تقرير: قافلة تحت القصف .. حين يصبح الخبز هدفاً للصواريخ!

42
WhatsApp Image 2025-06-03 at 10.58.18

محمد السر:

“في زمن تقصف فيه الأرواح بدل المواقع، وتستهدف فيه قوافل الرحمة بدل قوافل الحرب، يصبح الجوع سلاحاً، والمساعدات جبهة قتال.”

 

 

 

تقرير محمد السر

 

في الكومة بشمال دارفور، طائرة عسكرية تمزق شريان الحياة وتفضح حرباً بلا قلب ولا قانون

تنويه: هذا التقرير يستند إلى بيانات رسمية وتصريحات وشهادات ميدانية تم جمعها خلال 48 ساعة من الحادث.

في مساء حار من مساءات دارفور التي تعودت على الانتظار الطويل للمطر والمساعدات، دوى انفجار هز منطقة الكومة بولاية شمال دارفور، ليس نتيجة قصف على موقع عسكري، بل هجوم جوي على قافلة إنسانية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي (WFP). القافلة لم تكن تحمل ذخائر ولا جنوداً، بل دقيق القمح وزيت الطعام وحليب الأطفال، ومع ذلك، لم تسلم من قنابل الحرب التي لا تفرق بين مقاتل وجائع.

الواقعة: تسعة مركبات .. خمسة شهداء

طائرة عسكرية سودانية، وفق إفادات الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية (سارهو)، استهدفت مساء الاثنين قافلة إنسانية تتبع للأمم المتحدة كانت في طريقها لتوصيل الإغاثة إلى مناطق منكوبة شمال دارفور، والحصيلة الدامية خمسة شهداء من موظفي البرنامج، وأربعة جرحى بإصابات خطيرة، وتدمير كامل لتسع شاحنات كانت محملة بالمواد الغذائية والطبية.

الواقعة أثارت موجة إدانات عارمة، إذ اعتبرتها “سارهو” جريمة ممنهجة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، مشيرة إلى أن القافلة ظلت محتجزة لأكثر من أسبوعين في منطقة الدبة بأمر من استخبارات الجيش، قبل أن تُستهدف بعملية وصفتها بـ”المدبرة والمتعمدة”.

“سلاح الجوع” .. فصل جديد في الحرب السودانية

بحسب بيان رسمي لـ”سارهو”، فإن هذا الهجوم “لا يمكن اعتباره حادثًا فرديًا، بل هو امتداد واضح لنهج عسكري يعاقب المدنيين عبر منع المساعدات وتجويعهم، تحت غطاء الحرب على التمرد”.

تصريحات مشابهة صدرت عن مبادرة دارفور للعدالة والسلام، التي ربطت الهجوم بأحداث سابقة مثل قصف مقر برنامج الأغذية العالمي في يابوس، واستهداف موظفين أمميين في منطقة الشجرة في الخرطوم. المبادرة اعتبرت الهجوم “جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”، وأكدت أن الجيش يستخدم الغذاء والدواء كأدوات في سياسة “التجويع والقصف” التي تستهدف المدنيين تحديدًا.

شهادات من الظل:  نقلوا الأمل في شاحنات .. فعادوا في أكياس

شاهد عيان من سكان الكومة، فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لنا: “سمعنا أزيز الطائرة، ثم دوى الانفجار، ذهبنا مهرولين فوجدنا الجثث متفحمة والشاحنات مشتعلة. كانوا يوزعون الأمل، والآن نحن نوزع العزاء.”

موظف محلي في برنامج الأغذية العالمي، نجا من القصف لأنه كان في سيارة أخرى تأخرت في الطريق، قال بصوت مرتجف: أصدقائي ماتوا من أجل أن لا نموت نحن .. هذه ليست حربًا على عدو، بل على الحياة ذاتها.”

الفاعل في مرمى الاتهام: من يقصف المساعدات؟

قوات الدعم السريع سارعت إلى تحميل القوات المسلحة السودانية مسؤولية الهجوم، معتبرة ما حدث “هجومًا إرهابيًا منظمًا”، ودعت لتحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين. وأضافت أن الجيش بات يعتمد على تكتيك “التجويع بالقصف” كأداة لمعاقبة المدنيين في مناطق تعتبرها “غير موالية”، مما يشكل انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني.

في السياق ذاته، اعتبر حسب النبي محمود، رئيس حركة تحرير السودان الديمقراطية، أن استهداف القافلة هو “جريمة موصوفة ترقى لجرائم الإبادة البطيئة”، وأضاف في بيانه: “لا يمكن تفسير ما حدث سوى بأنه إرهاب دولة، يستخدم الجوع سلاحًا لتصفية مناطق بأكملها.”

وطالب محمود بفرض عقوبات حازمة على المسؤولين، وإرسال بعثات دولية لتقصي الحقائق، قائلاً: “نريد عدلاً يحمي لقمة الجائع، لا بيانات شجب تنتهي في سلة المهملات.”

السياق الأوسع: مجاعة على الأبواب وصيف بلا رحمة

في ظل هذه الكارثة، تشير تقارير برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 7 ملايين شخص في السودان، معظمهم في دارفور، على حافة المجاعة. عشر مناطق أُعلنت رسمياً كمناطق تعاني من نقص حاد في الأمن الغذائي، منها ثمان في شمال دارفور وحدها. ومع اقتراب موسم الأمطار الذي يعزل المناطق ويشل الحركة، فإن القوافل الإنسانية تمثل شريان الحياة الوحيد.

ولكن، حين تتحول هذه القوافل إلى أهداف للطيران، فإن هذا الشريان يُقطع بسكين الحرب.

خاتمة: صواريخ ضد الحياة .. ومطلوب وقفة ضمير

ما حدث في الكومة ليس مجرد “حادث مأساوي”، بل علامة بارزة على انحدار الصراع السوداني إلى دركٍ غير مسبوق من الوحشية. في بلد يتداعى فيه كل شيء، يصبح استهداف قافلة إنسانية جريمة ليس فقط بحق من قضى فيها، بل بحق الوطن بأكمله.

إن ما جرى يستدعي وقفة عالمية عاجلة تتجاوز الإدانات الشكلية، نحو تحقيق دولي نزيه، وضمانات حقيقية لحماية العمل الإنساني، ومساءلة عادلة للمتورطين.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *