الاجتماع الثلاثي لقادة تحالف السودان التأسيسي .. من رسم الخطة إلى رهانات الواقع

وسط أجواء من الترقب الشعبي والتحديات التاريخية التي تحيط بالسودان، جاء الاجتماع الثلاثي الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي الفريق أول محمد حمدان دقلو، ونائبه القائد عبد العزيز الحلو، ورئيس الوزراء محمد حسن التعايشي، كخطوة غير عادية في مسار بلد أنهكته الحروب والانقسامات، ولم يكن اللقاء مجرد اجتماع سياسي عابر، بل حدثًا مفصليًا يعكس رغبة حقيقية في إعادة صياغة المشهد الوطني وفق رؤية “تأسيس”، التي تَعِدُ بوضع أسس جديدة لدولة مدنية ديمقراطية قادرة على تحقيق السلام، العدالة، والمساواة، وهذه اللحظة، بكل ما حملته من دلالات سياسية ورمزية، فتحت الباب أمام نقاش أوسع: هل يستطيع السودان، بقيادته الجديدة، أن يحول شعارات التأسيس إلى واقع يلمسه المواطن العادي في حياته اليومية؟ وهل يكون هذا التوافق بداية لوحدة وطنية طال انتظارها، أم محطة أخرى في طريق الأزمات المتكررة؟
نيالا – بلو نيوز الاخبارية
اجتماع الثلاثي
في خطوة وصفت بأنها منعطف مهم في مسار الانتقال السياسي السوداني، عقد رئيس المجلس الرئاسي الفريق أول محمد حمدان دقلو، ونائبه القائد عبد العزيز الحلو، ورئيس الوزراء محمد حسن التعايشي، اجتماعًا موسعًا لبحث خطة حكومة “تأسيس” وأولويات العمل الوطني خلال العام المقبل.
الاجتماع، الذي خرج بتوافق ثلاثي حول خريطة طريق شاملة، اعتُبر من قِبل مراقبين ومواطنين على السواء لحظة فارقة تضع السودان أمام اختبار تاريخي بين وعود التأسيس وواقع التحديات.
رؤية تأسيس ومشروع لإعادة بناء الدولة
قال رئيس الوزراء محمد حسن التعايشي في تصريحات عقب اللقاء، “اتفقنا على الأولويات والعمل كفريق خلال المرحلة المقبلة، وفق رؤية تأسيس التي تضع مصلحة البلاد فوق أي اصطفافات.”
الرؤية الجديدة، كما صاغها المجتمعون، ترتكز على خمسة محاور:
- إنهاء الحرب وبناء السلام عبر عملية شاملة تعالج جذور النزاعات.
- إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مدنية ديمقراطية.
- معالجة الأزمة الاقتصادية عبر سياسات إنتاجية شفافة تضع حدًا للفساد.
- حماية حقوق الإنسان والحريات باعتبارها أساس المشروع الوطني.
- بناء شراكات إقليمية ودولية متوازنة تدعم السودان في تجاوز أزماته.
رمزية اللقاء الثلاثي: وحدة القيادة وتماسك المشروع
تأتي هذه الخطوة في ظرف سياسي بالغ التعقيد، حيث يرزح السودان تحت وطأة الحرب في دارفور وكردفان، وانقسام بين قوى مدنية وعسكرية، وأزمة اقتصادية خانقة.
ويرى مراقبون أن التوافق بين دقلو والحلو والتعايشي – رغم اختلاف خلفياتهم – يعكس إدراكًا متزايدًا بأن مستقبل السودان لن يُبنى إلا على قاعدة التوافق والشراكة، لا الهيمنة والانفراد.
أصوات المواطنين بين الأمل والمخاوف
محمد أحمد، تاجر من نيالا، قال في لـ”بلو نيوز، نشكر حكومة تأسيس، حكومة السودان الجديد، ونحن نريد أن نرى السلام واقعا لا شعارات، والناس هنا تعبوا من الحرب، نريد عودة النازحين وتحسين الخدمات، وقال آدم موسى، مزارع من الفاشر، قال ان الأرض تحتاج استقرارًا حتى تعطي، ونأمل أن تترجم هذه الخطة إلى سياسات عملية تحمي المزارعين وتعيد الحياة الطبيعية للقرى، اما فاطمة عبد الرحمن، قالت “أهم شيء عندنا هو التعليم والصحة، ونريد من الحكومة الجديدة ان تضمن مدارس ومستقبل تعليم أولادنا والمستشفيات، وطالبت آمنة يوسف، معلمة من بابنوسة بغرب كردفان، بتحقيق العدالة الاجتماعية ومشاركة النساء بفعالية، وأكدت “لا يمكن الحديث عن تأسيس دولة حقيقية بدون تمكين المرأة، وهذه الأصوات على اختلاف خلفياتها، تعكس جوهر التحدي، وضرورة تحويل الأمل الشعبي إلى سياسات ملموسة.
وعلى صعيد متصل، قال د. سامي البدوي، ان اجتماع قيادة حكومة تأسيس هو مؤشر إيجابي، لكنه يحتاج إلى مؤسسات قوية، وإصلاح جذري لمؤسسات الدولة، اما الدكتور عبد الحكيم دريسي، أستاذ العلوم السياسية بإحدى دول الجوار السوداني، قال ان ما يحدث في السودان يعكس صراعا بين المركز والأطراف، واختيار مدنية نيالا لعقد المراسم والاجتماعات حكومة “تأسيس” يعكس رغبة في إعادة الاعتبار للمناطق المهمشة”، واضا ف الدكتور ناصر الخليلي، باحث في الشأن الإفريقي، ان التجربة السودانية اليوم ستكون مختبرًا للعالم العربي، وهل يمكن بناء نظام لا مركزي شامل في ظل انقسامات عميقة؟ نجاحها سيشكل نموذجا جديدًا في المنطقة.”
التحديات أمام حكومة تأسيس
رغم التفاؤل الشعبي والسياسي، إلا أن حكومة “تأسيس” تواجه تحديات لا تخطئها العين، منها استمرار الحرب، والأزمة الإنسانية والاقتصادية، وانعدام الخدمات، ومع ذلك، يرى محللون أن الاجتماع الثلاثي، بتأكيده على العمل الجماعي والتأسيس لمشروع وطني جامع، يشكل نافذة أمل يمكن أن تحدث فارقًا إذا ما تبعته خطوات عملية سريعة.
الاجتماع الذي جمع دقلو والحلو والتعايشي لم يكن مجرد لقاء سياسي بروتوكولي، بل إعلانًا عن بداية مسار جديد، والسودان يقف اليوم بين خيارين. إما أن تتحول رؤية تأسيس إلى مشروع وطني جامع يعيد بناء الدولة على أسس العدالة والحرية والمساواة، أو أن تبقى حبرًا على ورق تضاف إلى سجل طويل من خيبات الماضي.