علي أحمد يكتب: ما السر وراء تضاءل الترحيب بالسودانيين في دول الخليج؟

ما السر وراء تضاءل الترحيب بالسودانيين في دول الخليج؟
بقلم الاستاذ: علي أحمد
انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي أقاويل تزعم أن عبد الفتاح البرهان هو من أوعز إلى السلطات السعودية بعدم تجديد إقامة السودانيين الفارّين من الحرب، ووقف خدمة التأشيرات للقادمين منهم. وهي أخبار مضلّلة وغير صحيحة تمامًا؛ لا لأن البرهان رجل يحرص على مصالح شعبه أو يشفق عليهم — كلا، بل حاشا لله — بل العكس تمامًا. ويكفيه عاراً أنه قائد الجيش الذي يقتل وينهب وينقلب، وهو وحده لا غيره، من يتحمّل القَدر الأعلى من المسؤولية في إشعال الحرب وتشريد السودانيين شذرًا مذرًا.
وإنما لأنّه لا يحظى بأدنى قدر من التقدير أو الاحترام، لا من القيادة السعودية، ولا من أي دولة فرّ إليها السودانيون؛ فهو ساقط منزلة، وهيِّن، لا يُلقى له بال، ولا يُقيم له أحد وزنًا، دعك من أن يطلب فيُجاب طلبه!
إن الحقيقة التي يهرب منها كثير من السودانيين، هي أننا، رغم تصنيفنا من البعض – شفاهة- من أفضل الشعوب ذات الأخلاق الحميدة مقارنةً بغيرنا، إلا أننا – في غالبيتنا العظمى – أقوام بدائيون، غير متمدنين، ولا نواكب منجزات الحضارة الإنسانية الحديثة. ما زلنا نقف عند مرحلة اكتشاف الإنسان للنار، لا نحسن الاندماج في المجتمعات الأخرى، ولا نلتزم بالقوانين والأعراف السارية في البلدان التي نقيم فيها. أينما رحلنا، نحيا بطريقتنا غير المتمدنة، الموغلة في القروية والمحلية، بدءًا بعدم احترام خصوصية الآخرين وأذواقهم، مرورًا بالفوضى الحياتية التي نعيشها، والمتمثلة في غياب الذوق العام، وارتداء الملابس الرثة وغير المهندمة، وغير المناسبة أيضاً (بعضنا يرتدي ملابس الحمام)، إضافة إلى الجلوس على الطرقات بما يُخلّف تشوهًا بصريًا وحضاريًا، والحديث بصوت عالٍ ومُفخّم، يُلفت الانتباه ويزعج المحيطين، وليس انتهاءً بتصدير الخلافات السياسية وتصفية الحسابات بأساليب غير حضارية، تصل حد التشاجر، وتصدير القبح بجلب المغنيات الشعبيات البذيئات، وما يصاحب ذلك من ممارسات لا توصف إلا بأنها مزعجة وهمجية في نظر الآخرين. فنحن، وهذه حقيقة، لا نحسن التعبير، لا فرحًا ولا حزنًا!
كل هذه الممارسات تخضع لتقييم أمني واستخباري واجتماعي دقيق من قبل السلطات في البلدان التي لجأ إليها السودانيون — وأنا هنا لا أتحدث فقط عن شريحة السودانيين المقيمين في الخليج والدول المجاورة لنا، بل عن السودانيين في الخارج كافة، بمن فيهم المقيمون في أمريكا وأوروبا، الذين، ورغم حصول غالبيتهم على حقوق المواطنة (الجنسية) في تلك الدول، إلا أن معظمهم لا يزالون يعيشون كـ “بوربون” لم يتعلموا شيئًا ولم ينسوا شيئًا.
وقد رأيت في بعض السودانيين المقيمين بتلك الدول من التصرفات والممارسات والاتكالية والانتهازية والتعطّل والتبطل، وعدم التحضر والتقيد بالنظم والقوانين، ما تتقزّم أمامه سلوكيات السودانيين في الخليج بعد الحرب!
منهم من عاش ثلاثين عامًا كاملة وهو في أتم الصحة والعافية، ولم يعمل فيها يومًا واحدًا، يعيش على نظام المساعدات (Welfare) على حساب دافع الضرائب من سكان ذلك البلد. ومنهم من أمضى أكثر من ذلك، ولا يُجيد — ولم يجتهد — لتعلم لغة أهل البلد التي احتضنته من خوف وأطعمته من جوع، ومن يجيد الحديث منهم، يتحدث بذات نغمة وزراء البرهان وسفرائه وخبرائه “الاستراتيجيين”!
ولابد أن وزير عدله، الذي تَحدث في لاهاي مترافعًا في شكوى نظامه ضد دولة الإمارات، قد عاش يومًا ما في برمنغهام!
لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال باختلاق القصص والمبررات الواهية. ولنعترف أولًا بأن البرهان هو السبب الرئيس في تشريدنا في الآفاق، وهو المسؤول عمّا حدث ويحدث لنا، ويتحمّل الوزر والمسؤولية كاملة، لأنه مجرم لا أخلاق له ولا قيم. لكن، ماذا عنّا نحن الذين لا نعيش الحاضر، ونحتمي في ظلال نوستالجيا لا تنتهي، على ماضٍ أفل ولن يعود، وأمجادٍ طواها الزمن، وأرواحٍ غابت ولن تعود؟ ما الذي يخصّنا ويلينا؟
لقد بلغنا درجة بائسة من انعدام التحضر خلال ثلاثين عامًا من حكم الكيزان، تلتها سنوات الترذل والانحطاط البرهاني.
سلطنة عُمان، التي كانت تمنح السودانيين تأشيرة مجانية وبإجراءات ميسّرة، أوقفتها بعد أن اكتشفت أن السفير السوداني هناك كان يفرض رسومًا غير قانونية ويسمسر فيها؛ وكانت فضيحة بجلاجل. كذلك إريتريا، التي طردت القنصل السوداني في أسمرا لأنه كان يتكسّب من اللاجئين السودانيين، يبتزّهم ويأخذ منهم الأموال.
حتى موريتانيا، البعيدة على ضفاف الأطلسي، والتي كانت قد أصدرت قرارًا يمنح أي سوداني يدخل أراضيها إقامة مجانية لمدة سنة قابلة للتجديد، تقديرًا لظروف الحرب واعتمادًا على السمعة الحسنة السابقة للسودانيين — ألغت القرار، ولها العذر كل العذر؛ إذ اكتشفت السلطات هناك حالات عديدة بين السودانيين يقومون فيها بنزع (استيكر) الإقامة من جوازاتهم وبيعه للمهاجرين غير النظاميين من جنسيات أفريقية أخرى مقابل 1500 دولار، ثم يستخرجون بدل فاقد!
إنه حصاد ثلاثين عامًا من المشروع “الحضاري” الإسلامي الذي أورد بلادنا وإنسانها موارد الهوان، وأحطّ بها وبنا إلى أسفل سافلين.
هنا تأتي الطامة الكبرى: هل تعلم، عزيزي/عزيزتي القارئ/ة السوداني/ة، أن دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، قد أصدرت مع بداية الحرب قرارًا إنسانيًا استثنائيًا، خصصت فيه – إلى جانب الإقامات المجانية للكوارث – فنادق وشققًا فندقية بمستوى هيلتون الخرطوم-، لاستضافة أي سوداني يصل إلى أراضيها هربًا من أهوال الحرب؟
لكن، ويا للأسف، سرعان ما استغل هذه الخدمة تجار (الشنطة) وسماسرة العملة والبشر، من الذين ينشطون بين بورتسودان ودبي؛ حيث بدأوا يسجلون في تلك الفنادق والشقق على أنهم من متضرري الحرب ليقيموا ويأكلوا مجانًا، ثم – ويا للعار – صاروا يؤجّرون تلك الغرف لأشخاص آخرين حين عودتهم إلى بورتسودان!
هذا فضلًا عن سوء الاستخدام، والإهمال، وعدم التعامل المتحضّر مع هذه الخدمة الإنسانية الرفيعة!
هذا الفعل القبيح، المشين، والإجرامي، لم يُسجَّل على أي فرد من أي جنسية أخرى من الجنسيات التي تعرّضت لكوارث وحروب – كالسوريين أو الأوكرانيين وغيرهم – والذين استفادوا من نفس هذه الخدمة الإنسانية الرفيعة التي لم تقدّمها إلا حكومة دولة الإمارات، دون غيرها في هذا العالم.
اسأل نفسك: لماذا فعلها السودانيون وتسبّبوا وحدهم في إيقافها؟!
وعندما تصل إلى الإجابة، ستجد نفسك تلعن (الإخوان)، ومن بعدهم البرهان.
ولكن – أرجوك – لا تلعن السودان؛ فهو بلد طيّب وخيّر، بأرضه وإنسانه العزيز الكريم، وأعني بذلك أولئك الذين لا يزالون قابضين على جمر الأخلاق السودانية الأصيلة، ولم تتلوث نفوسهم بلوثة وفساد وأخلاق الإخوان المسلمين وعسكرهم.
وأنا – وأعوذ بالله من الأنا-، أسعد أيّما سعادة بأن أصدقائي، ومن أشاركهم الهمّ العام والخاص، ودائرة علاقاتي الاجتماعية – وهم كُثر – جميعهم من هذه الفئة الفاضلة الكريمة، والشكر لله الذي سخّرهم لي.
استووا واعتدلوا وتراصّوا، وأنبذوا الحرب، والعنوا دين الإخوان والبرهان، و أقيموا الصلاة على دين الله الحق، وعلى سنة نبيّه الأمين الكريم، سيدنا وحبيبنا محمد، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم أجمعين. آمين