بورتسودان ليست محصنة: من يستخدم الميناء للحرب لا يحق له الشكوى من نيران الرد

25
عمار-نجم-الدين

بورتسودان ليست محصنة: من يستخدم الميناء للحرب لا يحق له الشكوى من نيران الرد

 

بقلم : عمار نجم الدين

 

إذا تم استهداف ميناء بورتسودان بشكل مباشر، فإن تداعيات ذلك ستكون كارثية على السودان بأكمله. في 4 مايو 2025، نفذت قوات الدعم السريع أول هجوم بطائرات مسيّرة على مدينة بورتسودان، مستهدفة قاعدة عثمان دقنة الجوية وبعض المخازن والمنشآت المدنية القريبة من الميناء. ورغم أن الهجوم لم يسفر عن خسائر بشرية، إلا أنه شكّل نقطة تحول في الحرب الممتدة بين جيش البرهان وقوات الدعم السريع، حيث اخترقت الأخيرة آخر خطوط “الأمان” الجغرافي في شرق السودان.

منذ أبريل 2023، تحولت بورتسودان إلى المقر السياسي والعسكري لحكومة بورتسودان، التابعة لجيش البرهان، وأصبحت مركزًا لإدارة العمليات الجوية في إقليم دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وتشير تقارير أممية إلى أن نحو 70% من الغارات الجوية التي استهدفت دارفور، انطلقت من قاعدة عثمان دقنة الجوية الواقعة قرب الميناء. ومع تحويل منشأة مدنية استراتيجية كميناء بورتسودان إلى مركز عسكري فعلي، بات من المتوقع أن تتحوّل هذه المنشأة التجارية إلى هدف عسكري مشروع.

الهجوم على بورتسودان يفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة، أبرزها ما يتعلّق بقطاع التأمين البحري. شركات التأمين العالمية، التي كانت تغطي عمليات النقل من وإلى الميناء، قد تعيد تصنيف بورتسودان كميناء عالي الخطورة، مما يؤدي إلى رفع أقساط التأمين على البضائع من 0.8% إلى نحو 2% من قيمة الشحنة. مثل هذه الزيادة ترفع تكلفة السلع المستوردة، وقد تؤدي إلى انسحاب بعض شركات الشحن العالمية من التعامل مع السودان.

اقتصاديًا، فإن الميناء يُعد شريان الحياة التجاري للبلاد، إذ يدخل عبره نحو 90% من واردات السودان. أي توقف أو تراجع في عمل الميناء، ولو جزئيًا، سيؤدي إلى اضطراب كبير في سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، خصوصًا القمح والوقود، في وقت يعاني فيه السكان أصلًا من أزمة معيشية خانقة. كما أن تعطل الحركة في بورتسودان من شأنه أن يفاقم أزمة العملة الأجنبية في البلاد، ويؤدي إلى تراجع جديد في الاحتياطي النقدي، ما سيؤثر على الاستيراد والخدمات.

في هذا السياق، ينبغي على حكومة بورتسودان أن تراجع سياساتها العسكرية في الميناء، وتُبعد المنشآت المدنية، وعلى رأسها الميناء، عن الاستخدام العسكري المباشر، لأن تحويلها إلى أهداف عسكرية سيعرّضها للاستهداف، ويُهدد الأمن الغذائي والاقتصادي للبلاد. كما تقع مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي في الضغط من أجل تحييد الموانئ والبنية التحتية الحيوية، وتكثيف الجهود الإنسانية لإنقاذ ملايين السودانيين المهددين بالمجاعة والانهيار الاقتصادي.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *