الأستاذ حسب النبي: “تأسيس” مشروع وطني تاريخي لا تحالف عابر .. وضمانة لوحدة السودان في مواجهة الانقسام

120
حسب النبي

في خضم العاصفة التي تضرب السودان، حيث تتشابك الحرب مع الصراعات السياسية وتتلاشى التحالفات القديمة وتولد أخرى جديدة، يبقى السؤال الأكبر: إلى أين يتجه هذا البلد الذي طالما شكل مفترق طرق للقوى الإقليمية والدولية؟ في هذا الحوار الاستثنائي، تستضيف صحيفة بلو نيوز الإخبارية الأستاذ حسب النبي محمود حسب النبي، رئيس حركة تحرير السودان الديمقراطية وعضو الهيئة القيادية في تحالف السودان التأسيسي – “تأسيس”، لنغوص معه في أعماق الأزمة السودانية، ونفكك شيفرات المشهد المعقد، ونستشرف آفاق المستقبل في بلد يتأرجح بين الانهيار وفرص التغيير. الى مضابط الحوار:

الجزء الثاني

 

كيف تنظرون إلى تحالف “تأسيس”؟ هل هو مجرد تكتل سياسي جديد، أم أنه يمثل اللبنة الأولى في مشروع إعادة بناء الدولة السودانية على أسس مختلفة تماماً؟

تحالف السودان التأسيسي يمثل الكتلة التاريخية التي يجب أن تتوحد في إطار مشروعها السياسي الوطني الذي يحترم إرادة الشعوب السودانية ويؤسس لدولة الحقوق والمواطنة. “تأسيس” ليس مجرد تحالف سياسي مثل “تقدم” أو “الحرية والتغيير”، “تأسيس” مشروع وطني عظيم، ويجب أن يُحافظ عليه. إذا انهار تحالف “تأسيس”، هذا يعني انهيار السودان وسيتم تقسيم البلاد إلى دويلات.

“تحالف السودان التأسيسي ليس مجرد تحالف سياسي عابر، بل كتلة تاريخية ومشروع وطني عظيم لحماية وحدة السودان وبناء دولة الحقوق والمواطنة. انهياره يعني تفكك البلاد، لذلك نتمسك به وندعم حكومته لتحقيق تطلعات الشعوب السودانية.”

التحديات كبيرة أمام قادة تحالف “تأسيس”، تشكيل حكومة في إطار التعدد والتنوع ليس بالأمر السهل مطلقًا، لكننا توفقنا في ذلك بعمل دؤوب لم ينقطع لأكثر من ثمانية أشهر متواصلة. و بعد أداء اليمين للسيد الرئيس والمجلس الرئاسي، فعليًا التحالف سلّمهم القيادة والمسؤولية، وهذا أمر عظيم. وبكل تأكيد سنجتهد من أجل دعم الحكومة وتوفير المناخ اللازم لتحقيق أهدافها الوطنية.

تاريخ السودان منذ الاستقلال يكشف عن تحالفات سياسية ظرفية تنجح في إسقاط الأنظمة الدكتاتورية ثم تنهار سريعًا بسبب الصراعات الحزبية والأيديولوجية، كما حدث بعد ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وحتى تجربة قوى الحرية والتغيير بعد 2019. هذا الفشل المتكرر ولّد فقدان ثقة السودانيين في فكرة التحالفات .. ما الضمان الذي يقدمه تحالف (تأسيس) ليؤكد أنه ليس مجرد حلقة جديدة في هذا المسار، بل يمثل نهجًا جديدًا يعبر عن كل السودانيين؟”

صحيح، في الغالب أعظم التحالفات انهارت لأسباب واهية، وفي الغالب عندما يكون الأمر له علاقة بالسلطة تجد أن التحالفات لن تدوم طويلاً للأسف الشديد. لكني أرى أن “تأسيس” مختلف، الهدف هنا ليس تقسيم السلطة والثروة كما يعتقد البعض، لكن الهدف هو الحفاظ على وحدة الدولة وحماية الشعوب السودانية من هؤلاء الإرهابيين. هناك تحديات كثيرة تواجه قادة التحالف، لكننا عازمون على تجاوزها والمضي قدمًا في تأسيس السودان الجديد.

اختيار حميدتي رئيساً وعبدالعزيز الحلو نائباً له، يحمل دلالات سياسية قوية .. ما هي الرسالة التي أردتم إيصالها من خلال هذا التشكيل القيادي، داخلياً وخارجياً؟

اختيار القائد محمد حمدان دقلو رئيسًا للجمهورية والقائد عبد العزيز آدم الحلو تم بالإجماع بعد ترشيحهم من قبل قادة التحالف في الهيئة القيادية. وهو يأتي في إطار الثقة الممنوحة لهم من رفاقهم في التحالف بناءً على المجهود المبذول من أجل تحرير السودان من عصابة الإسلاميين.

“اختيار دقلو والحلو بالإجماع يعكس الثقة في قيادتهما لتحرير السودان من قبضة الإسلاميين، ونقف جميعًا خلفهما لتحقيق الانتصار الوطني والحياة الكريمة لشعوبنا.”

وأعتقد أننا فعلنا صوابًا بدفعنا بهم في هذه المرحلة المهمة من تاريخ البلاد، ونحن وكافة شعبنا من خلفهم من أجل تحقيق الانتصار الوطني وتحقيق الحياة الكريمة للشعوب السودانية.

ما هي أولويات حكومتكم المعلنة؟ والأهم، كيف ستكتسبون الشرعية والاعتراف الإقليمي والدولي في ظل وجود حكومة الأمر الواقع في بورتسودان؟

أولوية الحكومة هي توفير الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات اللازمة للشعوب السودانية. نحن نرى أن الادعاء الزائف لعصابة بورتسودان لن يدوم طويلاً، والسودانيون بالداخل والخارج أيّدوا حكومة السودان التي أعلنها التحالف. أما مسألة الشرعية، فنحن فعليًا نمتلك الشرعية الممنوحة لنا من شعبنا ومن ثورتنا الوطنية المجيدة. والمجتمع الدولي يتواصل معنا الآن، وفي المستقبل أيضًا سيتواصل معنا. وسنستعيد مقعد السودان في كافة المحافل العالمية، وهذا لن يتأخر كثيرًا.

كيف تقيمون مواقف القوى السياسية الأخرى، مثل تحالف “صمود”؟ وهل هناك أي قنوات حوار مفتوحة معهم، أم أن الخلافات أعمق من أن يتم تجاوزها؟

نحن و”صمود” لا يوجد بيننا أي خلاف يذكر، نتفق على الأهداف والمبادئ العامة ونختلف في وسائل تحقيقها. هم يرون مسألة الحكومة أمرًا صعبًا وربما سيساهم في تقسيم البلاد، وهذا غير صحيح. نحن نرى أن عدم قيام الحكومة سيساهم بشكل مباشر في تدمير حياة ملايين السودانيين الذين حُرموا حتى من حقهم الشرعي بنص الدستور. بالتالي حدث فك الارتباط وكان موقفًا ممتازًا جدًا، وكل طرف ذهب فيما يؤمن به.

“لا خلاف جوهري بيننا و(صمود)، نتفق على الأهداف ونختلف في الوسائل. رأينا أن قيام الحكومة ضرورة لحماية الملايين وحقوقهم، ومع ذلك نلتزم بتوفير الحماية للرفاق في (صمود) ولكل الشرفاء المستهدفين من نظام البرهان.”

لكن في الوقت الحالي، نحن نمتلك المقدرة على توفير الحماية اللازمة للرفاق في “صمود” وكافة الشرفاء الذين يسعى نظام البرهان للتنكيل بهم فقط لأنهم محسوبين على الثورة.

هل تتوقعون أن نرى قريباً انضمام حركات مسلحة أخرى، مثل حركة عبد الواحد نور أو حتى تلك المتحالفة مع الجيش، إلى تحالف “تأسيس”؟ وما هي شروطكم لذلك؟

هناك قوى سياسية مدنية وأخرى عسكرية كثيرة تقدمت بطلب الانضمام إلى تحالف “تأسيس”، ونحن نرحب بهم وأعتقد أنهم في الاتجاه الصحيح. الرفيق عبد الواحد موجود في المناطق التي نسيطر عليها، وحتمًا سنصل إلى تفاهم لأننا نحمل نفس الأهداف والمبادئ. أما المجموعات التي تقاتل مع بورتسودان، إذا انحازت إلى الثورة نرحب بهم، وسنتنازل عن حقنا الخاص في التحالف عن الأضرار التي لحقت بناء بسبب مواقفهم المخزية. شروطنا لهم: الإيمان بالديمقراطية، والعمل وفقًا لمشروع السودان الجديد، وضرورة احترام إرادة الشعوب السودانية، والعمل من أجل تحقيق أهداف ومبادئ الثورة السودانية.

“نرحب بكل القوى المدنية والعسكرية الراغبة في الانضمام لتحالف ‘تأسيس’، شريطة الإيمان بالديمقراطية واحترام إرادة الشعوب والعمل من أجل أهداف ومبادئ الثورة السودانية.”

إذا قدر لهذه الحرب أن تنتهي غداً وطُرحت تسوية سياسية، ما هي “الخطوط الحمراء” والشروط الجوهرية التي لن تتنازلوا عنها لضمان عدم العودة إلى مربع الفشل الأول؟

نحن في الدستور وضعنا مبادئ فوق دستورية تنص على علمانية الدولة والوحدة الطوعية وعدم قيام أي تنظيم على أساس عرقي أو ديني. وهذا أمر غير قابل للتفاوض وتُعتبر خطوطًا حمراء، مع علمنا التام بأن مسألة التسوية السياسية الوطنية الشاملة في ظل وجود البرهان لن تحدث لأنه لا يملك القرار.

السلام أم العدالة؟ هل يمكن تحقيق سلام مستدام في السودان دون محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات؟ أم أن ضرورات السلام قد تفرض علينا أحياناً “تجاوزاً مؤقتاً” للعدالة؟

أعتقد أن العدالة أولاً. حكومة السودان سابقاً وقعت اتفاقيات كثيرة، لكن في ظل عدم تحقيق العدالة، السلام لم يدُم طويلاً. وأي تسوية سياسية لم يسبقها تسليم المجرمين للعدالة الدولية والمحلية لن تدُم طويلاً. اعتقد واعمل ان تكون العدالة أولاً.

في ظل هذا الظرف التاريخي العصيب، ما هي رسالتكم المباشرة إلى قلب كل مواطن سوداني فقد الأمل ويكافح من أجل البقاء؟

رسالتي لكافة الشعوب السودانية: أن يصمدوا ولا يستسلموا لأجندة الحركة الإسلامية، وأن تحرير البلاد قادم، وأن الدولة الوطنية التي لا تميّز بين شعوبها على أساس العرق والدين قد وُلِدت أخيرًا. وأناشدهم بعدم الخضوع لخطاب الكراهية والخطابات التحريضية التي تصدر من غرف الظلام، وأن الفجر قادم.

“رسالتي لكل السودانيين: اصمدوا، لا تخضعوا لأجندة الكراهية، فالدولة الوطنية التي لا تميز بين شعوبها قد وُلدت أخيرًا. تحرير البلاد قادم، وسنحمي مستقبل أطفالكم ونمنع تقسيم السودان.”

ونحن في حكومة وتحالف “تأسيس” نقاتل من أجلهم ومستقبل أطفالهم، ولن نسمح أبدًا بتقسيم البلاد كما يتشدق الفلول وأعوانهم من قوى الشر.

كلمة أخيرة

أشكر صحيفة “بلو نيوز” هذه المؤسسة المحترمة التي ظلت على الدوام تقف مع القضية السودانية وتوصل صوت السودانيين وقضاياهم بشكل مهني. والذي نعمل من أجله أن يكون هناك نظام مدني ديمقراطي في المستقبل القريب، وأن يكون للإعلام الدور المحوري الذي يقوم به كسلطة رابعة بكل تأكيد. وأعتقد أن معالجة قضايانا الوطنية وإدارة بلادنا في حاجة فعلية للمزيد من الشفافية وحرية الإعلام والصحافة، وإتاحة الحريات تحية اخيرة للأستاذ محمد النور الصحفي المحترم الذي ظل على الدوام يعمل لصالح الشعب السوداني وتحية لكل قبيلة الإعلام والمجد للشعب السوداني وتحالف السودان التأسيسي.

About The Author

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com