إيهاب مادبو  يكتب: “البلباصية” .. ام وضاح (1).

213

الاستاذ إيهاب مادبو.

“البلباصية” .. ام وضاح (1).

إيهاب مادبو 

التاريخ يكتبه الرجال والسلام يصنعه الشجعان

فى مجتمعات البقارة بحزام السافنا تكثر هذه العبارة “البلباص” وهى تورد فى سياقات التوصيف للشخص غير المسؤول وغير الجاد فى تصرفاته فيقال عند مجالسهم بالضرا “ول فلان داك بلباصي وكلاما ماتطلعوا بيه العنقريب” .

وبالضبط هو ماينطبق هذا التوصيف على المتصحوفة التى صنعتها الصدفة وحدها حنان عبد الحميد (ام وضاح) التى دخلت العالم الصحافة حينما تأقزم العمالقة وتطاولت الأقزام لتصبح صاحبة بلاط الجلالة هى مهنة المتسكعين بجيوب المسؤولين.

والبلباصية (ام وضاح) تمثل خلية إعلامية وفريق عمل متكامل من (البلباصين) الذين يديرون خطاب الحرب وهم بالخارج بعد ان يستلقي احدهم على ظهره ويحرك ريموت القنوات عن الاخبار وهو فى وضع مطمئن ومنزل مشيد بالأمن والطمأنينة فيقومون ببث خطاب الكراهية والتحريض بسفك المزيد من الدماء على اشلاء الوطن الممزقة.

يقومون بهذه المهمة كلما لاحت فى الافق سحابة خير بإنقشاع الأزمة وإنهاء الحرب فيشعلون اعود الثقاب على (عويش) الاوضاع الاجتماعية التى تم تغذيتها وشحنها بخطاب الكراهية والتحريض لدرجة اصبح فيه التنميط الثقافي سؤالا قاتلا ومميتا فى ذات الوقت حينما تكون الإجابة عليه هو الموت لامحالة.

ومن قبل لعب مزمل ابوالقاسم ذات الدور المرسوم بدقة وعناية حينما تم تسريب لقاء (المنامة) له دون غيره من الصحافيين او حتى وكالات الأنباء فأستل هؤلاء ( البلباصين) سكاكينهم ضد الإتفاق وتخوين الكباشي كمخطط يسعى لإجهاض التفاوض باسلوب دنئ ورخيص يسترخص الدماء والمعاناة التى يعانى منها السودانيين بسبب هذه الحرب اللعينة.

ورواية طبول الحرب للروائي هيثم حسين الصادرة عن دار (ورق) تقدم مقاربة فكرية وتأملية فى مايمكن ان نسميه بضرورة مواجهة اصحاب خطاب الكراهية لإستعادة إنسانية الإنسان بأبعادها الإجتماعية والاخلاقية المستلبة قسرا تحت وطأة التحريض بسبب الحروب والصراعات بكل اشكالها, أياً كانت الشعارات التي ترفعها، سواء أكانت بمضامين دينية، كما كان عليه الأمر في القرون الوسطى، أم بمفاهيم ومصطلحات اجتماعية، مثل قيم الحرية والعدالة والمساواة، كما في الثورة الفرنسية وما تلاها من حروب حتى اللحظة الراهنة.

والقادة الأكثر شجاعة وعزيمة في تاريخ البشرية هم الأقدر على صنع السلام وهذا ماتعلمناه من دروس التاريخ. فنيلسون مانديلا الذي قضى 27 عاماً في السجن من دون أن تضعف إرادته، كان الزعيم الذي اختار أن يتجاوز تاريخا من الاضطهاد والعنف والتمييز العنصري، وأغلق الباب أمام نزعات الانتقام والحقد، وفتح لبلاده طريق الصفح والسلام. وكذلك فعل غاندي الذي تحدى الإمبراطورية البريطانية في أوج قوتها، ثم كرَّس كل جهوده من أجل السلام.

وحينما نتحدث عن السلام، فقد يبدو أنه مفهومٌ بعيد المنال (للبلباصين) ولكن الحقيقة هي أن السلام ليس مجرد حالة عابرة من عدم وجود الصراعات، بل هو عمل مستمر يتطلب الجهود المشتركة للأفراد والمجتمعات لبناء عالمٍ أكثر سلامًا واستقرارًا ، فالجبناء لا يصنعون السلام لذا يمكن اعتبار السلام حرفة الشجعان.

وطالما ثبت تاريخيا ان اغلب معارك السلام خاضها شجعان وانتصر بها الشجعان الذين لديهم القدرة على خلق الفرص من رحم الحرب والموت وذلك لأن الجبناء يخافون من المخاطر والصعوبات التي ترافق عملية صنع السلام ويخافون من غياب ادوارهم التي حصلوا عليها في زمن الحرب، ولكن الشجاعة تكمن في التغلب على هذه المخاوف والاستمرار في السعي نحو السلام، فالشجاعة ليست مجرد غياب الخوف، بل هي القدرة على التصرف.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *