مبادرة التسامح بين “بني هلبة” و”السلامات” .. عزيمة الشباب تنتصر للسلام.

218

دبنقا: بلو نيوز الإخبارية-

  • تقرير: عبد المنعم مادب

ويعوّل الشابان عثمان ونعمان على مبادرة السماح بين قبيلتي بني هلبة والسلامات لإعادة شملهما وحياتهما التي عاشاها لعشرات السنين في منطقة مركندي بولاية جنوب دارفور بعد فرقت بينهما الحرب التي دارت بين القبيلتين منذ اغسطس 2023م والتي أجبرت عثمان وأسرته على مغادرة مسقط رأسه منطقة مركندي بمحلية كبم الى مدينة ام دخن الحدودية مع دولة تشاد، لكنها لم تستطع ان تقطع علاقة الإخاء والصداقة التي جمعتهما لأكثر من 20 عام.

فبعد التوقيع على وثيقة وقف العدائيات بين القبيلتين الاسبوع الماضي في منطقة “بَلداء” بوسط دارفور أطلق شباب القبيلتين مبادرة لإعادة الحياة الى طبيعتها بين القبيلتين، فأحيت الأمل في الشابين اللذين يعملان معلمين في المرحلة الابتدائية بمنطقة مركندي، ووجدت المبادرة تفاعلاً كبيراً من شباب القبيلتين، وبدأوا في الترتيبات لتنفيذ انشطة وبرامج من شأنها ان تكسر الجمود وتعيد الثقة من الطرفين.

نعمان وعثمان شابان ولدا وترعرعا في منطقة “مركندي” وتوطدت بينهما صداقة وعلاقة اجتماعية امتدت لأكثر من عقدين من الزمان ظلان يعملان فيها لخدمة وتطوير المنطقة خاصة في مجالات الرياضة والثقافة دون ان ينظر اي منهما للآخر الى اي مكون قبلي ينتمي، فأبناء القبيلتين لا توجد اي علامات للتمييز بينهما من ناحية “اللغة واللون والشكل والثقافات” الى ان فرقت بينهما الحرب التي وقعت بين القبيلتين.

صور مؤثرة:

بعد التوقيع على وثيقة وقف العدائيات الاسبوع الماضي نشر الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي والمهتم بالتوثيق للحياة في منطقة مركندي احمد داؤود صوراً فوتوغرافية جمعت شباب وأطفال من القبيلتين في مناسبات مختلفة في مباريات كرة القدم والاسواق والمناسبات الاجتماعية والوطنية، لم يكن بينها صورة تجمع عثمان ونعمان، فكتب الاخير لأحمد داؤود بقوله “حلفتك بالله ان تنشر لي صورة مع أخوي عثمان”.

فالصديقان عثمان ونعمان اللذان يعملان كمعلمين في المرحلة الابتدائية لم تنقطع علاقتهما وظلا يتواصلان لمعرفة اخبار بعضهما والاطمئنان على احوال اسرتيهما رغم ضراوة الحرب التي دارت بين قبيلتيهما والتي نتج عنها مقتل المئات من الطرفين وحرق عدة مناطق وأجزاء واسعة من منطقة مركندي من بينها منازل نعمان وأسرته ومقتل عدداً من افراد أسرتيهما.

يقول عثمان لراديو دبنقا انه رغم الحرب التي وقعت بين القبيلتين الا انه ظل على تواصل مع نعمان وبقية اصدقائه وزملائه بمنطقة مركندي رغم صعوبات الاتصالات بعد انقطاع الشبكات، ويضيف: لم يمر يوم الا وتواصلنا بالاتصال المباشر او الرسائل عبر الانترنت الفضائي.

بينما يقول نعمان لراديو دبنقا انهم الحرب بين السلامات وبني هلبة أدت إلى فقدان رجال وتشردت اسر من القبيلتين، رغم أنه وصديقه عثمان كانا يعملان في جميع مناحي الحياة لبناء مجتمع تسوده مبادئ الاخاء والترابط الاجتماعي من خلال الانشطة الرياضية والثقافية التي كانا يشرفان عليها بحكم انهما معلمان بالمرحلة الابتدائية ولهما اهتمامات بالمجالات الرياضية والثقافية.

أمل العودة:

نعمان وعثمان يأملان ان يتم توقيع الصلح النهائي بين القبيلتين في الايام القادمة ليعودا لمواصلة عملهما الدؤوب الذي بدآه في مشروع بناء السلام والاستقرار وتطوير مهارات الشباب، ويضيف نعمان “ستشهد مركندي هذه الايام ندوات وانشطة لتوعية الشباب في عدد من المناطق والقرى لتثقيف المجتمع بأهمية السلام وسلبيات الحرب التي ليس فيها منتصر او المنتصر فيها خاسر.

قصة المعلمين عثمان موسى عثمان ونعمان محمد مادبو هي نموذج لآلاف الشباب والأسر من قبيلتي بني هلبة والسلامات لهم علاقات ترابط اجتماعي وتزاوج وصداقات تشكلت على مدى مئات السنين من العيش المشترك في محلية عد الفرسان الكبرى واجزاء من محليات وسط دارفور، ويذكر نعمان ان من بين الشباب الذين اجبرتهم تلك الحرب مغادرة مسقط راسهم “مركندي” سليم ابراهيم وهو شاب في مطلع الثلاثينيات من العمر والده من السلامات وأمه من بني هلبة وجميع أفراد اسرته حتى شقيقاته من قبيلة بني هلبة، وسليم فقد في هذه الحرب بن خاله الذي تربيا وترعرعا معاً في بيت واحد والذي قتل في الهجوم على منطقة مركندي في اغسطس الماضي.

نزل سلاحك ما تقتل اخيك:

ويقول الناشط سالم النو لراديو دبنقا ان مبادرة السماح بين بني هلبة والسلامات جاء نتيجة لقناعات وسط شباب القبيلتين لجهة ان ما يجمع ابناء القبيلتين اكثر مما يفرقهم من علاقات دم ومصاهرة وتاريخ مشترك بحكم ان وجودهم في مناطق عد الفرسان ووسط دارفور لحقب زمنية تجاوزت ال100 عام، مشيراً الى ان المبادرة التي جاءت تحت شعار “نزل سلاحك ما تقتل اخيك” تهدف الى دعم الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة بين القبيلتين، وابان ان المبادرة عملت على الاستفادة من نقاط القوة والضعف في وثيقتي وقف اطلاق النار اللتين وقعتا في 6 نوفمبر2023م، و15 مايو2024م، ابرزها ان وثيقة 15 مايو اكثر قابلية للتنفيذ لجهة انها تم التوقيع عليها في ارض الواقع ومن قبل المكتوين بنار الحرب من الطرفين، واشار الى انه ما دفع الشباب الى المبادرة كذلك انه لا توجد حكومة للاعتماد عليها اضافة الى ان الادارات الاهلية كذلك اصبح جهدها محدود وقوات الدعم السريع كذلك مشغولة بحرب اكبر لذلك كان لزاما على شباب القبيلتين الانخراط في المبادرة وتمت اضافة شباب من مختلف مكونات الشعب السوداني.

ويقول النو ان شباب القبيلتين آلوا على أنفسهم ان يتم توقيع صلح نهائي وتتكون آلية شبابية تسعى لترجمة قيم السلام والتسامح والحب بين القبيلتين ميدانياً عبر المناشط الاجتماعية وحلقات النقاش وورش التوعية بمخاطر الحرب وترسيخ ثقافة قبول الاخر.

ونبه إلى أنه من الاآيات التي سيعتمد عليها الشباب التوعية بمخاطر خطاب الكراهية الذي كان يمارسه ابناء القبيلتين عبر مواقع التواصل الاجتماعي اثناء الحرب، وقال ان المبادرة تمضي في اتجاه ضبط خطاب الكراهية وتوظيف الحكامات والشعراء والهدايين من القبيلتين لصالح التسامح والتعايش، ودعا النو كل قطاعات الشعب السوداني الى دعم المبادرة وطالب كذلك وسائل الاعلام ان تفرد مساحات لشباب القبيلتين للتبشير بالمبادرة وتبيين مكاسب السلام ومخاطر الحرب.

الوقت المناسب:

من جهته قال احد شباب قبيلة بني هلبة احمد ابوجولة ان المبادرة جاءت في الوقت المناسب لانهاء الاحتراب بين القبيلتين الشقيقتين اللتين بينهما الكثير من المشتركات، واشار ابوجولة لراديودبنقا إلى انه من الطبيعي ان تقع المشاكل بين القبائل لكن غير الطبيعي ان تستمر في ظل وجود شباب فاعلين وادارات اهلية ورجال دين يستوعبون خطورة الحرب ولهم تاريخ في حلحلة المشاكل، واكد ابوجولة ان كل القواعد من القبيلتين مجمعين على ضرورة تحقيق الصلح ووقف الاحتراب للأبد، واعرب عن امله في ان تكون هذه الحرب هي الاخيرة بين القبائل في السودان.

بينما اشار احد الناشطين من قبيلة السلامات احمد السلاي لراديو دبنقا الى ان المبادرة ستعمل على اعادة النسيج الاجتماعي بين ابناء القبيلتين، لكنه نبه الى ضرورة ان تسرع آلية الصلح بين الطرفين الى انجاز بنود وثيقة وقف العدائيات والمهام الموكلة إليها وابرزها انعقاد مؤتمر الصلح في الوقت الذي نصت عليه الوثيقة، وحذر من ان تأجيل الصلح النهائي قد يفتح الباب امام الطامعين في استمرار الحرب لعرقلة مساعي السلام بين القبيلتين.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *