إيران في السودان: محطة استخبارية في البحر الأحمر بدلاً من قاعدة بحرية.!!
إيران في السودان: محطة استخبارية في البحر الأحمر بدلاً من قاعدة بحرية.!!
تقرير: منعم سليمان
عادت العلاقات الثنائية الإيرانية/ السودانية بعد فترة انقطاع فاقت الـ 8 أعوام. وعاد التعاون العسكري والأمني مع عودة الإسلاميين إلى الواجهة بعد حرب 15 أبريل 2023، وسيطرتهم على القرار السياسي، خصوصاً فيما يختص بالعلاقات الخارجية.
وكان السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران في يناير من العام 2016، تضامناً مع المملكة العربية السعودية، عقب الاعتداءات التي تعرضت لها السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد.
ولم يكن للإسلاميين يداً في قرار قطع العلاقات مع إيران، إذ صدر القرار في ذلك الوقت من رئاسة الجمهورية بعيداً عن دوائرهم، بتحركٍ فردي من الفريق طه عثمان الحسين، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب الرئيس عمر البشير، وكان قد هاتف وقتها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإبلاغه بالقرار، ما أثار استياء الإسلاميين، حتى أنّ ابراهيم غندور القيادي بالحركة الإسلامية السودانية، والذي كان يشغل منصب وزير الخارجية في ذلك الوقت، قال إنّه كوزير للخارجية لا علم له بالقرار، وانه صدر من الرئيس السابق البشير ومدير مكتبه، وهدّد بالاستقالة رفضاً له.
ومع عودتهم إلى مركز القرار، ها هم الاسلاميون يعودون بالسودان إلى حلفائهم السابقين.
في بداية هذا الشهر (يونيو)، أعلنت وزارة خارجية سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، التي تسيطر عليها بالكامل الحركة الإسلامية السودانية، تسمية عبد العزيز حسين صالح سفيراً لدى إيران، وعينت السفير خالد الشيخ نائباً له. وفي المقابل عينت إيران السفير حسن شاه حسيني سفيراً لها في السودان.
الملاحظ في اختيار السفراء انهم أمنيين أكثر من كونهم دبلوماسيين، ما يؤكد الاهتمام بالجانب الأمني أكثر من الدبلوماسي لدى الطرفين، حيث إنّ السفير السوداني ونائبه من أعضاء الحركة الإسلامية السودانية، الذين التحقوا بالعمل الدبلوماسي عبر البوابة الأمنية، فالسفير عبد العزيز بدأ حياته بالعمل في (الأمن الشعبي) ، وهو أمن خاص بالحركة الإسلامية، ثم عُيِّن لاحقاً كضابط في جهاز الأمن، بعدها ألحقه جهاز الأمن بوزارة الخارجية في عام 1996، حيث تدرج بسرعة حتى وصل إلى درجة سفير، وسبق له العمل ملحقاً أمنياً بسفارة السودان بإيران؛ مهمته التنسيق بين الحركة الإسلامية في السودان والحرس الثوري الإيراني، ثم عمل بعدها بدولة تشاد. أما آخر منصب له، فكان مديراً لإدارة دول الجوار بوزارة الخارجية. كذلك نائبه خالد الشيخ، الذي لا يزال يعمل بأمن الحركة الإسلامية (الأمن الشعبي)، وسبق له االعمل قنصلاً بسفارة السودان في مصر. والحال كذلك بالنسبة لسفير إيران حسن شاه حسيني، صاحب الخلفية الأمنية، حيث عمل بالحرس الثوري الإيراني، وسبق له العمل في برنامج التصنيع الحربي الإيراني.
بحسب مصادر عسكرية وأمنية موثوقة لدينا، قامت إيران بإرسال (14) شحنة أسلحة، منذ بداية ديسمبر الماضي 2023 وحتى 3 يونيو الحالي، كانت آخرها الأسبوع الماضي، حيث هبطت بمطار بورتسودان طائرة شحن من طرار بوينج 747 تديرها شركة (قشم فارس للطيران)، مُحمّلة بالمعدات العسكرية.
قال ضابط جيش متقاعد برتبة لواء يقيم في بورتسودان—طلب عدم الإفصاح عن هويته—إن شحنات الأسلحة الإيرانية تتوزع ما بين طائرات درون، قذائف مدفعية موجهة، ألغام ، متفجرات، ذخائر ، بنادق آلية، وأجهزة تحديد مواقع (جي بي أس) متطورة.
وأضاف أن الطائرة الإيرانية الأخيرة، التي هبطت في مطار بورتسودان، كانت تحمل أجهزة (جي بي اس)، وطائرات درون من طراز (مهاجر6)، التي أثبتت دقتها في العمليات الحربية ضد قوات الدعم السريع” – بحسب وصفه.
وقال مصدر أمني مطلع وموثوق يعمل في ميناء بورتسودان، إنّ وصول طائرة الشحن الإيرانية السابقة تزامن مع دخول السفينة الحربية (ديسي) Daisy المياه الإقليمية السودانية، وهي سفينة تجسس إيرانية تابعة للحرس الثوري حلت بديلة لسفينة التجسس (بهشاد)، التي انسحبت في بداية أبريل الماضي من البحر الأحمر، وكانت تعمل في مجال جمع المعلومات للحوثيين.
وكشفت تقارير عن ارتفاع أسعار إيجارات العقارات الفخمة في مدينة بورتسودان، وذلك مع عودة النشاط الدبلوماسي الإيراني. وحول هذا الأمر قال لي أحد مُلاك العقارات بالمدينة، إنّ العقارات المستأجرة من قبل أفراد إيرانيين تفوق الـ 30 عقاراً، تتوزع ما بين سكني ومكاتب، مضيفاً أن أغلبها في حي (ترانزيت) وسط المدينة.
وعن سبب هذا الوجود الإيراني الفجائي المكثف بالمدينة، ومدى ارتباطه بما يتردد عن رغبة طهران في إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، نفى المصدر الأمني الموثوق رغبة إيران في هذا الأمر، ولكنه كشف لنا عن رغبة إيرانية حقيقية في إقامة محطة استخبارية بالمدينة المطلة على البحر الأحمر، قائلاً : إنّ طائرات الشحن الإيرانية التي تصل مطار المدينة تحمل، بجانب الأسلحة والمعدات الحربية، أغراضاً أخرى تخص البعثة الإيرانية هناك، “كثيراً ما شوهدت شاحنات صغيرة تخرج من المطار على متنها إيرانيين”، مرجحاً أنها ربما كانت معدات وأجهزة صغيرة الحجم لتأسيس محطتهم.
ومن جهته، أكد خبير عسكري رغبة إيران في تأسيس محطة إستخبارات بالمدينة الساحلية، قائلاً “هذا ليس سِراً ، فقد تحدث عنه مسؤولين إيرانيين مع مسؤولين في المخابرات ووزارة الخارجية السودانية”، مضيفاً أن طهران تريد من إعادة علاقتها مع السودان تعزيز نفوذها في الممرات المائية الاستراتيجية، خصوصاً في البحر الأحمر، قائلاً: إنّ استراتيجية إيران تقوم على السيطرة، وهي الآن تُهدّد الملاحة الدولية في باب المندب عبر ذراعها (الحوثيين)، وإذا ما نجحت في السودان فإنها ستكون قد طوقت دول الخليج العربي، وأصبحت قريبة أكثر من إسرائيل، وقريبة لمساعدة الحوثيين، وأقرب ايضاً لتزويد حماس وحزب الله بالأسلحة.
وأبدى الخبير الأمني مخاوفه من أن إيران تشجع دائماً عدم الاستقرار في البلدان التي تدخلها، وضرب مثلاً بالعراق وسوريا واليمن، قائلاً: إنّ أول ما ستسعى إليه إيران هو تأسيس مليشيا تابعة لها، وفي حالة السودان، فإن الأمر أصبح أسهل مع عودة الإسلاميين إلى مواقع القرار بعد حرب 15 أبريل 2023 وقيادتهم ومشاركتهم الواسعة في الحرب.