المحامي حاتم الوسيلة: إجراءات نقل البشير من السلاح الطبي لو تمت بهذه الصورة فهي غير قانونية .!!

58

  • حاتم الوسيلة السنهوري الشاكي وعضو هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م لـ(راديو دبنقا):
  • واضح أن محامي البشير محمد الحسن له صلات تتيح له الاطلاع على معلومات حتى هيئة الاتهام لا علم لها بها، !!
  • انقلاب 25 أكتوبر والحرب الحالية كلها خطوات قصد بها قطع الطريق أمام تنفيذ أهداف الثورة،!!
  • البشير ليس سوبرمان حتى يقوم بتنفيذ الانقلاب لوحده!!
  • تقدمت بالشكوى كمواطن سوداني ولا علاقة لذلك بانتمائي السياسي!!

التقى (راديو دبنقا) حاتم الوسيلة السنهوري المحامي والشاكي في بلاغ انقلاب الـ30 من يونيو 1989، واللقاء مع السنهوري جاء في هذا التوقيت على خليفة التطورات التي شهدتها القضية خلال السنوات الماضية منذ فتح البلاغ إلى تصريحات محمد حسن الأمين المحامي محامي المتهم الأول في البلاغ الرئيس السابق عمر البشير التي اعلن فيها أن عمر البشير وعدد خر من المتهمين في القضية قد تم نقلهم إلى مكان امن خارج مستشفى السلاح الطبي لعدم توفر الرعاية الطبية الكافية، في المستشفى !!

أجرى الحوار بأديس أبابا – أشرف عبد العزيز

  • في البدء، هنالك اتهام لك كشاكي في هذا البلاغ بأن دوافعك انتقامية بحكم انتماءك للحزب الشيوعي السوداني؟

في البدء أنا شاكر ومُقدر أستاذ أشرف على هذا اللقاء مع (راديو دبنقا) الحريص على نقل كل الحقائق والقيام بدور الوعي، التحية لكم، في الحقيقة إذا سمحت لي أحب أن أشير إلى خلفية بسيطة وغير مخلة، ولكن بالضرورة لا بد من شرحها بصورة أفضل، البلاغ ضد مدبري انقلاب 89 كان واحدة من أهداف ثورة ديسمبر المجيدة بضرورة محاكمة من قاموا بهذا الانقلاب الذي قطع الطريق أمام الديمقراطية وخرق الدستور وأتى بنظام الحكم الذي استمر زهاء 30 عاماً، وكلنا نعلم أن هذا الانقلاب هو انقلاب نفذته الجبهة الإسلامية القومية بواسطة مدنيين وعسكريين قاموا به لقطع الطريق أمام الديمقراطية واستمرار التحول الديمقراطي في تلك الفترة.

عقب الانتصار الجزئي الذي حققته ثورة ديسمبر المجيدة، الفكرة الأساسية التي كانت تشغل كل المحاميين والقانونيين والمدافعين عن الحقوق والحريات هي كيف تتم معاقبة من قاموا بهذا الانقلاب الذي أدخل البلاد في مأزق ضيق جداً، وكلنا نذكر تماماً أن السودان في زمن هذا النظام وصل لأسوأ مراحله التاريخية، اجتماعيا، ثقافياً، وفكرياً، ربما يكون هذا ليس الوقت المناسب لهذا السرد، لكن يظل هو مفهوم بالضرورة لكل مواطن سوداني أو لكل مواطنة سودانية.

كوكبة من الأساتذة الأجلاء والمحاميين المنحازين للثورة على رأسهم أستاذنا الجليل علي محمود حسنين عليه رحمة الله وطيب الله ثراه، وهي التي ابتدعت هذه الفكرة، بأنه لا بد من محاكمة ومحاسبة من قام بهذا الانقلاب، بعد أن عاد أستاذ على محمود من مقر إقامته في بريطانيا، كانت وجهته من المطار مباشرة إلى ميدان الاعتصام، وهناك طرح الفكرة للمحاميين وأصدقاءه من جيله والذين يتفق معهم في فهمه الثوري تجاه الديمقراطية واستدامتها والحريات والسلام وهذه هي مواقفه المعروفة، والرجل يشهد له بذلك طوال تاريخه في العمل النقابي والسياسي والاجتماعي.

بدأ الأستاذ محمود في عقد اجتماعات مع طيف كبير جداً من المحاميين والقانونيين لشرح أبعاد تقديم البلاغ. كان على رأس تلك الكوكبة محمد الحافظ محمود والأستاذ كمال الجزولي عليه رحمة الله، ومولانا السر الحبر، والذي لم يكن وقتها يشغل منصب النائب العام.

هذه كانت بداية فكرة البلاغ، بعدها بدأوا في كتابة العريضة التي قدمت للنائب العام في وقتها، وبعد ذلك احيلت لنيابة الخرطوم شمال، لعمل التحقيق وفتح البلاغ، وعلى ما أذكر عقدت هذه الهيئة مؤتمراً صحفياً تحدثت خلاله عن البلاغ وأهدافه وتم استعراض العريضة خلال ذلك المؤتمر الصحفي، بعد ذلك اتجهت هذه المجموعة في إتجاه ضرورة وجود شخص خلف البلاغ لأن البلاغ مرتبط بالحق العام.

  • لم تجب على السؤال بعد؟

دعني أواصل حتى أكمل الإجابة، حسب القانون السوداني لسنة 1991م، في أي وقائع متعلقة بالحق العام، الشخص المبلغ هو شخص عادي من حقه أن يقوم بفتح بلاغ، لا يشترط في الأمر أي علاقة بالانتماء السياسي، ولا الانتماء الفكري، ولا علاقة لذلك حتى بالمعتقد، وإنما هو حق من حقوق المواطنة، القانون يقول:” إن من حق أي مواطن سوداني أن يقوم بفتح بلاغ في قضايا الحق العام.”

تعرضت لهذا السؤال في المحكمة، أثناء مناقشة هيئة الدفاع عن المتهمين في بلاغ مدبري انقلاب 89 وكانت إجابتي بشكل واضح وقاطع بأنني لا أمثل أي حزب ولا أعبر عن أي موقف فكري أو سياسي، وإنما أنا مواطن سوداني تقدمت بهذا البلاغ لأني أنا وآخرين من الشعب السوداني متضررين من هذا الانقلاب الذي أُثر على مناحي الحياة بشكل مفصل وإجمالي.

تم اختياري كمبلغ باعتباري أحد المدافعين عن الحقوق والحريات، وأنا أحد أعضاء التحالف الديمقراطي للمحامين ومحامي الطوارئ الذين كنا ندافع عن كل الثوار والثائرات إبان فترة قهر واستبداد الحركة الإسلامية طوال سلطة هذا الانقلاب، ولا نزال ندافع عن الحقوق والحريات، كمحامي ومدافع عن الحقوق والحريات، كنت المبلغ كمواطن سوداني عادي، ولا أمثل في هذا البلاغ أي حزب ولا كيان، ولا أي شكل من أشكال المؤسسات التي يمكنني أن أمثلها، وإنما أنا مواطن له الحق بموجب الدستور وبموجب القانون في أن يكون مبلغ.

  • هل واجهتم أي تحديات في إطار سير القضية فيما يتعلق بالجانب القانوني؟

نعم، على ما أذكر في اليوم الذي تم فيه فتح البلاغ في نيابة الخرطوم شمال، وبعد أن أخذ وكيل النيابة الإذن من النائب العام، وكان اسمه الوليد على ما أذكر، وهو الذي قام بالتأشير على العريضة التي تم تقديمها من الأساتذة الذين سبق وأن ذكرتهم، أشار وكيل النيابة إلى تحويلنا لنيابة الخرطوم شمال، المحقق في وقتها كان هو وكيل النيابة أحمد الحلا في ذلك الوقت، مثلت أمامه ووجه إلي أسئلة بصفته محقق من النيابة، أسئلة عن البلاغ والمتهمين، الأسئلة التقليدية للنيابات، بعد ذلك تحرك في معيتنا شخصي والمرحوم علي محمود حسنين والمرحوم كمال الجزولي ومحمد الحافظ، وعادة لا بد أن ينزل أي بلاغ في يومية التحري في قسم الشرطة الذي أجري فيه التحقيق ( قسم شرطة الخرطوم شمال).

واجهتنا مشكلة وهي أن القائمين على أمر القسم لم يكونوا متعاونين في مسألة فتح البلاغ وإدراجه ضمن أرقام يومية التحري. وللحقيقة والتاريخ، لاحظنا أن رئيس القسم لم يحرص على الالتقاء بنا، كان هنالك ضابط من صغار ضباط القسم لم تكن له القدرة ولا الصلاحية لاتخاذ قرار، في الأخير لجأنا لسلطات وكيل النيابة محمد الحلا في أن (يعمل) اليومية وبعد ذلك يتم تدوينها، المهم هو أن الحلا اتخذ الموقف القانوني السليم وأكمل إجراءات التحقيق حول البلاغ ومجرياته وسرده التاريخي، وعن الأشخاص الموجه في حقهم الاتهام.

هذه كانت واحدة من العقبات منذ البداية، وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن عناصر النظام كانوا ما زالوا موجودين بشكل مكثف جداً في كل الأجهزة، من شرطة ونيابة وقضاء، وهذه هي واحدة من الملاحظات التي شاهدناها.

  • من هم الذين وجه لهم الاتهام في هذا البلاغ؟

إنا ذكرت للنيابة أنني أتقدم ببلاغ ضد تنظيم اسمه الجبهة الإسلامية القومية قام بانقلاب كان وراءه المنتمين لهذا التنظيم من عسكريين ومدنيين، وأكدت على أن من قام بالانقلاب هم المدنيون الذين ينتمون للجبهة الإسلامية وهم من تصدر المشهد السياسي وهم من تقلد الوزارات والبرلمان الذي تم تكوينه من قبل الجبهة الإسلامية، وكانوا مسيطرين على كل الأجهزة المدنية للدولة السودانية لمدة ثلاثون عاماً والتي انتهت في 11 أبريل 2019م، بمفهوم واضح هذه جريمة مستمرة، وأن الانتفاضة التي قام الشعب في 11 أبريل هي من أوقف تمظهرات سلطة ذلك النظام، ولكن منذ 89 وحتى ذلك التاريخ السودان كان محكوماً من قبل هذا التنظيم، وهذه المسألة متورطة فيها كل أجهزة الدولة، حتى القضاء، واستشهدت ببعض رموز ذلك النظام الذين كانوا يشغلون مواقع دستورية، د. نافع علي نافع، على عثمان، عوض الجاز وكل الموجودين في قفص الاتهام في ذلك البلاغ بعد ذلك، وكلهم ينتمون لذلك التنظيم.

الانقلاب من تخطيط هذا التنظيم من الألف للياء، والمدنيون شاركوا في هذا الانقلاب منذ اليوم الأول للانقلاب، حيث تم اعتقال بعض السياسيين، بواسطة عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلحة.

  • هل سارت الأمور بسلاسة وتم القبض على كل المدنيين والعسكريين؟

حسب لائحة الاتهام والأسماء التي وردت في البلاغ تم القبض عليهم وإيداعهم الحجز للتحري معهم بعد أن قدم الاتهام قضيته، وقدم الشاكي شهود الاتهام الذين تم سماعهم في المحكمة، إلى أن أغلقت قضية الاتهام، وجاءت مرحلة استجواب المتهمين، ومن ثم اندلعت حرب الخامس عشر من أبريل.

  • من هم أبرز الشهود الذين تقدموا بشهادات فيما يتعلق بهذه القضية؟

كان على رأس الشهود الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، ورئيس مجلس الوزراء المنقلب عليه، وهناك اللواء برمة ناصر، وهناك ضباط قدمتهم هيئة الاتهام، كانوا موجودين في الخدمة في وقت حدوث الانقلاب، وأيضا كان هنالك رئيس هيئة الأركان السابق والذي بدوره ادلى بشهادته حول القضية وتحديداً ما حدث ليلة 30 يونيو 1989، وهؤلاء ضباط كانوا موجودين قبل الانقلاب وتحديداً في فترة الديمقراطية التي أجهضت بواسطة الانقلاب. والذين ادلوا بإفادات حول ماهية الأوامر التي كانت تصدر من الضباط المنتمين للجبهة الإسلامية، وأيضا التنوير الذي تم بواسطة بكري حسن صالح.

  • خبراء قانونيون ذكروا أن كثير من هذه البينات ضعيفة، خاصة وأن البشير نفسه أعترف وتحمل مسؤولية كل ما تم في ليلة 30 يونيو 1989؟

طبعاً كلنا سمعنا وكل العالم سمع أن رئيس الانقلاب ومن أذاع البيان والحاكم الأوحد للسودان طيلة 30 عاماً، أنه في مرحلة الاستجواب وإجراءات المحكمة ذكر بأنه مسؤول مسئولية جنائية كاملة عما حدث، في تاريخ الانقلابات في العالم كله وخصوصاً في العالم العربي وأفريقيا، ليس هنالك انقلاب قام به شخص منفرد، الانقلابات عادة عبارة عن أدوار متعددة ومختلفة، تبدأ من التخطيط للانقلاب، فكل من دبر وخطط متورط في الانقلاب، حيث لا يمكن يجتمع شخص مع نفسه وصياغة البيان الذي سيتم إذاعته من أي مكان سواء كان من منظمة الدعوة الإسلامية أو خلافه، لا يمكن لشخص واحد حتى وإن كان سوبر مان، أن يصنع انقلاباً بموجبه يعتقل كل الوزراء الذين كانوا يشغلون المواقع الحكومية، والنقابيين والسياسيين من بيوتهم، ويعلن حالة الطوارئ وحظر التجوال، هذا الدفع ضعيف جداً ولا يمكن أن يؤخذ به، لأنه لا يمكن لشخص واحد أن يقوم بعمل الانقلاب، لأن الانقلاب عملية مدبرة ومنظمة وعملية شاركت فيها مجموعة كبيرة جداً من تنظيم الجبهة الإسلامية والذين شاركوا مشاركة فعلية، والتنظيم برمته هو الذي قرر المشاركة في الانقلاب.

  • هل لديكم شواهد غير مشاركة هذا التنظيم في الجانب السياسي؟

سأورد هنا ما ذكرته في المحكمة، التنظيم الوحيد الذي كان له مصلحة في الانقلاب في أيام الديمقراطية الثالثة هو الجبهة الإسلامية، فلم يكن هنالك أي حزب له مصلحة في عمل انقلاب، وكما نذكر جميعاً كان هنالك ميثاق الدفاع عن الديمقراطية، والذي وقعت عليه كل القوى السياسية ماعدا الجبهة الإسلامية وكان هنالك اتجاه إلى أن تُلغى دوائر الخريجين وتستبدل بالقوى الحديثة ورفضت ذلك، وهنا يجب أن نفهم أن زعيم المعارضة في البرلمان هو أحد المتهمين وهو علي عثمان محمد طه وكان وقتها لدى الحركة الإسلامية حوالي 51 مقعداً ببرلمان الديمقراطية الثالثة، ولو تذكرون توعدهم بخصوص اتفاقية السلام التي كانت بين الراحل دكتور جون قرنق ديمبيور قائد الحركة الشعبية والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم الختمية وليس الحزب الاتحادي الديمقراطي، الاتفاق الذي تم تبنيه من داخل الحكومة وقتها، وحدد موعداً لقيام المؤتمر القومي الدستوري والذي كان يمكن أن يحل كل إشكالات السودان، ولم نكن لنصل لهذه الحرب. لأن المؤتمر الدستوري كان يمكن أن يجاوب على أسئلة عديدة أهمها كيف يحكم السودان؟ بتعدده وتنوعه وكل مسائله المعقدة التي نعلمها جميعاً. لذلك الجبهة الإسلامية كانت ضد كل ما تم التوصل إليه.

  • قبل أيام تحدثت السفيرة ووزيرة الدولة بوزارة الخارجية “سناء حامد” عن أنها قامت بالتحقيق مع عناصر في الجيش، هل هنالك دلائل قاطعة أن هناك علاقة بين العسكريين والمدنيين وهم من خططوا ودبروا لهذا الانقلاب من هذه الزاوية؟

كما ذكرت سابقاً، الجبهة الإسلامية تنظيم سياسي لديه وجود داخل القوات المسلحة، وكان لا بد لهم أن يعملوا هذا الانقلاب بقوة تمتلك السلاح، وهذه القوة كانت عناصرهم التي تمتلك هذا السلاح داخل الجيش، الجانب النظري عندهم في ذلك الوقت كان مناهضاً لقيام المؤتمر الدستوري، البرلمان الذي تشارك فيه القوى الحديثة والاتفاق مع الحركة الشعبية، حدوث ذلك بالنسبة للجبهة الإسلامية كان يعني النهاية السياسية، ولذلك كانوا يعارضون تحقيق السلام عبر اتفاق الميرغني قرنق، وعقد المؤتمر القومي الدستوري، بالتالي عجلوا وسارعوا بتنفيذ الانقلاب.

اعترافات الدكتور حسن الترابي التي أدلى بها لقناة الجزيرة، وضحت أنهم هم من دبروا الانقلاب، وهناك وقائع محددة وكثيرة جداً، نحن قدمنا في هيئة الاتهام كل التسجيلات التي قدمها الترابي في الجزيرة، وكل ما قالوه عن الانقلاب مثل إفادات د. علي الحاج وآخرين، فهؤلاء عندما كانوا في قمة نشوة السلطة تحدثوا عن أنهم هم من دبر الانقلاب، والدولة السودانية كلها في يدهم، وما في أي زول بقدر يقلعها منهم، وصلوا مرحلة القول: “الراجل يجي يقلعنا” وهو تصريح ادلى به نافع علي نافع رئيس جهاز الأمن السابق، في ظل هذا الانقلاب الذي استمر لثلاثون عاماً وهم أعضاء أصيلين في الجبهة الإسلامية . كيف كانت تدار الحكومة؟ مثلاً ما لم تكن تنتمي لهذا التنظيم لن تدخل القوات النظامية، أو الأجهزة العدلية، ولا الخدمة المدنية، والذي حدث تحت مسمى التمكين الإخواني.

  • من خلال حديثك يتبادر للمستمع بأنك لا تمثل المحامي، إنما أنت شاكي ذو ظلال سياسية. كثير من التنظيمات السياسية بما فيها الحزب الشيوعي قامت بانقلابات، ولكن بعد كل الانتفاضات التي حدثت لم يكن هناك اتجاه لمقاضاة هذه التنظيمات، ما تعليقك؟

أنا اتحدت عن حق المواطنة لي وللشعب السوداني، الذي عانى بتغيير السلم التعليمي، وفي الاقتصاد، من هجرة العقول من شباب ومتخصصين ومتخصصات، عانى من الجحيم الذي لازمه طيلة فترة هذا الحكم البغيض، هذا فضلاً عن القرارات التي صدرت في حق هذا النظام من المجتمع الدولي بسبب أخطائه، أكثر من 2000 قرار، لقد عانى الشعب السوداني من المجازر التي تم ارتكابها في شتى أنحاء السودان، في جنوب النيل الأزرق، في جنوب كردفان وفي دارفور، باعتراف رئيس النظام الذي أقر بقتل 10 ألف في دارفور، رغم أن إحصائيات الأمم المتحدة تشير لمقتل أكثر من 300 الف، وهو ما دعا المحكمة الدولية أن تصدر أمر قبض لرأس النظام ومعاونيه، وفق التقصي الذي تم، والانتهاكات مثبتة بشكل دقيق جداً ومصورة، وهنالك شهود أدلوا بشهاداتهم، ولا تزال محكمة لاهاي لديها أوامر قبض بحق هؤلاء المجموعة.

  • عقب انتفاضة 85، لم يتعرض جعفر نميري لهذا المستوى من خطاب الكراهية والدوافع التي تم بناء عليها فتح هذا البلاغ، ولم يحدث ذلك لعبود من قبل، لماذا هذا الإصرار بهذه الصورة في هذه المرة؟

بعد أي انتفاضة حصلت في السودان منذ أول حكم عسكري كان في 17 نوفمبر ضد حكومة ثورة أكتوبر، عقب ثورة أكتوبر تمت محاكمة من قاموا بالانقلاب وأولهم ضباط 17 نوفمبر لأنهم خرقوا الدستور، في 6 أبريل 1985 تم إسقاط نظام مايو، وعلى رأسه الجنرال جعفر نميري، وتمت محاكمته عقب الانتفاضة، وأعوانه مثلوا أمام محاكمة كانت مبثوثة وكل الشعب السوداني شاهدها. كذلك ما تم في ديسمبر المجيدة من فتح بلاغ، رغم أن المحاسبة لم تكتمل لأسباب عديدة، جاءت فكرة أنه لابد من محاكمة من قام بخرق الدستور وعمل انقلابا عسكرياً، حتى يتم ردع كل من تسول له نفسه الانقلاب على نظام منتخب ودستوري، خاصة وأن قوانين القوات المسلحة لا تعطي القوات المسلحة نفسها أن تقوم بانقلاب، إنما القانون يعطي القوات المسلحة مهام وطنية قومية، وهي المحافظة على الأرض والدستور وحماية المواطنين، والقيام بدورها في حراسة الدستور الموضوع من قبل الشعب.

كل هذه النماذج تؤكد أن العسكريين يجب ألا يقوموا بانقلابات، الممارسة التي تمت خلال الثلاثون عاماً كانت ممارسة عنيفة، شهدت بيوت الأشباح، شهدت التشريد من العمل، شهدت انتهاك الحريات، شهدت انعدام للأمان، والدولة لم تكن تقف على مسافة واحدة من كل الناس، الدولة منحازة لفصيل الإسلاميين.

إذا نظرنا لتجربة عبود ونميري، بنجد أنك يمكن أن تكون نقابياً ويتم اعتقالك، ولكن بعد خروجك من المعتقل تعود إلى شغلك، دون أن يتم فصلك، الفصل يتم فقط بسبب بلوغك سن المعاش، أو بقضية جنائية، لكن تجربة الإنقاذ بحد ذاتها كانت تجربة قاسية، بقساوة يتم فصل رب أسرة من عمله أكثر من 60 ألف تم فصلهم.

  • هل تعتقد أن التعامل مع الإسلاميين بالمثل هو حل للأزمة؟

لم تتم المعاملة بالمثل، كل ما حصل أنه تم فتح بلاغ وفق قانون 1991، القانون الذي تم تعديله في ظل النظام نفسه، الذي كفل لكل مواطن الحق في فتح بلاغ في الحق العام، فهو بلاغ تم اسوه ببلاغات تمت ضد عسكريين قاموا بانقلابات.

كل ما ذكرته عبارة عن صور موجودة في مخيلة كل الشعب السوداني، وما تم هو عمل قانوني بحت، واللجنة تعاملت المتهمين بكل احترام وكل مراعاة لقيم الإنسان وحقوق الإنسان، وهذا باعتراف المتهمين نفسهم، وأنا افتكر اللجنة كانت في قمة النزاهة. فلم يتعرض أي متهم للإكراه، بل على العكس، اللجنة كانت تقوم بعمل مهني يعزز مفهوم تعامل المؤسسات القانون مع السودانيين بالتساوي.

  • هل لمستم أي نوع من الضغوط من العسكريين؟

بعد أن بدأت الجلسات، المحكمة هي المنوط بيها الحرص على استمرار الجلسات، فالجلسات كانت مستمرة كل ثلاثاء تبدأ الساعة العاشرة بمعهد تدريب الشرطة، وكان مولانا حسين الجاك مفرغاً من المحكمة العليا، واستمر حتى بلغ مرحلة أعتقد أنها متقدمة في قضية الاتهام، بعدها تم استبداله بقاضي آخر بعد أن وصل القاضي الأول سن المعاش، الذي واصل حتى مرحلة استجواب المتهمين، وبعد ذلك اشتعلت الحرب، ما أدى لتوقف إجراءات المحاكمة.

لم نلاحظ أن هنالك تحيزاً بخلاف الصراع الذي يحدث داخل المحاكم، من تقديم طلبات والفصل في الطلبات وغيرها من الصراعات القانونية الطبيعية التي تتم في المحاكم.

  • بعض محامي الاتهام، كانوا قد وجهوا اتهامات للسلطة، خاصة عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 بأنها منحازة للمتهمين، وهنالك نوع من المحاباة في شكل التعامل وما إلى ذلك، ما رأيك؟

في البداية تم تقديم اعتراض على أن من يأتي من السجن للمحكمة في هذه القضية يجب أن يرتدي لبس إدارة السجون، وهو ما يحدث لكل المتهمين الماثلين أمام القضاء وهم قادمون من السجن على ذمة قضية لم يتم الفصل فيها.

حيث لوحظ في الجلسات الأولى أن المتهم الأساسي كان يحضر للمحكمة وهو يرتدي جلباب وعمة وملفحة، وهذه مسألة لم تكن مقبولة حتى للرأي العام، والإعلاميين كتبوا عنها، وقدم اعتراض داخل المحكمة، على أساس أن اللوائح تقول إن الشخص المقفول على ذمة قضية ومودع في السجن يجب أن يحضر للمحكمة بالزي المخصص للسجون.

انقلاب 25 أكتوبر أعاد البلاد لنظام السلطة السابق، وهذه حقيقة، بدليل أن عديد من عناصر النظام السابق رجعوا لوظائفهم، وهي مسألة مشاهدة وواضحة، وهي جزء من واقع الحياة ما بعد انقلاب 25، وكلنا كمحاميين ومدافعين عن الحريات شاهدنا حملة الاعتقالات والبلاغات التي كانت تتم في المواكب للصحفيين والناشطين.

  • ما هو تصورك لسير هذه القضية بعد اشتعال الحرب في السودان؟ وإلى أين ستمضي، خاصة وأن هنالك تصريحات بأن المتهم الأول وآخرين نقلوا من مستشفى السلاح الطبي؟

ما قاله الأستاذ محمد حسن، نحن في هيئة الاتهام ليس لدينا أي معرفة ولا علم بما يدور، لأن السلطة الموجودة حالياً بعد 15 أبريل خارج يد القوة التي قادت الثورة، السلطة في يد حكومة الأمر الواقع.

واضح أن تصريح الأستاذ محمد الحسن مبني على أخبار وإلمام، ويبدو أن له صلة تتيح له الاطلاع على معلومات حتى هيئة الاتهام لا علم لها بها. وحتى الصحافة والمجتمع السوداني لا علم لها بها، وحتى مجتمع القانونيين والحقوقيين ليس لهم علم بها.

حتى إذا افترضنا أن الخرطوم ليس بها سلطة حالية، نقل المتهمين لا يتم بسلطة الأمر الواقع، النقل يجب أن يتم من أقرب سلطة قضائية يتوفر لها محاكم. والسؤال، أين هو ملف المحاكمة حالياً؟

  • هذا السؤال اعتقد أنكم كمحامين معنيين أكثر بالإجابة على هذا السؤال؟

ليس هنالك أي عضو من هيئة الاتهام موجود في السودان حالياً، الحرب تسبب في نزوح أكثر من 8 مليون سوداني من مدن الخرطوم الثلاثة، أضف لذلك ما تم من قصف للمباني.

إذا المبررات بنقل المتهمين لدواعي إنسانيه تعتبر مبررات منطقية، حيث لا تتوافر خدمات صحية؟

  • السؤال، إلى أين تم نقلهم؟ وما هي السلطة التي أصدرت قرار نقلهم؟ وهل المكان الذي سيتم نقلهم إليه سيكون خاضعاً لحراسة من شرطة السجون؟

كل هذه معلومات يجب أن تملك للناس، كل ما يتم تداوله عبارة عن شائعات هنا وهناك. بالضرورة إذا كان لابد من نقلهم، يجب أن يتم وفقاً للضوابط الإجرائية التي يحددها القانون، طالما أنهم متهمين لم تكتمل إجراءات محاكمتهم، فعملية نقلهم تقع تحت مسئولية شرطة المحاكم. وهي الشرطة المسئولة من إيصال المتهمين من محبسهم للمحاكمة ومسئولة عن إرجاعهم للحبس، هل ما ذكره الأستاذ محمد حسن تم وفقاً للضوابط المذكورة في القانون؟ وهل الجهة التي تم نقلهم إليها معلومة؟ أفتكر أن الأستاذ الذي أدلى بهذا التصريح على صلة وعلى علم بمعلومات غير متاحة للآخرين.

  • بعد كل ما حدث، واضح أن المحصلة النهائية كانت وخيمة على القوى الديمقراطية نفسها. اعتبر الإسلاميون أن كل المحاكمات التي تمت في حقهم دوافعها انتقامية، والغرض منها إقصاءهم، وبالتالي كانت مقاومتهم قوية وعصية حتى على القوى الديمقراطية، ألا تعتقد أن قيامك بتقديم الشكوى هو إجراء غير سليم، أدخل البلاد في فترة حرجة؟

أي إنسان لابد أن يخضع للمحاسبة ولا يفلت من العقاب، حتى لو كنت أنا ذلك الشخص، إذا أخطأت في حق شخص أو في حق البلد في أي حق من الحقوق المدنية والجنائية يجب أن أحاسب، ليس هنالك إنسان أكبر من القانون، وليس هنالك من يعلو على القانون، وبالعكس، أفتكر البلاغ يعزز لفكرة مهمة وهي ليس من حق أي أحد الاعتداء على الديمقراطية، لا يحق لأي إنسان أن يلغي إرادة من انتخبوا من يمثلهم في حكم بلادهم، من يحق له محاسبة وانتخاب ممثليه هو الشعب فقط.

  • هناك من يتحدث عن ضرورة محاسبة كل الأحزاب السياسية التي قامت بانقلابات سابقة في السودان؟

أي محاسبة لابد أن تتم بتقديم بلاغ، فمن يرغب في محاسبة أي قوى سياسية أو مدنية أو نقابية أو شخص عادي يتقدم ببلاغ، من يطلق هذا الحديث لماذا لم يتقدمون ببلاغات؟ حتى حينما كانت النيابات والقضاء والسلطة تحت سيطرتهم، لماذا لم يتقدموا ببلاغات وقتها؟ لم أسمع حتى هذه اللحظة أن هنالك من تقدم ببلاغ ضد شخص أو أشخاص، هذا الحديث لم يتم إطلاقه إلى عقب فتح بلاغ بكل إجراءاته، وبعد أن وصل البلاغ مراحل متقدمة، فعقب استجواب المتهمين لم يتبق سوى تقديم شهود الدفاع، ومرحلة المرافعات واتخاذ القرار، وهذا هو سير إجراءات الدعوة. فكما نعلم لم يتقدم أي شخص بأي بلاغ.

  • هل تود أن تشير إلى اتهامهم بأنهم قاموا لحماية نظامهم بمحاولات عديدة من ضمنها انقلاب 25 أكتوبر والحرب الحالية؟

أي خطوة تهدف لقطع الطريق أمام هذه الثورة وأهدافها، وضد كل من رفعته من شعارات من عدالة وحرية وسلام وعدم الإفلات من العقاب وأن المواطنة هي الأساس، أي ضرب لهذه الأفكار يصب في مصلحة النظام البائد، لأن الثورة جاءت لغياب تلك المفاهيم بسبب وجودهم في السلطة طوال الثلاثون عاماً، الانقلاب واحد من تلك الأدوات التي تم استخدامها، وكذلك الحرب واحدة من الخطوات التي تمت لقطع الطريق على كل تلك الشعارات، رغم أن المقاومة لم تتوقف منذ انقلاب 25 أكتوبر وحتى قيام هذه الحرب، والمواكب لم تتوقف، وكل أسبوع هنالك مواكب ومعتقلين من الشباب والشابات، والمدافعين عن الحريات والقانونيين والصحفيين.

  • ألا تعتقد أن الطريقة التي تم بها أقصاء الإسلاميين هي جعلتهم يتجهون لمقاومة الثورة بشكل عنيف؟ وأن هذه الطريقة قادت السودان للوقوع في كل هذه الخسائر التي حدثت؟

الإسلاميون أسقطهم الشعب السوداني نتاج لما قاموا به من ممارسات طيلة الثلاثون عاماً، والتي لا يتسع المجال لذكرها، وقد شاهدنا ذلك في الانتهاكات التي تمت في البحرية والسكة حديد والأموال التي تم نهبها والمشاريع التي نهبت وخط هيثرو، لم تسقطهم القوى السياسية، وإنما الشعب السوداني كله في الريف والقرى وفي البوادي في الحضر، خرج ضد السياسات التي كانت تمس المواطن في سلامته وفي أمنه ومعيشته وتعليم أولاده، في الفترة الأخيرة انتشرت تسعة طويلة، وهم ناس كانوا يستغلون مواتر وينهبوا في قلب الخرطوم، وكثير منهم اتضح انهم يحملوا بطاقات نظامية، طالما أن الشعب هو من أسقطهم بالتالي من حقهم محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها، ولا يعقل ألا تتم محاكمة لمن ارتكب كل هذه الجرائم؟

  • لكن الواضح أن ذلك من الصعوبة بمكان، في ظل ضعف القوى المدنية في مواجهتهم، وبالتالي الشعب السوداني هو الخاسر الوحيد.؟

هم ليسوا أقوياء، فقد سقطوا رغم كل جبروتهم، ولكن هم موجودون في الأجهزة المدنية وفي القوات النظامية، وفي القوات المسلحة، هذا الوجود هو من أدى لاشتعال هذه الحرب، والتسليح الذي تم سيقود لاستمرارها، فخطورة هذا التسليح تكمن في ضرب النسيج الاجتماعي للشعب السوداني، ففي ظل هذا الوضع إذا حدثت مشكلة في فرن قد يخرج كل شخص سلاحه واستخدامه، خاصة وأن الأجهزة الشرطية والنيابات غائبة في اغلب مناطق العاصمة، بالتالي القوة التي يمتلكونها تنبع من امتلاكهم للسلاح، ولكن حسب وجهة نظري هي قوى ضعيفة، ولن تحل أي مشكلة.

الوضع في السودان حالياً سيئ جداً، والظروف التي يمر بها الشعب السوداني في الداخل وفي مناطق النزوح واللجوء ظروف قاسية جداً، واستمرار الحرب بيعني القضاء على الشعب السوداني.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *