منال علي محمود: إلى من يبرر قرار منع صيانة المنازل: هذا ردنا القانوني والسياسي

القرار الصادر من الادارة العامة للمباني والقاضي بمنع المواطنين من صيانة منازلهم المدمرة الا بعد الحصول على شهادة سلامة انشائية، لا يمكن وصفه الا بانه قرار جائر، تعجيزي، وغير مشروع، ويخالف المبادئ الدستورية والحقوقية التي تكفل حق الانسان في السكن والحياة الكريمة.
الحكومة التي عجزت عن حماية المواطنين من القصف والتدمير، الان تمنعهم من صيانة بيوتهم؟! باي منطق تمارس السلطة هذا النوع من العقاب الجماعي؟ من اي نص قانوني تستمد هذا الحق؟ وهل المواطن هو من بدأ الحرب ليحاسب على انقاضها؟
الحق في السكن مكفول بوضوح في المادة 11 من الدستور الانتقالي لسنة 2005، والتي تنص على أن (تلتزم الدولة بتهيئة السكن الملائم لكل مواطن).
كذلك تنص المادة 27(3) من ذات الدستور على أن (تعتبر كافة الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان جزءاً من هذا الدستور).
أما المادة 46 فتلزم الدولة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
بالتالي فإن فرض شروط تعجيزية لصيانة المأوى بعد كارثة إنسانية، دون دعم أو بدائل، هو خرق صريح لهذه المواد، وانتهاك للحق في الحياة والكرامة والسكن.
لا توجد اي مادة في القانون السوداني تمنح الدولة صلاحية منع المواطن من اصلاح ماويه، خصوصا في ظروف الطوارئ والكوارث. ان فرض مثل هذا الحظر هو انتهاك واضح للدستور ولمواثيق حقوق الانسان الدولية التي صادق عليها السودان.
الادهى من ذلك، ان الدولة لم تشرف اصلا على بناء غالبية هذه المنازل.
طوال عقود، اكتفت بالجباية وغضت الطرف عن فوضى التمدد السكني ومعايير البناء.
الان، فجأة، تتحول الى سلطة فنية تُمارس الرقابة الصارمة على مواطن دُمرت حياته بالكامل؟
هذا ليس تنظيما عمرانيا، بل ابتزاز ممنهج واستغلال لمعاناة ما بعد الكارثة.
القرار لا يهدف الى السلامة كما يزعم مروجوه، بل قد يستخدم كاداة تصفية ناعمة وطرد ممنهج، خاصة في المناطق التي توصف بكونها خارج السيطرة او ماوى (لوجوه غريبة).
احد اخطر وجوه هذا القرار انه ينفذ على الارض بطريقة انتقائية، تفتح الباب امام التمييز الجهوي والسياسي والاجتماعي. ما حدث موخرا من ازالة احياء مثل (الخيرات)، تحت لافتة التنظيم او السلامة، هو تطبيق عملي لهذا القرار كاداة لتفريغ الارض من ساكنيها، لا لحمايتهم.
لماذا تزال منازل البسطاء والفقراء، بينما تترك بنايات المتنفذين قائمة، حتى لو كانت اخطر انشائيا؟ لماذا تستهدف الازالة مناطق بعينها، غالبا ما تصنف بانها (غير مرغوب فيها) سياسيا او جغرافيا؟ هل هذا تنظيم عمراني ام تطهير بالقرارات واللوائح؟
بهذا التطبيق الانتقائي، يصبح القرار جريمة مزدوجة: انتهاك للحق في السكن، وتمييز واضح في انفاذ القانون.
القرار يتناقض كذلك مع مزاعم الحكومة عن (الخرطوم الامنة) و(عودة الحياة لطبيعتها). كيف تكون المدينة امنة والمواطن يمنع من اعادة تثبيت باب او اصلاح جدار؟ الحقيقة ان هذا القرار يفضح زيف الخطاب الرسمي ويكشف عمق التمييز واللاعدالة.
نطالب بالغاء القرار فورا. واذا كانت هناك نية لحماية الارواح فعلا، فلتقم الدولة بتوفير فحص مجاني وعادل وشفاف، لا ان تمنع الناس من الحياة بذريعة التنظيم العمراني.
هذا القرار وصمة قانونية واخلاقية في جبين السلطة، ومقاومته واجب وطني وحقوقي. لن نصمت. ولن نسمح بشرعنة الطرد القسري والتجويع باسم التنظيم.