الخرطوم تحت الأنقاض: سراب العودة وحقيقة الانهيار!!

18
الخرطوم

“بينما تنطلق الدعوات للعودة إلى الخرطوم بزعم “تحريرها”، يكشف تقريرنا الميداني أن هذه الدعوات لا تعدو كونها وهماً خطيراً تروجه أبواق الحركة الإسلامية، في محاولة لإعادة المواطنين إلى مدينة مدمرة بالكامل، تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآمنة”

 

تقرير خاص – بلو نيوز الإخبارية

 

حملة العودة بين التضليل والحقيقة

تزامنت دعوات العودة مع حملات مكثفة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مزعومة بتحرير العاصمة، لكن ما خفي أعظم، الشهادات الميدانية التي جمعناها ترسم صورة أكثر ظلمة، حيث البنية التحتية الأساسية للخرطوم انهارت بشكل شبه كامل، والطرق الرئيسية مقطعة والمستشفيات تحولت إلى أطلال والمدارس والأسواق مغلقة أو مدمرة وشبكات الكهرباء والمياه خرجت عن الخدمة دون أفق قريب لإصلاحها، بل الأسوأ أن أبراج الكهرباء دمرت وسرقت كابلات النحاس، وتهريبها عبر ميناء بورتسودان في فضيحة مدوية، تؤكد غياب الدولة وسط تغول شبكات الفساد.

وفي الوقت الذي يطلبون فيه من الناس العودة، يعيش اسر منظمو هذه الحملات بأمان ورغد في تركيا ومصر وماليزيا، بعيداً عن المعاناة اليومية التي يواجهها من تبقى في العاصمة.

 

قصص العائدين تكشف بوضوح عمق المأساة:

 

محمد عمر: “ذهبت بحلم العودة وعدت بيقين الهجرة .. الخرطوم اليوم مدينة موت لا حياة”

محمد عمر، أحد الشباب الذين حلموا بالعودة، يقول: ذهبت إلى بحري فلم أجد بشراً، الشوارع خالية لا كهرباء لا ماء ولا حتى محلات للشراء، المسيرات تضرب المدينة من كل اتجاه، والأمان معدوم.

احمد علي: “ما يعرض على السوشيال ميديا مغالطات .. الكارثة الحقيقية لا يمكن تصورها إلا عند رؤيتها بعينك”

أحمد علي، الذي كان يقطن الكلاكلة، يروي: لم أجد ما يدفعني للعودة، المياه مفقودة، الأمراض تنتشر مع الذباب والبعوض، والخرطوم اليوم ليست مدينة للحياة، بل للمرض والموت البطيء.

صلاح عبدالله: “الإصابة بالحمى كانت أهون من هول المنظر… الخرطوم تحولت إلى سجن مفتوح للأمراض”

صلاح عبد الله، الذي حاول ترميم بيته، خرج من الخرطوم مريضاً وقال؛  “أصبت بحمى الكنكشة، والبيئة موبوءة ومشهد الهاربين من العاصمة أكبر دليل على أن البقاء هناك انتحار.

رانيا حسن: “خسرنا كل شيء، منزلنا ومستقبلنا وأملنا”

رانيا حسن، تتحدث عن مأساة فقدان منزلها حيث قالت: “لا قدرة لنا على الترميم، وسنبقى في الولايات بانتظار أن تضع الحرب أوزارها إن وضعتها.

 

الخرطوم اليوم .. معركة البقاء للأقوى

العودة للخرطوم اليوم ليست قراراً وطنياً بل مقامرة قاتلة، حيث المدينة صارت مسرحاً لحرب مواقع مفتوحة، لا بنية تحتية ولا ماء ولا كهرباء، وانتشار واسع للأمراض وتفشي ظواهر إنسانية كارثية من التشرد والمجاعة، وفي ظل غياب أي خطة لإعادة الإعمار أو ضمانات للحماية والأمن، تبدو الدعوات للعودة محاولة مكشوفة لاستغلال المواطنين، والزج بهم مجدداً في أتون الخطر، حتى المناطق التي كانت توصف بالمستقرة سابقاً، مثل بحري وأم درمان والكلاكلة، أصبحت مرتعاً للجريمة المنظمة، وساحة للاشتباكات العشوائية التي لا تفرق بين مدني ومقاتل.

إن الخرطوم اليوم تحتاج إلى عملية إنقاذ كاملة، تبدأ بتوقف الحرب وإطلاق عملية دولية لإعادة الإعمار تحت إشراف شفاف، بعيداً عن أيدي المفسدين والقتلة، وتحتاج إلى تحرك إنساني عاجل لوقف الانهيار الكامل للنظام الصحي والخدمات الأساسية، وإنقاذ مئات الآلاف من المدنيين العالقين في مناطق الصراع.

خلاصة القول:

من يعيشون بعيداً عن الخرطوم اليوم، ينقذون أنفسهم وعائلاتهم من كارثة محققة، وأما من يحاولون الترويج لسراب العودة، فهم شركاء أصيلون في استمرار معاناة الشعب وشهود زور على دمار وطن بأكمله، والعودة الحقيقية إلى الخرطوم لن تكون ببيانات الخداع ولا بحملات الوهم، بل بإنهاء الحرب، ومحاسبة المجرمين، وإعادة إعمار الوطن بعرق الأوفياء، لا دماء الضحايا، وحتى ذلك الحين، فإن دعوات العودة ما هي إلا دعوات للموت الجماعي، لا لحياة جديدة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *