دارفور.. صيحات النازحين من حصار الجوع ومواجهة الرصاص
مصدر الخبر/راديو دبنقا
تقرير : سليمان سري
كثيرًا ما تختم المنظمات الدولية بياناتها بعبارات تحمل رسائل عديدة أو دروس وعبر من شاكلة “ويواجه السودان – الذي كان يوصف ذات يوم بأنه سلة الخبز المستقبلية لشرق أفريقيا، أو سلة غذاء العالم، سلة الأمن الغذائي”، ولكن تبدل الحال فأصبح السودان بلا أمن ولا غذاء، وشبح الجوع يحاصر السودانيين في كل الولايات لكن بالتدرج حيث سينتقل من ولاية إلى أخرى، هذا إذا لمن ينجو من قصف الجيش السوداني وقذائف الدعم السريع.
تشهد الأيام القادمات في دارفور بوادر أزمة إنسانيًة خطيرة تنذر بمجاعة طاحنة تفتك بحياة آلف النازحين في المعسكرات، فبعد كل ساعة وأخرى تمر على النازحين هناك، تزداد الأوضاع سوءً لعدم توفر المخزون الكافي من الغذاء وانعدام كامل للدواء والرعاية الصحية، إضافة إلى انتشار الأمراض وخاصة سوء التغذية وسط الأطفال أقل من 5 أعوام، لا توجد جهة تتكفل بتغطية احتياجات سكان المعسكرات من المؤن الغذائية سوى برنامج الغذاء العالمي، الذي علق عملياته بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل الماضي، 8 أشهر تناقص حجم المخزون إلى أن وصل مرحلة النفاذ وهو وضع لا يمكن التعامل معه إلا بممارسة مزيد من الضغوط واطلاق الدعوات بوقف الحرب ولو لأيام لتمكين عمال الإغاثة من إيصال المساعدات لإنقاذ حياة آلاف من النازحين من خطر المجاعة الداهم. كل هذه المأساة واقع يومي معاش، تضاف إليها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنساني في حق هؤلاء الأبرياء من المدنيين العزَّل داخل أو خارج المعسكرات.
ورصدت تقارير صحفية صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، معاناة أكثر من 1.2 مليون طفل دون سن الخامسة في ولايات دارفور من سوء التغذية الحاد، ويواجه 218 ألفا منهم سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أكثر أشكاله فتكا. بدون العلاج العاجل والخدمات المنقذة للحياة، فإنهم معرضون بشدة لخطر الموت.
وذكرت تقارير إعلامية توقف كلي لعمل نحو 3 آلاف منظمة إنسانية عاملة في البلاد من بينها 110 منظمة أجنبية وأكثر من 10 وكالات أممية ومنظمة إقليمية عاملة في الشأن الإنساني. وذلك منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، منتصف أبريل الماضي.
المجاعة تهدد المواطنين:
المتحدث بإسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين في دارفور يرى أن الوضع الإنساني كارثي ومتردئ ويصعب وصفه، ولا يمكن لأي شخص أن يتصور كيف يعيش هؤلاء الضحايا، مع انعدام الغذاء خاصة بعد تعليق برنامج الغذاء العالمي لعملياته وخروجه من الإقليم، وهم بالطبع رأوا أن الوضع الأمني غير مساعد.
ويقول: آدم رحَّال في اتصال هاتفي مع “راديو دبنقا” إنَّ الأزمة الإنسانية في المعسكرات تزداد بشكل يومي، ويعتقد بأن الأمر يحتاج لمعالجات على الأرض وذلك لا يتم إلا بالتدخل العاجل للمنظمات، ويضيف أن المجاعة تهدد المواطنين لانعدام الغذاء،.
لازال الضحايا ينتظرون عودة برنامج الغذاء العالمي بعد مرور أكثر من 8 أشهر، كما يضيف رحال، لاستئناف عملياته الإنسانية لتوصيل المعونات الغذائية للمحتاجين في المخيمات، وهؤلاء الضحايا ولا يملكون المأكل والمشرب وينتظرون رحمة السماء، وينوه إلى أن الأسر غير قادرة على توفير وجبة غذاء واحدة لأبنائهم، ويقول: إنَّ الأطفال هم الأكثر عرضة للموت لأنهم الأشد معاناة مع تفشي أمراض سوء التغذية وعدم توفر الدواء، ويشير إلى أن كثير من الأسر تعد وجبة “نشاء” للأطفال ليتصبروا بها قبل إعداد الطعام “و في الحقيقة لا يوجد طعام “، وهذه الوجبة مع الأمعاء الخاوية تسبب لهم اضطرابات معدة.
الموت البطئ:
ويعتقد أن المعاناة بدأت بعد الاعتداء على مخازن برنامج الغذاء العالمي ونهبها من قبل “الميليشيا” ما تسبب في كارثة إنسانية مازالت تداعياتها مستمرة إلى اليوم، لكنه يرى أنها تدرجت بعد ذلك حيث تفاقمت أكثر خلال الثمانية أشهر الماضية “منذ بداية الحرب منتصف أبريل”، ويقول: إن النازحين قبل الحرب كانت لديهم حصص غذائية شهرية منتظمة ومقررة من قبل إدارة برنامج لكنها توقفت تمامًا ولم يعد لديهم مخزون احتياطي وما تبقى نفذ خلال أيام الحرب، ويحذر من حدوث مجاعة ليس في المعسكرات فحسب بل في كآفة الإقليم ويضيف: إنَّه الموت البطيء.
وتشكو الأمم المتحدة ووكالاتها من عدم قدرتها من الوصول للمحتاجين ويشير مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية في السودان (أوشا) في بياناته إلى عوائق تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين ولاسيما في مناطق الصراع.
لايوجد مسؤول عاقل:
ويشدد رحال على أنه ليس هنالك من حل إلا بعودة المنظمات الإنسانية والتعامل مع هذه الأوضاع باعتبارها حالة طوارئ تستوجب التدخل العاجل لأن الوضع لا يحتمل، ويخشى من أن تفاقم هذه الأوضاع سيؤدي في النهاية إلى حدوث مجاعة وشيكة لا يمكن تفاديها إلا بالضغط على طرفي القتال بفتح مسارات آمنة دون قيد أو شرط، لتمكين المنظمات الإنسانية من توصيل الإغاثة للمحتاجين بصورة عاجلة ولو بشكل جزئي، ويؤكد أنه دون هذه المعالجات فإن الجوع سيفتك بحياة هؤلاء الأبرياء.
ومع هذه الظروف الإنسانية القاسية يعبر رحَّال عن استيائه من أن الضحايا في المعسكرات لم يسلموا من التفلتات واستمرار الانتهاكات والجرائم، ومنذ اندلاع الحرب واستمرارها مع هذه الفترة الطويلة، بكل أسف، كما يقول رحَّال، مع كل هذه الأوضاع المتردية لا يوجد مسؤول عاقل يفكر في وقف الحرب ومن أجل الأغراض الإنسانية، ومن أجل الضحايا، المظلومين والمقهورين خاصة النساء والأطفال وكبار السن..
أما الداعية السوداني الشيخ مطر يونس، المراقب العام لمنسقية النازحين واللاجئين فقد أطلق نداًء واسعًا بثه في تسجيل صوتي بثه على مواقع التواصل الاجتماعي تحصل عليه “راديو دبنقا”، المنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية والسودانيين بالخارج، أن يهبوا لإنقاذ الشعب السوداني من مجاعة وشيكة محتملة في مقبل الأيام، واصفًا الأوضاع بالخطيرة خاصة في معسكرات النازحين في دارفور، مشيرًا إلى أنه عاد من جولة واسعة طاف خلالها على المعسكرات وجلس مع النازحين وعبر عن استيائه من ما شاهده من تدهور وصفه بالمزرى خاصة في معسكر “كلمة” الذي قال بأن وضعه كارثي وفي حاجة ماسة إلى تدخل عاجل من قبل المنظمات.
ويرى يونس أن السودانيين جلهم أصبحوا نازحين ولاجئين بسبب الحرب الدائرة الآن وهم في حاجة عاجلة إلى إغاثة، غير أن الأكثر حاجة منهم النازحين في المعسكرات ويشير إلى أن إنسان دارفور ظل يعاني منذ العام 2003 من الحروبات والقتل والدمار والآن الغالبية منهم مصابين بسوء التغذية، إضافة إلى انتشار كثير من الأمراض.
مناشدة إنسانية:
ويعتقد يونس أن بعض عوامل الأزمة الإنسانية لعدم تمكن المواطنين من الزارعة خلال فصل الخريف بسبب الحرب ويقول في هذا الصدد: إنَ الذين زرعوا لم يتمكنوا من الحصاد غير عدد قليل منهم حصدوا كميات قليلة ومحصولهم من مخزون العام الماضي قد نفذ وهم يواجهون الآن وضع كارثي ومجاعة محتملة .
ويقول بمثلما ناشدت كل السودانيين خارج السودان فإنني أناشد أبناء دارفور خاصة ويضيف: عليهم أن يأخذوا هذا الحديث مأخذ الجد وأن الأمر لا يحتمل التأخير ودعاهم لعدم تسييس القضية والنظر إليها في بعدها الإنساني.
ويناشد الداعية مطر يونس طرفي القتال لوقف الحرب وإنَّه يخاطب ضميرهم الإنساني وأصحاب العقول فيهم لوقف الحرب ووقف المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني الذي عاش سنوات طويلة في حروبات داخلية، لكن ويأسف يونس من الصراع بين طرفي القتال من أجل الوصول لكراسي السلطة وقال أن السلطة لا تأتي بالرصاص ولا على جثث الضحايا، وقال إنَّ ذلك يخالف المروءة والشهامة التي عرف بها السودانيين وما يفعله الطرفين لا يشبه أخلاقه ولا سلوكياته.
وجدد دعوته لمنظمات الأمم المتحدة ووكالاتها ودول الترويكا والاتحاد الأوربي ودول الجوار وكل شعوب العالم المحبة للإنسانية والمحبة للسلام، أن تقف مع الشعب السوداني في محنته الإنسانية ومصيبته حتى يخرج منها سليمًا معافىً والقبول بدولة المواطنة التي لا تفرق بين أنباء الوطن على أساس عرقي أو ديني.