التدخل الدولي في السودان… الإمكانية والاحتمالات

51
الصورة من موقع سياسات عربية

 

راينو:بلو نيوز الإخبارية – التدخل الدولي في السودان… الإمكانية والاحتمالات
تعنت جديد ورفض مغلف للحوار والتفاوض أعلنته وزارة الخارجية السودانية الأحد، باشتراطها الالتزام بمخرجات منبر جدة وانسحاب قوات الدعم السريع من المدن، وإخلاء ولاية الجزيرة، باعتبارها مقدمات“ ضرورية ”في التوصل لوقف إطلاق النار، ومن ثم البدء في عملية سلام شاملة- حسبما قال البيان.
إعلان الخارجية تزامن مع تصاعد العمليات العسكرية بين الطرفين في مختلف المناطق والمدن السودانية فضلا عن كثافة الطلعات الجوية… الأمر الذي فسره البعض بأنه عنوان واضح لاستمرار الحرب وانهيار أي مشاريع لتحقيق السلام، فهل يفتح ذلك الباب أمام التدخل الدولي في السودان لوقف الحرب التي باتت تشكل تهديدا للإقليم؟
الخرطوم: راينو
قديم متجدد
بيان الخارجية بحسب الكثير لم ينفصل عما جرت عليه العادة منذ اندلاع القتال في 15 أبريل، وموقفها الدائم المساند لاستمرار الحرب التي يقودها فلول النظام المباد والساعين لتوسيع نطاقها بعمليات التحشيد والتجييش الشعبي، ونقلها إلى مربع الحرب الأهلية…
وجاء بيان الخارجية في أعقاب ما وصف بالخطاب الانفعالي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في منطقة جبيت العسكرية، أعلن فيه رفضه الاتفاق الموقع بين القوى المدنية وقوات الدعم السريع. وقال ”نقول للسياسيين الذين وقعوا اتفاقا مع الدعم السريع… أنتم مخطئون… اتفقتم مع جهة متمردة، ومع جهة نعتبرها خارجة عن القانون، والعالم يعدها جماعة إرهابية”. وتابع: تريدون أن تأتوا بهم إلينا من جديد، الاتفاق المبرم معهم بالنسبة لنا غير مقبول ولن نلقي له بالا… قبل أن يعود البرهان ويقول إنه يرحب بالحوار مع القوى السياسية، ودعاهم للحضور إلى بورتسودان، وأضاف: ”أي سوداني يريد إيقاف الحرب ويريد مصلحة السودان ويعيد للسودانيين مكانتهم، لا مانع لدينا من الحديث معه.
وتذهب التحليلات إلى أن خطاب الخارجية وقبله خطاب البرهان الهدف منهما إغلاق الباب أمام أي حوار سوداني سوداني، بعد الاختراق الذي حققته (تقدم) بتوقيع اتفاق أدبس البابا مع قائد قوات الدعم السريع، وتوجه الأنظار لقائد الجيش للقبول أيضا بالجلوس والتفاوض والحوار.
ويرى المحلل السياسي والقانوني هيثم محمد أحمد أبا الزين في حديثه لـ(راينو) أن معسكر البرهان المكون من العسكريين الإسلاميين وفلول النظام البائد والخارجية يلعبون لعبة (كلمة حق أريد بها باطلا) وأضاف: حينما تم انتظارهم في جدة للحضور والتوقيع سحبوا وفدهم، وحينما سعت الأطراف السودانية كقوى مدنية ومهنية وغيرها للجمع بين الأطراف في إطار مجهودات سودانية سودانية، رفضوا بحجة ضرورة الالتزام بمنبر جدة… هو تلاعب يكشف بوضوح نوايا معسكر البرهان وحرصه على استمرار هذه الحرب التي يظن أن بعدها يمكن لهم أن يعود ويعودان إلى الحكم أوأن يقودون السودان إلى فوضى لا تبقي ولا تذر.
وبعث رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) د. عبد الله حمدوك بخطاب إلى البرهان الأربعاء الماضي يحثه على لقاء التنسيقية للبناء على إعلان أدبس ابابا بما يمهد لإنهاء الحرب، وقال حينها إن الاتفاق يمثل لبنة مهمة لوقف القتال.
الهزيمة والحصار
وفي اعقاب خطاب البرهان الموصوف في وسائط التواصل الاجتماعي بالمتشنج والخارج عن قواعد الادب، وبعد بيان الخارجية، بدا المشهد السوداني معقدا ويتجه نحو منعطفات أكثر حساسية وتمس بقاء ووجود الدولة السودانية نفسها، في ظل اسئلة ملحة تدور حول (ما الحل؟)…
الاجابة جاءت فيما نقله عضو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بكري الجاك في ندوة بكمبالا، عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وقوله إن حميدتي على قناعة أن الجيش ومن خلفه الاسلاميين لن يوقعوا على سلام دون حصار دبلوماسي دولى او هزيمة عسكرية…
ويرى هيثم ابو الزين أن حديث حميدتي يعكس قراءته الدقيقة لطريقة تفكير الفلول في هذه الحرب ومدى تمسكهم بها باعتبارها طوق النجاة بالنسبة لهم أي أنها بالنسبة للاسلاميين حرب وجودية، واضاف: حميدتي رغما عن كونه متقدم ميدانيا، الا أنه يدرك أن الهزيمة العسكرية فقط لا تكفي لذا استبق أي لقاء له محتمل مع البرهان بجولة افريقية مهمة لترويج رؤيته للحل وانهاء الحرب كما أنه وقع مع القوى المدنية السودانية اتفاقا يعكس رغبته في ايقاف الحرب. وتابع: يبدو أن نجاح الجولة التي نسفت كل إشاعات وفاته والاستقبال الذي وجده رسميا استفز البرهان وجعله يصل اعلى درجات الانفعال بل واصاب خارجيته بالارتباك حد توجيه استدعاءات متكررة لسفرائها في الدول التي زارها حمديتي، وهم من ظنوا لوقت طويل أنهم استطاعوا اقناع دول الاقليم بأنهم يمثلون شرعية الدولة في مقابل ميليشيا متمردة، فكانت الصفعة في أن دول الاقليم والمجتمع الدولي يتعامل مع الطرفين باعتبارهما طرفي صراع او حرب.
التدويل واحتمالاته
من جانبه يذهب بكري الجاك في حديثه بندوة كمبالا، إلى أن الهزيمة العسكرية للإسلاميين تعنى انتقال الحرب إلى شرق السودان حيث البرهان ورهطه، وأضاف: ذلك سيدفع دولا في المنطقة إلى الدخول في الحرب بشكل مباشر بدلا من حرب الوكالة. وتابع: استمرار هذه الحرب وفق الحشد الاثنين والعرقي سيقود إلى مذابح أهلية وتحويل الضحايا إلى جناة وخلق محرقة لما تبقى من الوطن، والمؤكد أن هذا سوف لن يتوقف في السودان بل سيؤثر على الإقليم برمته.
وشدد الجاك أنه يجب على العاقلين في القوات المسلحة والإسلاميين من خلفهم تجنيب البلاد مزيدا من الموت والخراب والدمار وقبول للدعوة التي قدمها د. عبد الله حمدوك رئيس “تقدم” للجلوس للبحث عن حلول سياسية متفاوض عليها أو حتى الجلوس مع قوات الدعم السريع بشكل مباشر من أجل الوصول لوقف كامل للعدائيات دون شروط كما ورد في إعلان أدبس البابا .
الوضع في السودان بحسب المراقبين والمهتمين والمحللين يتجه إلى محرقة حقيقية في ظل تصاعد عمليات التحشيد الشعبي لصالح الحرب تحت دعاوى وشائعات، وما يترتب على ذلك من مهددات اجتماعية وسياسية واقتصادية لدول الإقليم فضلا عن الصراع علي البحر الأحمر واحتمالات تدخل دول ذات مصالح في الصراع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بما يشكل مهددا للسلم والأمن الدوليين، ما يفتح المجال أمام التدخل الدولي في السودان.
من جانبه يستبعد المتحدث باسم الحرية والتغيير والقيادي بالتجمع الاتحادي محمد عبد الحكم، التدخل الدولي في السودان، ويذهب في حديثه لـ(راينو) إلى أن التدخل العسكري الدولي غير محبذ ولا أعتقد أن البلاد بحاجة لمثل هكذا تطورات، وأضاف: أي تدخل سيضاعف من أزمة البلاد وسيجعل من البلاد التي تعانين الويلات جراء حرب ١٥ أبريل العبثية، مرتعا للتطرف ومستنقعا جديدا للجماعات الإرهابية، هذا فضلا عن أن التدخل العسكري الدولي ستصاحبه أجندات أخرى، ستشقي البلاد أكثر مما تشقى الآن.
ويرى حكم أنه في ظل عدم وجود السودان كأولوية قصوى في أجندة المجتمع الدولي فإن خيار التدخل نفسه غير موضوع على أجندات الدول الفاعلة، وأضاف: بل يفضلون خيار المدنيين السودانيين بحسم النزاع وإنهاء الحرب عبر مائدة تفاوض تجمع الفرقاء المحليين، بينما ينحصر دور المجتمع الدولي والإقليمي في عمليات التيسير للحلول التفاوضية.
الحل السوداني
وأكد حكم أنهم في التجمع الاتحادي وقوى الحرية والتغيير، يشددون على أن الحل سوداني صرف ولا يحتاج سوى توفر الإرادة السياسية لطرفي النزاع، لتجنيب البلاد حربا أهلية واسعة خطط لها فلول النظام البائد، وما يزالون يضرمون نيرانها بشكل انتقامي لتصفية ثورة ديسمبر المجيدة، وحرق كامل البلاد التي ألقت بهم إلى مزبلة التاريخ، كيما يعودون للحكم مجددا على جماجم الشعب وحطام الوطن، وأضاف: لكننا وكل القوى المدنية الديمقراطية لن نسمح بذلك، بمساع جادة لتحجيم صوت “بوم الخراب”، واستعادة الدولة بمدنيتها الكاملة، ومن ثم إعادة إعمار السودان، وجبر الضرر الذي لحق بملايين السودانيين والسودانيات.
وختم القيادي في الحرية والتغيير حديثه بأن حل أزمة السودان العميقة التي تسببت فيها الحرب، أوضحت بجلاء عدم وجود إرادة سياسية لطرفي النزاع، والشاهد أن منبر جدة كاد يبلغ المدى المطلوب، بوقف إطلاق النار إلا أن غياب الإرادة السياسية كان له القدح المعلي في عدم اكتمال توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
من جانبه قطع وكيل وزارة العدل الأسبق مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان د. أحمد المفتي في حديثه لـ(راينو) بأن التدخل الدولي العسكري لن يحدث في السودان إلا برضاء الطرفين وفي حدود ضيقة جدا، وأضاف: بعيدا عن كل شيء، يستطيع الدعم السريع إنهاء الحرب فورا وذلك بالرجوع عن كل ما قام به منذ 15 أبريل.
سادس الاولويات
في السياق أستبعد عضو المركز السوداني للإعلام الديمقراطي موسى جودة أرحومة في حديثه لـ(راينو) حدوث تدخل دولي في السودان، مشيرا إلى أن السودان يحتل درجة متأخرة في سلم أوليات الأسرة الدولية بشكل عام ويحتل المرتبة رقم (6) في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، أي أنه ليس في قمة الأولويات رغم حربه المستمرة حتى يتم تسخير مؤسسات وأفراد وأموال لعمليات حفظ سلام فيه. وقال: بالتالي الإرادة الحقيقية هي إرادة السودانيين في إيقاف الحرب، فالفاتورة حاليا تدفعها جماهير شعبنا لذا يجب التعويل على المتضررين من الحرب كدول الجوار من خلال الإيقاد للضغط على الطرفين لإيقاف الحرب. كاشفا عن أن منبر جدة اقترح قوات للفصل بين الطرفين، وكانت الفاتورة ستدفعها المملكة العربية السعودية وبالفعل حدث تفاوض مع قيادات مع الجيش الباكستاني في سياق اتفاق محدود حتى يتسنى القيام بالإجراءات الفنية من دمج وتسريح وإعادة الشرطة وخروج الطرفين المتقاتلين من المدن ما بين 45 إلى 50 كيلو.
وأكد موى أن الجيش عمليا لا يستطيع ولا يمكن له ان يتقدم كيلو متر واحد خارج مقراته والمعسكرات، وأضاف: هذا دليل واضح أنه لا يوجد ارادة أو قناعة لدى الجيش بالحرب لذا لم يحارب، لذا هو في وضع المدافع للحفاظ على مواقعه وامتيازاته التاريخية لأن الحرب حرب الاسلاميين وليست حربه بالتالي لم يقدم على شن حرب شاملة يحقق فيها انتصارات تؤدي الى عودة الاسلاميين ويعود هو لوضعه القديم حيث يصدر الملازم المنظم من الاسلاميين داخل الجيش تعليمات للواء في الجيش، وتابع: لذا لا يريد اعادة هذا الامر مرة اخرى ، لذلك تساقطت الحاميات والفرق العسكرية لأنه لا توجد اراة للحرب. واشار موسى الى أن قرار الحرب وقرار الجيش في يد الاسلاميين منذ فترة طويلة جدا، وحاليا جهاز الامن والمخابرات هو المسيطر على غرفة العمليات في الجيش، وقال: لذا الجيش لم يقدم على حرب نتائجها غير مجدية له، ونتائجها تعني عودة الاسلاميين والاستبداد والفساد واستمرار النهج القديم في التعامل مع مؤسسات الدولة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *