خلافات الحركات المسلحة والجيش تعرقل تشكيل حكومة كامل إدريس: اتفاق جوبا على المحك

بورتسودان – بلو نيوز الاخبارية
تواجه الحكومة السودانية المرتقبة برئاسة الدكتور كامل إدريس أزمة سياسية متفاقمة، وسط تصاعد الخلافات بين الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام وقيادة الجيش، في ظل تمسك هذه الحركات بنسبة تمثيلها في السلطة وفقاً للاتفاق، يقابله إصرار المؤسسة العسكرية ورئيس الوزراء الجديد على تقليص نفوذها في الحكومة المقبلة.
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد أعلن أواخر مايو الماضي تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، في خطوة لاقت ترحيباً دولياً حذراً. إلا أن تشكيل الحكومة الجديدة يصطدم بعقبة “المحاصصة”، خصوصاً في ظل استمرار التوترات السياسية والميدانية في مدينة بورتسودان، مقرّ السلطة الانتقالية الحالية.
وتطالب الحركات المسلحة بالحفاظ على نسبة 25% من التمثيل في الحكومة، استناداً إلى اتفاق جوبا الموقع في أكتوبر 2020، وهي النسبة التي تم تطبيقها في الحكومة السابقة التي أقالها إدريس بداية يونيو. وترفض هذه الحركات، وعلى رأسها حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، التنازل عن مكتسباتها السياسية والاقتصادية.
في المقابل، تسعى قيادة الجيش، عبر الاستخبارات العسكرية وبتوجيه مباشر من البرهان، لإقناع الحركات بالتخلي عن بعض بنود الاتفاق، والقبول بنسبة تمثيل أقل، إلا أن هذه الجهود قوبلت برفض واضح، سواء في اللقاءات المغلقة أو عبر تصريحات قادة الحركات.
وفي تصريح، شدد الأمين داوود، رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، على ضرورة الالتزام الكامل باتفاق جوبا، محذراً من أن أي محاولة للتنصل منه “ستهدد استقرار البلاد وتنسف ما تبقى من الثقة في العملية السياسية”.
وتزايدت حدة التوتر بعد ورود أنباء عن إعادة تعيين مبارك أردول مديراً للشركة السودانية للموارد المعدنية، وهو ما أثار اعتراض حركة مناوي، التي تعتبر الوزارة من أهم المناصب الحيوية ذات العلاقة بتمويل الحرب. كما كشفت مصادر مطلعة عن عرض شمس الدين كباشي، نائب قائد الجيش، على أردول منصب وزير المعادن، في ظل صراع محتدم بين الحركات على وزارات مثل المالية والمعادن، والتي تُعتبر مصادر تمويل رئيسية للحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.
كما لوح مجلس نظارات البجا بالتصعيد إذا تم إقالة المدير الحالي للشركة، محمد طاهر عمر، المقرّب من زعماء شرق السودان، ما ينذر بتفجر أزمة جديدة في الإقليم الذي يشهد أصلاً حالة احتقان طويلة الأمد.
وأفادت مصادر سياسية للصحيفة أن البرهان يستخدم جهاز الاستخبارات كأداة ضغط على الحركات لإجبارها على التراجع، لكن التباين داخل الحركات ذاتها يعقّد المشهد. ففي حين أبدى مني أركو مناوي مرونة نسبية وقَبِل بتقليص تمثيل حركته مقابل حقيبة وزارية واحدة، ترفض حركة العدل والمساواة أي تنازل، وتصر على الاحتفاظ بمنصب وزارة المالية بالإضافة إلى حقيبة أخرى.
وفي تطور لاحق، تدخل البرهان لمحاولة احتواء الأزمة، وأفادت تسريبات بموافقته على منح الحركات نصيبها الكامل من التمثيل الوزاري، إلا أن رئيس الوزراء كامل إدريس لم يبدِ حتى الآن موافقته النهائية، مؤكداً في لقاءاته الخاصة رغبته في تعيين “كفاءات مستقلة” في الوزارات السيادية، وعلى رأسها المالية والمعادن، وهو ما يتعارض مع طموحات الحركات المسلحة.
ويرى مراقبون أن تمسك إدريس بإبعاد الحركات عن الوزارات الاقتصادية يعكس توجهاً جديداً لإعادة هيكلة السلطة التنفيذية بعيداً عن المحاصصة السياسية، لكنهم يحذرون من أن أي خطوة دون توافق قد تعيد البلاد إلى مربع الانفجار، في ظل هشاشة المشهد الأمني والسياسي.