مصادقة “جوبا” على اتفاقية “عنتيبي” .. أي خيارات أمام الخرطوم والقاهرة.؟ .. “خبراء” يجيبون.!!
بلو نيوز الإخبارية: وكالات-
جنوب السودان صادقت على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل (عنتيبي) ما يمهد لدخولها حيز التنفيذ خلال 60 يوما.
-سريان الاتفاقية سيمّكن دولها من إنشاء مفوضية حوض النيل لإدارته وتنميته الإشراف على استخدامات مياهه.
-دولتا مصب النيل، السودان ومصر، تلتزمان الصمت حيال خطوة جنوب السودان وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959
-وزير الري المصري السابق محمد علام: انزعاج من موافقة جنوب السودان على الاتفاقية بعد تقديم مصر كل هذا الدعم لجوبا.. الاتفاقية محنطة منذ 14 سنة، وستظل كذلك
-المستشار السابق لقوانين المياه بالبنك الدولي سلمان محمد: سريان الاتفاقية وإنشاء مفوضية دول الحوض سيضغط على مصر والسودان لإعادة التفاوض والانضمام إليها.
تواجه الجارتان، السودان ومصر، ضغوط جديدة تتعلق بمياه نهر النيل؛ إذ صادقت دولة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل (عنتيبي).
وبهذا الخطوة المفاجئة، التي تأخرت 14 عاما، تحقق الاتفاقية المثيرة للجدل العدد المطلوب من الدول المصادقة عليها لتدخل حيز التنفيذ (6 دول).
ويشكل هذا المستجد واقعا جديدا لدولتي مصب النيل، السودان ومصر، اللتين ترفضان أي مساس بحقوقهما المائية وفق الاتفاقيات السابقة على عنتيبي.
وتبدو الخيارات معقدة ومحدودة جدا أمام الخرطوم والقاهرة للتصدي لخطوة جنوب السودان، الذي انفصل عن السودان عبر استفتاء شعبي عام 2011.
وفي 8 يوليو/ تموز الجاري، أعلنت جوبا أن برلمانها صادق على اتفاقية عنتيبي.
وسبق وأن صادقت كينيا على الاتفاقية في 20 مايو/ أيار 2010، بعد 6 أيام من مصادقة كل من إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا.
وتتشارك 11 دولة في نهر النيل، الذي يجري لمسافة 6 آلاف و650 كيلومترا وهي: بوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان والسودان ومصر.
وفي 22 فبراير/ شباط 1999، جرى الإعلان رسميا في تنزانيا عن مبادرة حوض النيل، إثر توقيع وزراء مياه على محضر اجتماع أسّس لقيام هذه المبادرة التنموية.
وهدفت المبادرة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، عبر الانتفاع المنصف بموارد النيل المشتركة، والتوصّل إلى اتفاقية تؤطّر هذا الهدف وتشمل كل دول الحوض.
وبالفعل، جرى التوصل إلى اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (عنتيبي)، ووافقت عليها معظم دول الحوض، بينما رفضتها مصر والسودان.
ومن المقرر أن تدخل اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بعد ستين يوما من تاريخ مصادقة جنوب السودان.
وسيمكّن سريان الاتفاقية دول حوض النيل من إنشاء مفوضية حوض النيل، ليناط بها إدارة الحوض والإشراف على استخدامات مياهه وحمايته وتنميته، دون مراعاة اتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي حددت حصص مياه معينة وحقوق نقض لمصر والسودان.
خلافات مائية:
ومنذ منذ الإعلان عن اتفاقية الإطار لدول حوض النيل، نشبت خلافات كبيرة بين السودان ومصر من جهة وبقية دول الحوض من جهة أخرى.
وأبرز نقاط الخلاف هي إصرار السودان ومصر على أن الاتفاقيات المائية المبرمة في الماضي ملزمةٌ لدول الحوض الأخرى، وهي اتفاقيات أعوام 1902 و1929 و1959.
ونيابة عن مصر والسودان، أبرمت بريطانيا (الاحتلال) في 1902 اتفاقية مع إثيوبيا، تتعهد فيها الأخيرة بعدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا قد تؤثر سلبا على تدفق مياه النيل، إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية.
فيما أعطت اتفاقية 1929 القاهرة حق نقض (رفض) أي مشاريع تُقام علي النيل ويمكن أن تؤثر سلبا على كميات المياه التي تصل مصر أو تعدّل وقت وصولها.
أما اتفاقية 1959 فتعتبر استكمالا لاتفاقية 1929، وأبرمتها مصر والسودان عقب استقلال الأخيرة عن بريطانيا، وفيها تم توزيع حصص مياه بين البلدين تبلغ 84 مليار متر مكعب.
وتخصص الاتفاقية 55 مليارا و500 مليون متر مكعب لمصر و18 مليارا و500 مليون متر مكعب للسودان.
لكن دول منبع النيل ترفض هذه الاتفاقية، وتعتبر أنها غير عادلة، وتقول إن لها حقوقا في مياه النهر، عبر الانتفاع المنصف والمعقول، ويجب على مصر والسودان الاعتراف بهذه الحقوق والتفاوض بشأنها.
صمت وانتقاد:
رسميا، تلتزم مصر والسودان الصمت حيال مصادقة جنوب السودان المفاجئة على الاتفاقية؛ ما يمهد الطريق لبدء سريانها بعد جمود دام 14 عاما.
وخلال مشاركته باحتفالية سفارة رواندا في القاهرة بعيد التحرير الوطني، أكد وزير الري المصري إبراهيم سويلم الاثنين أن بلاده “ملتزمة بعلاقتها الأخوية مع دول حوض النيل الشقيقة والتعاون على كل المستويات”.
وأضاف أن القاهرة ملتزمة أيضا بـ “تقديم الخبرة الفنية والدعم لبناء القدرات للمختصين بجميع دول حوض النيل، بهدف تحقيق مكاسب متبادلة وتجنب إلحاق ضرر بأي طرف”.
بينما كتب وزير الري المصري السابق محمد نصر علام، عبر “فيسبوك”، إن “المصريين منزعجين من موافقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، خاصة بعد تقديم مصر كل هذا الدعم لها ولسنوات”.
واعتبر علام أن “موافقة جنوب السودان لم تغير من الأمر أي شيء. واتفاقية عنتيبي محنطة منذ 14 سنة، وستظل”.
وتعترض القاهرة والخرطوم على اتفاقية عنتيبي لأنها، وفق وسائل إعلام مصرية وسودانية، تحوي بندا يمنح دول المنبع حق إقامة المشروعات دون الرجوع أو التوافق مع دول المصب وحتى دون الإخطار المسبق.
حقوق في المياه:
وفق المستشار السابق لقوانين المياه بالبنك الدولي سلمان محمد سلمان فإن من أسباب انضمام جنوب السودان إلى اتفاقية عنتبي هو “تأكيد استقلالية قرارها عن مصر والسودان وأن لها حقوقا في مياه النيل”.
وأضاف خبير المياه للأناضول أن “المفوضية التي سيتم إنشاؤها بمقتضى الاتفاقية، ستساعدها (جوبا) في الانتفاع بمياه النيل وحماية حقوقها”.
ولفت إلى أن الاتفاقية تدخل حيز التنفيذ، ويتم إنشاء المفوضية، بعد ستين يوما من اكتمال إيداع تصديقات الدول الست على الاتفاقية لدى الاتحاد الإفريقي.
وهذا المستجد “سيضع ضغوطا على بقية الأطراف (غير الموقعة على الاتفاقية)، خاصة مصر والسودان، لإعادة فتح باب التفاوض”، كما أضاف سلمان.
وختم بأن مثل هذه المفاوضات ستركز على “نقاط الخلاف للوصول إلى صيغة وسط تقبل من خلالها القاهرة والخرطوم الانضمام للاتفاقية والعمل من داخل المفوضية”.
وبالإضافة إلى رفضهما اتفاقية عنتيبي، تتواصل منذ 2011 خلافات بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر بشأن بناء سد النهضة على النيل الأزرق، الرافد الرئيس لنهر النيل.
ولم تفلح مفاوضات متقطعة بين الدول الثلاث في إبرام اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، إذ تعتبر أديس أبابا ذلك مساسا بسيادتها، بينما ترى القاهرة والخرطوم في السد تهديدا لحصتهما المائية السنوية من النيل.