الدكتور عبدالله احمد النعيم: هذه الحرب رغم المعاناة والعنف والألم الذي سببته لملايين السودانيين، إلا أنها في الحقيقة تعد نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية .!!
- يجب أن يستمر الحوار في جميع الاتجاهات بغرض تأسيس شروط ومستلزمات مشروع وطني جديد لصالح كل السودانيين.
- عدم المبالاة بردود فعل المجتمع الدولي يدلل على قصور خطير في طبيعة العلاقات الدولية.
- الحرب التي تكون من أجل الدفاع عن الدولة أو الكرامة غير الشاملة للجميع، فهي مجرد صفوية وجهوية عنصرية.
- حقوق الإنسان لديها مستقبل في السودان يرتبط بالسلوك الديمقراطي والأخلاقي للأفراد.
- بدأت الأخطاء حينما سخرت الصفوة المتعلمة نفسها لخدمة الأحزاب الطائفية.
- ما يحدث عملية هدم دولة تآكلت وفشلت وليس مشروع لانفصال جديد.
- الحرب نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية.
- السودانيون يعانون من عنصرية عميقة الجذور والتسلط والعنجهية.
- “الاستنفار الشعبي” المزعوم هو آخر الوسائل الخبيثة التي يستغلها نظام الإنقاذ المتهالك للبقاء والاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن.
حوار – (1-2).
راينو: بلو نيوز الإخبارية-
ندد الدكتور عبدالله احمد النعيم أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بالجامعات الامريكية بتوصيف الدعم السريع بالـ “أجانب” والـ”مستوطنين جدد” وقال في حوار لـ(راينو)”هي خطابات ظلت ترددها الصفوة المتسلطة في الوسط لتهميش أو زيادة تهميش قطاعات واسعة من السودانيين في مختلف أنحاء القطر وهي خطابات أرفضها ولا أتفق معها” وتابع: كل شخص نشأ وتربى ويعيش حاليا ضمن الحدود السودانية الجغرافية السياسية هو مواطنًا سودانيًا يستحق كامل حقوق المواطنة، وعليه كل واجباتها. فهذه الحدود أنشأها الاستعمار، وهناك قبائل مشتركة في كل الحدود السودانية، القبائل في دارفور على سبيل المثال، تتصل بتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، كما أن هناك قبائل سودانية لها امتدادات في أثيوبيا وإرتريا ومصر وغيرها.
- منذ بداية الفترة الانتقالية وصولا إلى حرب الخامس عشر من أبريل، برأيك ما هي الأخطاء الدستورية والقانونية التي أوصلت الحال إلى ما هي عليه في الحاضر؟
أولا، بدأت الأخطاء منذ حركة الاستقلال السابقة لخروج الاستعمار البريطاني المصري من السودان. وذلك حينما سخرت الصفوة المتعلمة نفسها لخدمة الأحزاب الطائفية، خصوصا “الحزب الوطني الاتحادي” و”حزب الأمة”، بدلا من أن تسعى إلى خلق قواعد سياسية واعية على مستوى القطر كله. هذا هو الخطأ الأساسي الذي أوصلنا للحالة التي نحن عليها اليوم، وما نزال في الدائرة نفسها، حتى بعد “انتفاضة” أو “مشروع ثورة” ديسمبر كما اسميها، وهي مشروع ثورة لأنها لم تنجز مهامها الأساسية حتى الآن. ولكنها برأيي في سبيل أن تنجزها.
- اذا الازمة في الصفوة؟
ما أريد تأكيده، هو أن الحديث عن الدستور والقانون ليس حديث صفوة، أنا قانوني، درستُ القانون منذ عشرات السنين. لكني لا أعتقد إني أمتلك الإجابة، ولا أي متعلم قانوني أو متخصص في أي مجال فني آخر يمتلكها. الإجابة في يد “المواطن السوداني” من حيث هو سوداني في كل مكان من السودان. فنحن، حتى بعد انتفاضة ديسمبر ما زلنا في ظل صفوة متعلمة حزبية كانت أو نقابية أو مهنية ظلت تكرر التفاوض مع قيادات الجيش من أجل الوصول إلى حل لمشاكل السودان، وهو تفاوض رأسي متعلق بالسلطة، ولا يضع اعتبارًا لمصالح المواطنين. فعلنا ذلك تلاث مرات، في أكتوبر وأبريل وديسمبر، والنتيجة هي الفشل. والسبب في ما آل إليه الحاضر هو أن صفوتنا المستنيرة الواعية غير متجهة لتنمية الديمقراطية الدستورية وسيادة حكم القانون أفقيًّا في قلوب وعقول السودانيين. لذلك فالحديث ليس عن أخطاء دستورية وقانونية، إذ لا يوجد دستور أو قانون من غير المواطن بالمعنى الحديث للكلمة. ولا يوجد مواطن دون الوعي والالتزام بالعمل الفوري والمباشر الذي يضعه في علاقة إيجابية مع المواطن الآخر.
- تشهد سلطات الدولة تقلصًا واسعًا منذ بداية هذه الحرب، إذ لم تعد موجودة بشكلها الخدمي والأمني في دارفور وأجزاء من كردفان والجزيرة والخرطوم، هل سنشهد انفصالًا جديدًا، أم هي مجرد عملية لهدم دولة تآكلت وفشلت، وهناك إمكانية لبنائها على أسس جديدة؟
الإجابة عندي هي الجزء الثاني، بأنها مجرد عملية هدم دولة تآكلت وفشلت وليس مشروع لانفصال جديد. والانفصال لا يحل مشكلة، حاليا نحن حزينون لما يجري في جنوب السودان الذي أصبح دولة مستقلة بعد معاناة طويلة، اضطر الإخوة والأخوات في الجنوب اضطرار جعلهم يصرون على الانفصال. لكن الانفصال لم يحل مشكلة للجنوب كما نرى الآن، ولن يحل مشكلة للشمال. ثم، السؤال هو انفصال من عن من، ولماذا؟ فللانفصال نفسه شروط منها أن يصل كل مواطن ومواطنة إلى منهجية التزام قواعد في السلوك والممارسة والعمل والإدارة والأمان والأداء العام الذي يضمن الكرامة والحرية والصحة لكل مواطن. وبالتالي أي كان حجم الدولة، أو التكوينات والمكونات المختلفة لها كإقليم قطري، فالمسألة هي شروط ومواصفات الحكم والإدارة والأمانة في العمل العام. وهي شروط لا يستوفيها أي إقليم في السودان في الفترة الحالية، لكنها ممكنة ولازمة التحقيق في كل إقليم، سواء أن ظل في إطار الوحدة القومية، أم خرج عنها. لذلك، أفتكر أن انفصال دارفور أو كردفان أو الوسط أو الشمال أو الشرق لن يغير أي شيء. سيواجه كل إقليم المشكلة أو التحدي نفسه. لذلك سنكون أقوى في الاتحاد كقطر أكبر بإمكانياتنا الاقتصادية والأمنية والبشرية، شرط أن نسخرها لخدمة جميع المواطنين السودانيين من حيث هم سودانيون في كل مكان. والحرب برأيي هي نقطة تحول جوهرية، وهي هدم لدولة تآكلت وفشلت. وهناك إمكانية لبنائها على أسس جديدة، وهي إمكانية تعتمد علينا كأفراد قبل أن نكون جماعات ضمن أي تشكيل كلي.
- إلى أي مدى تشكل هذه الحرب نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية، ومعالجة كافة القضايا؟
أعتقد أن هذه الحرب رغم المعاناة والعنف والألم الذي سببته لملايين السودانيين، إلا أنها في الحقيقة تعد نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية. ليس الدولة كنظام فحسب، وإنما بناء السودان نفسه. وأنا هنا أتحدث عن فكرة السودان وإعادة تعريفه، إذا لم تنبهنا الحرب إلى فعل ذلك، فليس هناك أي إمكانية للحديث عن دولة من الأساس. لا بد من أن يكون السودان لكل السودانيين دون تمييز بين النساء والرجال والمسلمين وغير المسلمين، وبين ما يسمون بالعرب وما يسمون بالأفارقة، فإذا تحقق ذلك في كل أنحاء القطر فلا داعي للانفصال، وإذا لم يتحقق في أي إقليم فلا جدوى من انفصال ذلك الإقليم.
النقطة الأساسية هي أن المواطنة يجب أن تكون لكل سوداني من حيث هو سوداني. إذا بدأنا من هذه النقطة، فالحرب رغم عنفها وقسوتها وفظاعتها، هي في الحقيقة نقطة تحول جوهرية، لأنها أوقفت العبث الذي كانت تمارسه الصفوة في أواسط السودان، والتي ظلت تتسلط على باقي السودانيين في كل مكان، أحيانًا باسم “الإسلام” وأحيانًا باسم “التقدمية” أو أي زعم آخر يمنحها مشروعية السلطة. السلطة للسوداني من حيث هو سوداني. بعد إثبات ذلك يمكن أن نذهب لشروط الدولة ومواصفاتها. وأعتقد أن مسألة الحروب والعنف الذي يحدث في التاريخ ليس عبثًا وإنما لحكمة كبرى كما تقول الآية 251 من سورة البقرة: “فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ.” فإذا وعينا هذه الحكمة سيكفينا الله مشقة تكرار التجربة، وإذا لم نع سنكرر التجربة. وطالما دخلنا في الحرب فلننتفع منها، ثم نسأل الله أن يخرجنا منها بأقل معاناة ومشقة.