رواندا والكونغو الديمقراطية… «مسودة سلام» تعزّز جهود حل «أزمة الشرق»

رواندا والكونغو الديمقراطية… «مسودة سلام» تعزّز جهود حل «أزمة الشرق»
بلو نيوز: الشرق الاوسط
6 مايو 2025م
إعلان أميركي عن مسودة سلام مقترحة بين كينشاسا وكيغالي يعزز، وفق خبراء، جهود حل الأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية، عقب استيلاء متمردين موالين لرواندا على مناطق استراتيجية غنية بالمعادن.
تلك المسودة التي لم يكشف مسؤول أميركي عن تفاصيل بشأن بنودها تأتي بعد أيام من توقيع إعلان مبادئ بين الكونغو ورواندا في واشنطن، ومحادثات سداسية دولية، ويرى خبير بالشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أنها خطوة أولية لدعم جهود حل أزمة شرق الكونغو، مشترطاً ضغوطاً دولية أكبر لوصول لسلام حقيقي وشامل.
وكشف كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، عبر منصة «إكس»، الاثنين، عن مسودة لمقترح سلام بين الكونغو ورواندا، مؤكداً أن خطوة مهمة نحو الوفاء بالالتزامات الواردة في إعلان المبادئ الذي تعهد به البلدان الشهر الماضي، معولاً على استمرار التزامهما بتحقيق السلام.
ووقَّعت رواندا والكونغو الديمقراطية، يوم 25 أبريل (نيسان)، «إعلان مبادئ» في واشنطن، بحضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو. ونصّ الإعلان على احترام سيادة كل منهما، والتوصُّل إلى مسوَّدة اتفاق سلام، في الشهر الحالي، مع الامتناع عن تقديم الدعم العسكري للجماعات المسلّحة، وحديث عن استثمارات أميركية ضخمة ستقدم للبلدين، وفق ما ذكرته صحيفة «لوموند» الفرنسية، وقتها.
المحلل السياسي التشادي، المختص بالشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى مسودة الاقتراح «خطوة أولية نحو حل أزمة شرق الكونغو، لكنها لا تُشكِّل بعدُ تقدماً جوهريّاً نحو السلام»، لافتاً إلى أن «مشاركة رواندا في هذه المبادرة تأتي في سياق الضغوط الدولية المتزايدة عليها، خاصة من الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تحميلها المسؤولية عن تفاقم النزاع في الكونغو».
وسبق أن «قدمت رواندا مساعي مشابهة، لكنها في الغالب كانت مناورات دبلوماسية لتخفيف الضغوط الإقليمية والدولية، دون تقديم التزامات حقيقية على الأرض»، بحسب ما يوضح عيسى، مشيراً إلى أنه «إذا كانت هذه المسودة تُمثِّل بداية للمفاوضات، فإن نجاحها يعتمد على الضغط الدولي الفعلي على رواندا، لوقف دعم المتمردين، وتنفيذ إجراءات ملموسة».
وجاء «إعلان المبادئ» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، تحت الرعاية الأميركية، عقب يومين من إعلان حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة «إم 23»، في بيان مشترك، اتفاقهما، عقب وساطة قطرية، «العمل نحو التوصُّل إلى هدنة»، وذلك بعد نحو أسبوع من مناقشة الرئيس التوغولي فور غناسينغبي، ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي تطوّرات حلّ الأزمة مع المتمردين، خلال لقاء في كينشاسا، ضمن إطار مهمة غناسينغبي الجديدة بوصفه «وسيطاً للاتحاد الأفريقي».
وسبق لتشيسيكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي الدعوة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من قطر، يوم 18 مارس (آذار) الماضي، إلى وقف إطلاق النار في شرق الكونغو، في أول مباحثات مباشرة بينهما منذ كثّف متمردو حركة «إم 23» حملتهم في شرق الكونغو، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
ويأتي الإعلان الأميركي الجديد بعد أقل من أسبوع من اجتماع بالدوحة بين ممثلين عن قطر وتوغو والولايات المتحدة وفرنسا والكونغو الديمقراطية ورواندا، للمرة الأولى، خلص إلى الاستعداد للمساهمة في الجهود المستمرة الحل السلمي للنزاع دون تأخير، وفق بيان مشترك نقلته «الخارجية» القطرية آنذاك.
ومنذ 2021، أُقرَّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد الطبيعية، التي تشهد نزاعات منذ مدة طويلة. لكن كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع باءت بالفشل.
ولتحقيق حل مستدام، يرى عيسى أن «الأمر يحتاج إلى استراتيجية تنسيق قوية تجمع بين هذه المبادرات المختلفة تحت سقف واحد، مع ضمان آليات مراقبة وتنفيذ دقيقة. ولكن في الوقت الراهن، يبدو أن الجهود ستظل مُجزَّأةً ما لم يتم إيجاد إطار مشترك، يشمل توافقاً حقيقيّاً بين الأطراف الإقليمية والدولية، ويُرسِّخ مبدأ أن أي حلٍّ حقيقي لا يكتسب شرعيته إلا بوضع تطلعات وحقوق الشعب الكونغولي في صلب المعادلة السياسية والأمنية».
وتصاعد الصراع المستمر منذ عقود في شرق الكونغو في يناير عندما استولى متمردو حركة «23 مارس» (إم 23)، المدعومة من رواندا على مدينة غوما الاستراتيجية ثم مدينة بوكافو في فبراير (شباط) الماضي، وأودى القتال بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص، وأثار مخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً.
وتعد حركة «إم 23» واحدة من نحو 100 جماعة مسلّحة تتنافس للحصول على فرض وجودها في منطقة شرق الكونغو الغنية بالمعادن، والقريبة من رواندا، وتسبب النزاع في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث نزح أكثر من 7 ملايين شخص، ومن بين ذلك، فرار نحو مائة ألف شخص من منازلهم هذا العام.
وعن فرص انتهاء ذلك الصراع والاقتراب من عملية سلام، أوضح المحلل السياسي التشادي أنه من المُبكِّر جداً الحكم على قرب التوصل إلى سلام بين المتمردين وحكومة الكونغو، وذلك بسبب «تعقيد الوضع العسكري والسياسي» في المنطقة.
ويرى عيسى أنه رغم أن هناك مساعي دبلوماسية جادّة من قِبل أطراف دولية وإقليمية، فإن العوامل الميدانية «لا تزال عائقاً رئيسيّاً»؛ كون حركة «M23» لا تزال تواصل تصعيد عملياتها في شرق الكونغو، ما يجعل من الصعب التنبؤ بنهاية قريبة للنزاع.
ويعتقد أن «الضغط الدولي على رواندا لوقف دعم المتمردين قد يساهم في تهدئة الوضع، لكنه لم يترجم بعد إلى خطوات فعلية ملموسة لوقف القتال في ظل تحديات داخلية في الكونغو، مثل، ضعف الجيش الوطني وانقساماته الداخلية»، لافتاً إلى أنه «لا تزال الجهود الدبلوماسية في طور التمهيد لحل شامل ومستدام».