تقرير: مجزرة المزروب .. طيران الجيش يحول قرية آمنة إلى رماد ويقتل رموز الإدارة الأهلية في شمال كردفان

113
المذروب

في مشهد يعكس اتساع رقعة المأساة الإنسانية في السودان، ارتكب طيران الجيش السوداني ظهر الجمعة 17 أكتوبر 2025 مجزرة مروّعة في منطقة المزروب بولاية شمال كردفان، بعد أن استهدف منازل مدنيين بطائرة مسيّرة، مخلّفًا عشرات القتلى والجرحى بينهم الأمير سليمان جابر جمعة سهل، ناظر عموم قبيلة المجانين، وعدد من قيادات الإدارة الأهلية.

الضربة الجوية التي هزّت هدوء البلدة الصغيرة، لم تترك سوى الركام والدخان، وعائلات مكلومة تبحث بين الأنقاض عن بقايا أحبائها، في واحدة من أكثر الجرائم دموية واستفزازًا للرأي العام المحلي منذ اندلاع الحرب في السودان.

 

شمال كردفان – بلو نيوز الاخبارية

قصف مباشر على منازل المدنيين

بحسب شهود عيان ومصادر محلية، حلّقت طائرة مسيّرة تابعة للجيش ظهر الجمعة فوق أجواء المنطقة، قبل أن تُطلق قذائفها على منازل آهلة بالسكان في الحي الشرقي من المزروب، من دون وجود أي أهداف عسكرية أو مواقع لقوات مسلحة في محيط البلدة.

وأفادت المصادر أن القصف كان مركزًا على منازل أسرة الناظر سهل وعدد من العمد والأعيان، ما أدى إلى إبادة أسرٍ كاملة واحتراق عدد من المنازل، في مشهد وصفه الأهالي بأنه “كابوس لم يعرفوه منذ عقود”.

وقال أحد الناجين: لم يكن هناك إطلاق نار أو تحركات عسكرية… الطائرة هاجمت بيوت الناس مباشرة. الأطفال كانوا يلعبون، والنساء في منازلهن. فجأة تحوّل كل شيء إلى نار وصراخ”

حصيلة أولية للضحايا

وفق المعلومات الأولية التي حصلت عليها “التنوير”، تضم قائمة القتلى:

  • الأمير سليمان جابر جمعة سهل
  • العمدة عبد الحفيظ أبو ركوك
  • بخاري مشاور جابر جمعة سهل
  • النيل إبراهيم جابر جمعة سهل
  • محمد إبراهيم جابر جمعة سهل
  • جمعة مردس
  • عبود حاج محمد
  • حاج عبيد
  • محمد السيد
  • خليفة مفرح
  • عبد الباقي فرج

وتشير المصادر إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع مع تواصل أعمال الإنقاذ وسط الركام، بينما نقل عدد كبير من الجرحى إلى مناطق مجاورة تفتقر إلى الخدمات الطبية الأساسية.

رحيل الناظر سهل .. خسارة لكردفان والسودان

يعدّ الناظر سليمان جابر جمعة سهل من أبرز رموز الإدارة الأهلية في السودان، وواحدًا من الشخصيات التي لعبت دورًا بارزًا في تحقيق التعايش والسلم الأهلي بولاية كردفان.

كان الفقيد معروفًا بحكمته واعتداله، ومواقفه الداعية إلى نبذ الحرب وتغليب لغة الحوار، وهو ما جعل استهدافه رسالة مروّعة موجهة إلى كل رموز السلام والتماسك الاجتماعي.

وقال أحد أعيان المنطقة عن مقتل الناظر سهل، فقدنا رمزًا من رموز الحكمة. كان صوته صوت العقل، يسعى لإصلاح ذات البين. اغتياله بهذا الشكل رسالة خبيثة تريد تدمير المجتمع الأهلي في كردفان”.

إدانات واسعة واتهامات للجيش بارتكاب جريمة حرب

أثار الهجوم موجة غضب وإدانة من جهات رسمية ومدنية، وسط دعوات لفتح تحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة.

“ما جرى في المزروب جريمة إرهابية نفذها جيش الحركة الإسلامية ضد المدنيين الآمنين، باستخدام طائرة مسيّرة قتلت رموزًا من الإدارة الأهلية. نحمل قادة الجيش والتنظيم الإسلاموي المسؤولية الكاملة عن هذه المجزرة وندعو المجتمع الدولي للتحرك العاجل.”

المجلس الرئاسي: هجوم إرهابي من جيش الحركة الإسلامية

أدان المجلس الرئاسي لجمهورية السودان المجزرة، واصفًا إياها بأنها “جريمة إرهابية جديدة نفذها جيش الحركة الإسلامية ضد المدنيين الآمنين”.

وجاء في بيان المجلس: نحمل قيادة الجيش والتنظيم الإسلاموي كامل المسؤولية عن هذه الجريمة البشعة التي استهدفت رموز الإدارة الأهلية، وندعو المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية للتحرك الفوري لوقف استهداف المدنيين في كردفان ودارفور”.

“الجيش الإرهابي ارتكب مجزرة جديدة في منطقة المزروب استهدفت المدنيين بصورة مباشرة، فقتل الناظر سليمان جابر سهل وعددًا من أعيان المجانين. هذه الجريمة تأتي ضمن مخطط الإبادة الجماعية ضد المكونات المدنية وخرق فاضح للقانون الدولي الإنساني.”

قوات الدعم السريع: مخطط للإبادة والانتقام

في بيان آخر، قالت قوات الدعم السريع إن “الجيش الإرهابي نفذ مجزرة جديدة بطائرة مسيّرة في منطقة المزروب الخاضعة لسيطرة قواتنا، في إطار مخطط للإبادة والانتقام ضد المكونات المدنية”.

وأضاف البيان أن استهداف الناظر سهل وقيادات المجانين “جريمة حرب تضاف إلى سجل طويل من جرائم النظام البائد”.

“استهداف المدنيين ورموز الإدارة الأهلية في المزروب جريمة حرب ضمن سلسلة الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها مليشيات النظام البائد. نترحم على الشهداء وندعو الشعب السوداني لمواصلة نضاله من أجل اقتلاع هذا الشر وتجريم مرتكبي الجرائم بحق الأبرياء.”

العدالة والمساواة وهيئة محامي كردفان: ضرورة للتحقيق الدولي

أصدرت حركة العدل والمساواة السودانية وهيئة محامي كردفان بيانات منفصلة طالبتا فيها بتحقيق دولي عاجل، مؤكدتين أن ما جرى يمثل “انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي”.

“القصف الجوي على المزروب يمثل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. استهداف المدنيين بالطائرات المسيّرة جريمة حرب مكتملة الأركان. نطالب بتحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة وإنصاف أسر الضحايا والمتضررين.”

وقالت هيئة محامي كردفان إن استهداف المدنيين “جريمة حرب مكتملة الأركان”، ودعت إلى “تمكين المنظمات الحقوقية من الوصول إلى المنطقة لتوثيق الأدلة وتقديم الدعم للضحايا”.

“اغتيال الناظر سليمان سهل وأعيان المجانين عمل جبان يهدف إلى تفكيك المجتمعات المحلية. استهداف رموز الإدارة الأهلية سلوك متجذر في تاريخ الجيش الذي اعتاد قتل المدنيين. نطالب بتحقيق دولي لحماية السكان ووقف جرائم القصف المتكررة ضد الأبرياء.”

دارفور وكردفان: موقف موحد في وجه الجريمة

قدّم سلطان دارفور أحمد علي دينار تعازيه لأهالي المزروب، مؤكدًا أن الجيش “دأب منذ الاستقلال على قتل السودانيين وفق مبدأ التشفي والانتقام”.

“ننعى الناظر سليمان سهل الذي اغتيل غدرًا بطائرة مسيّرة تابعة لجيش الحركة الإسلامية. هذه الجريمة امتداد لسلسلة من الانتهاكات ضد المدنيين في كردفان، وسنلاحق الجناة حتى يتحقق القصاص العادل. لن تنكسر عزيمة أهل الإقليم أمام الإرهاب.”

فيما نعى حاكم إقليم كردفان حمد محمد حامد خليفة الناظر سهل، معتبرًا أن “الجريمة تهدف إلى زعزعة الأمن وإشعال الفتن القبلية”. وأضاف: لن تضعف هذه الجريمة من عزيمة أهل الإقليم، وسنلاحق الجناة حتى يتحقق القصاص العادل”.

“قصف المدنيين في المزروب جريمة متعمدة لجر البلاد نحو الفوضى وإشعال حرب انتقامية جديدة. استهداف أبناء قبيلة المجانين بهذا الشكل الوحشي محاولة لإفشال جهود السلام. ندين الجريمة وندعو المنظمات الحقوقية لإضافتها إلى سجل الانتهاكات الموثقة.”

تحذيرات من تداعيات خطيرة

حذّرت مبادرة دارفور للعدالة والسلام من أن المجزرة “قد تدفع المنطقة إلى دوامة من الثأر والانتقام”، معتبرة أن استهداف قبيلة المجانين محاولة متعمدة لتفكيك النسيج الأهلي وعرقلة مساعي السلام.

وقالت المبادرة إن ما جرى “يعبّر عن عقلية انتقامية تسعى لجر البلاد إلى فوضى شاملة”.

“ما حدث في المزروب يمثل جريمة حرب جديدة ضد المدنيين، ووصمة عار في جبين الإنسانية. ندين استهداف رموز المجتمع المحلي ونطالب بتدخل أممي عاجل لحماية المدنيين ووقف الانتهاكات المستمرة التي تمزق النسيج الاجتماعي في كردفان ودارفور.”

المرصد السوداني لحقوق الإنسان: صمت العالم جريمة أخرى

وقال المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان إن ما حدث في المزروب “يمثل فشلًا ذريعًا للمجتمع الدولي في حماية المدنيين”، داعيًا إلى “تدخل أممي عاجل لوقف استهداف السكان والأعيان المدنية”.

وأضاف المرصد في بيانه أن “السكوت على هذه الانتهاكات يُعدّ تواطؤًا ضمنيًا في جريمة حرب ضد الإنسانية”.

إنّ مجزرة المزروب ليست حادثة معزولة في جغرافيا الحرب السودانية، بل حلقة جديدة في مسلسل دموي يستهدف المدنيين وقياداتهم المجتمعية بلا رحمة. وبينما تتواصل الإدانات من مختلف القوى السياسية والحقوقية، يظل السؤال الكبير معلقًا: إلى متى يُترك المدنيون بلا حماية؟

 

لقد تجاوزت الجرائم حدود الصمت والتغاضي، وتحولت إلى نمط ممنهج من الإرهاب العسكري ضد القرى والقبائل. إنّ العدالة ليست مطلبًا انتقاميًا، بل ضرورة وطنية وإنسانية لوقف دوامة الدم والإفلات من العقاب.

لذلك، فإنّ المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، مطالبون اليوم بالتحرك الفوري لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة، تضمن محاسبة المسؤولين عن القصف الجوي في المزروب، وكل الجرائم المماثلة التي تُرتكب في دارفور وكردفان والجزيرة.

فمن دون محاسبة الجناة وتعويض الضحايا وضمان عدم تكرار الجرائم، لن يكون هناك سلام حقيقي ولا مصالحة وطنية، بل مزيد من الدماء على تراب الوطن المنهك بالحروب والنزاعات.

 

 

 

 

About The Author

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com