علي أحمد يكتب:عدالة الأوباش!!

21
علي احمد

بقلم الأستاذ: علي أحمد

“إن الحرب هي المدرسة الحقيقية للأطباء”، عبارة قالها الطبيب والفيلسوف الإغريقي أبقراط، المعروف بأبو الطب، والذي وضع الأساس الأخلاقي لممارسة مهنة الطب. وقد أصبحت تعاليمه ميثاقًا ملزمًا عُرف بـ (قسم أبقراط)، لا تزال كليات الطب حتى اليوم تحرص على أن يُقسم عليه خريجوها الجدد قبل ممارسة المهنة.

بالطبع، يُعد هذا القسم موضع تقدير في الدول التي تحترم آدمية شعوبها وإنسانيتهم، لا أشباه الدول التي تقتل شعوبها، وتحرقهم، وتقيم عليهم إبادة جماعية. وقد ورد في الصحف أن محكمة جنايات شندي بولاية نهر النيل في شمال السودان، والتي يرأسها بطبيعة الحال قاضٍ مُسيّس تابع للأجهزة الأمنية والحركة الإسلامية – كما هو حال معظم محاكم البلاد – قد أصدرت حكمًا بالإعدام شنقًا حتى الموت بحق الطبيبة المشار إليها بالأحرف (أ. ف. ع)، وذلك بعد أن أدانتها المحكمة غير الموقّرة بتهمتي التعاون مع قوات الدعم السريع، وإثارة الحرب ضد الدولة، وفقًا للمادتين (51) و(186) من القانون الجنائي، المتعلقتين بالجرائم ضد الإنسانية!

مأساة هذه الطبيبة بدأت حين كانت تعمل في مركز طبي بمنطقة شرق النيل في العاصمة الخرطوم، وفجأة وجدت نفسها في قلب حربٍ أشعلها التنظيم الإخواني الكيزاني الذي ينتمي إليه القاضي نفسه. وقد قامت بواجبها حين هرب الجيش، واختفت الشرطة، وتوارى العسس من شوارع الخرطوم، وظلت تعمل لعامين متتاليين في ظل أوضاع مخيفة ومرعبة، فرّ من مواجهتها قائد الجيش ذاته، متخذًا من مدينة بورتسودان مستقرًا له. ووجد المواطنون أنفسهم أمام أوضاع جديدة، وكان لا بدّ لهم من التكيّف مع الوضع القائم ومواصلة أعمالهم لتوفير ما يسدّ رمقهم ويكفل لهم البقاء أحياء مع عائلاتهم.

وظلت الطبيبة المذكورة – المغدورة – تمارس عملها في تلك الظروف البائسة دون أدنى معينات للعمل، وواصلت تقديم العلاج للمواطنين والجرحى والمرضى، بمن فيهم أفراد من قوات الدعم السريع، كما تفرض عليها مهنتها التي تعلمتها، والقسم الذي أقسمت عليه. غير أن القاضي اللئيم اعتبر ذلك “تعاونًا مع العدو”، قائلاً في حكمه الجائر الذي أصدره؛ إن هذا يُعدّ جريمة لا تقلّ خطورة عن المشاركة المسلحة. وهكذا، تحولت الطبيبة الإنسانة إلى متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

على الشعب السوداني، ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، أن يُسارعوا إلى حماية هذه الطبيبة البطلة من حكم الإعدام، وصون حياتها، والحيلولة دون تنفيذ هذا الحكم الصادر عن محاكم التتار، حتى لا يُصبح سابقة يُدان بموجبها جميع الأطباء العاملين في مناطق النزاع. وعلى الأطباء السودانيين في الخارج أن يهبّوا لنُصرة زميلتهم.

إنها عدالة الأوباش… عدالة البرهان والكيزان!

 

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *