كسلا: مضايقات وتكميم الأفواه للناشطين والسياسيين.
تمازج: بلو نيوز الإخبارية-
سجلت أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير في السودان تراجعا كبيرا عقب اندلاع حرب 15 أبريل 2023، توسعها المطرد، وفقا لمنظمات محلية وأممية، وشهادات فاعلين تحدثوا لراديو تمازج.
في ولاية كسلا الواقعة شرق السودان، لم تكن الأوضاع بأحسن حالا عن غيرها في البلاد، ولتسليط الضوء على أوضاع الحريات هناك، تحدث “راديو تمازج” إلى عدد من النشطاء في مجالات مختلفة بالولاية لمعرفة تأثير الحرب على أوضاع عملهم ومخاوفهم في ظل اضطراب الأوضاع الحقوقية والسياسية والأمنية بالبلاد.
مصادرة مساحة الحريات:
مطلع حديثه لراديو تمازج، أوضح الناشط الشاب في قضايا حقوق الإنسان، “مهند”، أن أجهزة الأمن والأجهزة الاستخباراتية بالولاية، لم يكن لديها أي معلومات حول النشطاء الحقوقيين والسياسيين بداية اندلاع الحرب.
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية عقب استعانتهم بمنسوبي النظام البائد، الذين قال إنهم كانوا يجمعون المعلومات حول النشطاء والفاعلين طوال الفترة التي أعقبت الحادي عشر من أبريل 2019، تمكنت الأجهزة من الوصول إلى قواعد المعلومات التي تتصل بكافة النشطاء في المجال العام.
ويتابع: “عقب ذلك، بدأت عمليات مراقبة وتجسس وتتبع لأرقام هواتف الناشطين”. ويضيف “كلما تمددت الحرب ضاقت مساحة الحريات إلى أن وصلنا إلى قرارات اللجنة الأمنية بحظر أنشطة المجتمع المدني والفعاليات وحظر دور الأحزاب السياسية وإلغاء لجان الخدمات والتغيير وتحجيم دورها”.
وتحدث مهند، عن تجييش المجتمعات في الحرب وربطها بالكرامة، وتأثير هذا الربط والتجييش على دور المجتمع المدني، حيث وصف ما يجري بأنه تضيق لمساحة الحريات، وأنه خطاب للأقوى الذي يمتلك السلاح، كما وصفه بأنه يمثل خطورة حتى على المواطنين؛ لا الفاعلين فقط.
وعن نشاطه الشخصي، يقول الناشط في قضايا حقوق الإنسان، إنها تغيرت بصورة كبيرة، حيث أصبحت الأنشطة تتطلب عددا من التصاديق والأذونات من مفوضية العون الإنساني واللجنة الأمنية.
وزاد: “نتيجة لذلك تحولنا إلى تنظيم أنشطة لا تتطلب حضورا كبيرا، أو لا يتجاوز المشتركون فيها اثني عشر مشاركا، حتى تصعب ملاحظتها ومراقبتها أو تتبعها، من قبل الأجهزة الأمنية”.
ونوه إلى تصاعد الاعتقالات بشكل عشوائي من قبل الخلية الأمنية المشتركة في الولاية، لافتا إلى عدم تحصلها على معلومات كافية عن الأفراد لأن قائدها يتبع لوحدة مكافحة التهريب، كما يقول.
وأردف مهند “جهاز الأمن والمؤتمر الوطني، يعرفون كافة المعلومات عن النشطاء في العمل العام، تلقيت مكالمة من أحد أفرادهم أخبرني فيها عن اسمي والأنشطة التي أعمل عليها وطلب مني الحضور إلى المكتب كنوع من الترهيب”.
ويتابع: “رفضت ذلك الانصياع لطلبه، وقلت له طالما تمتلك كافة هذه المعلومات، يمكنك القدوم واقتيادي وقتما تشاء”.
وبالحديث عن المخاوف أشار “مهند”، إلى أن استمرار الحرب خلق مركزيات قوى جديدة تؤثر على المواطنين، سواء كانوا فاعلين ونشطاء أو مواطنين عاديين، لافتا إلى أن انتشار السلاح يعني انعدام وجود خطاب مدني حيث لا صوت إلا للسلاح.
زيادة الفوارق والقهر:
من جانبها وصفت الناشطة النسوية “ربا”، أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير في ولاية كسلا بالسيئة، وقالت: “حرية التعبير منعدمة تماما… لا أستطيع أنا أو من حولي التعبير عما نريد أو عن احتياجاتنا بشكل واضح، بالإضافة لاستمرار الانتهاكات والأوضاع الكارثية التي يعيشها السودانيون والسودانيات”.
وتابعت ربا، في حديثها لراديو تمازج “أواجه تضييقا كبيرا، لا أستطيع الحديث في الشارع أو الحي أو الجامعة أو عما أريد، وحقيقة لا أستطيع توصيف الأمور كما هي بل اضطر إلى تغليف الأشياء واختيار مصطلحات لا تمثل المعنى كما هو بل تعبر عن جزء بسيط منه”.
وتابعت الناشطة النسوية “أثرت الأوضاع الأمنية على أنشطتي وحركتي بشكل كبير، أفكر دوما في انتشار السلاح وتجييش الشعب، ذات الشعب الذي كان ينادي بالحكم المدني قبل سنتين، مخاوفي تتصل يكيفه العودة من هذا التحشيد والتسليح، كيف سأقنع من قاموا بحمل السلاح وهم كانوا مؤمنين قبلا بالتحول المدني الديمقراطي. إن حمل السلاح يوقف ويعطل ما كانوا يسعون ويعملون من أجله”
وترى الناشطة النسوية أن الحرب قد زادت من حدة الفوارق بين الناس ما ينتج زيادة في حالة القهر، فزيادة الفروق بين النساء والرجال في هذه الأوضاع وتماديها، وزيادة الفوارق بين الطبقات تمضي بشكل متوحش، وفقا بها، كما أنها تؤثر بالذات على الحلقات الأضعف، فاستمرار الحرب يزيد سلاسل القهر ويضخم أدوار السلطة، وفقا لربا.
وأردفت قائلة “إن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان وتوسع رقعة الحرب ودائرة الأثر، والردة في مسيرة العمل المدني والسياسي والعام كلها هواجس تؤرقني، أتخيل وضع السودان بعد خمس سنوات من الانقطاع التام عن العمل السياسي، وعدم وجود قواعد مدنية أو عمل مدني، هذا أمرا كارثيا للغاية”.
لا فرصة لحرية التعبير:
يرى ناشط سياسي- فضل حجب اسمه لدواعي أمنية- أن أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير تراجعت بشكل كبير عقب الحرب، وأصبحت مجرد الكتابة والتعبير عن الرأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك، فيما يخص الموقف من الجيش أو وقف الحرب يعرض الشخص للمساءلة.
وتابع في حديثه لراديو تمازج “حتى الرسائل في مجموعات الواتساب تعرض الأفراد للمساءلة فضلا عن النقاشات في الأحياء حول ضرورة وقف الحرب والتعبير عن رأينا، إن ما تغير بعد الحرب هو أنه لا فرصة الآن لحرية التعبير”.
وأضاف: “هناك اعتقالات واسعة من مجموعة تسمى الخلية الأمنية، ويتم التحفظ على المعتقلين من قبلها بالشهور لمجرد الاشتباه بالأفراد أو الاعتقال على أساس اثني”.
وقال “أنا بشكل مباشر وشخصي لم أتعرض لأي نوع من التضييق، لكن بشكل غير مباشر أصبحت لا قدرة لي بالتصريح بفعل سياسي أو جماهيري يعبر عن رأيي في الوضع الحالي”.
ومضى الناشط السياسي “الواضح من تتابع ما يجري لمدة سنة وحتى الآن أن الانتهاكات والتضييق سيستمران ويزيدان الأوضاع الأمنية الحالية حجمت من ممارسة النشاط السياسي، لا فرصة الآن لأي فعل جماهيري أو حتى نقاشات في الأماكن العامة، ومجرد الكلام عن ضرورة وقف الحرب يتسبب في الاعتقال المباشر”.
ولا تعد الأوضاع في ولاية كسلا استثنائية، إذا قام العديد من السلطات الولائية في السودان بفرض قوانين طوارئ، كما فرضت حظرا للتجوال ومنعا للتجمعات، بحجة الحرب الدائرة، كما قامت سلطات ولائية بحل لجان الخدمات والتغيير، المحسوبة على القوى الطامحة للتغيير، كما قامت أيضا سلطات اتحادية وولائية مؤخرا بإصدار أوامر قبض لعدد من القيادات الرفيعة والوسيطة في القوى السياسية.