هو يدفع الثمن؟

كيزان السودان هزموا “الإسلام السياسي” شر هزيمة؛ لأنهم قطعوا لسانه الأخلاقي، وكانت ممارساتهم ضد البلد الذي عاملهم برفق وكرامة حجة قوية يمكن أن يستخدمها أصحاب النهج الاستئصالي ضدهم في أي مكان!

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *