حين تصنع الجزيرة الشائعة السياسية…. تأخير إعلان الحكومة يُربك المشهد

16
عمار نجم الدين

عمار نجم الدين.

حين تصنع الجزيرة الشائعة السياسية…. تأخير إعلان الحكومة يُربك المشهد

 

بقلم: عمار نجم الدين

 

في ظهر اليوم، بثّت قناة الجزيرة بوستاً  مقتضبًا في صفحتها الرسمية  كان كافيًا لإثارة زوبعة في الساحة السياسية السودانية. التقرير تحدّث عن “انسحاب الحركة الشعبية – قيادة الحلو من تحالف تأسيس بسبب خلاف على منصب رئيس الوزراء”. بدا الأمر، للوهلة الأولى، كأنه تسريب من عمق الغرف المغلقة. لكن الحقيقة، كما تظهر في السياق والوقائع، تشير إلى ما هو أبعد من مجرد “خلاف إداري”.

 

لم تنقل الجزيرة خبرًا، بل مارست دورًا سياسيًا واضحًا. دورٌ ليس وليد اللحظة، بل مرتبط تاريخيًا بمواقفها الداعمة لتيارات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي قادت واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ السودان، باسم الدين وبشراهة السلطة.

في اليوم ذاته، كانت بعض الدوائر التابعة لحكومة بورسودان تعكف على إعادة ضخ الحياة في مشروع بات يتداعى، فبدأت حملة ممنهجة تهدف إلى ضرب مصداقية “تأسيس”، وتحويل المشروع من لحظة تاريخية لبناء الدولة إلى صراع على كراسي.

والجزيرة؟ كانت رأس الحربة الإعلامية في هذه المحاولة.

 

لكن الواقع مختلف.

في لقائي الأسبوع الماضي مع رئيس الحركة الشعبية القائد عبد العزيز آدم الحلو منفردا والذي استمر لساعتين كاملتين، بدا واضحًا أن الرجل ما زال يسير بثقة على خطى مشروع “السودان الجديد”. اللقاء، الذي جمعني بعده  أيضًا بعدد من قياداتنا العسكرية والسياسية، أكد لي أن المشروع ليس في تراجع، بل يزداد وضوحًا و ان السودان لن يكون كما كان و تأسيس ليس تحلفا تكتيكيا بل استراتيجياً .

قالها الحلو بوضوح:  … نحن نعمل من أجل تحرير كل السودان من قبضة الدولة المركزية العنصرية” و لسنا بصدد ان يفكك السودان وان بورسودان هدفنا .

وهنا مربط الفرس.

تحالف “تأسيس” بالنسبة للحركة الشعبية ليس تحالفًا مرحليًا، ولا مناورة ظرفية. هو تجسيد عملي لما يمكن أن نُطلق عليه “الكتلة التاريخية” التي ظلت الحركة تعمل على بنائها لأكثر من ٤٢ عامًا. كتلة هدفها إعادة صياغة السودان عبر تفكيك بنية الدولة المركزية  القديمة، القائمة على العرق والهوية القسرية، وتحويلها إلى دولة مواطنة و ليس جدل بين للمركز و الهامش أو ستعالج مركزيا لمجموعة ضد مجموعات أخرى  بل دولة عادلة، عقلانية، علمانية.

هذا هو المشروع الحقيقي.

ولهذا تُستهدف الحركة. ولهذا يُشوَّه “تأسيس”.

نعم، هناك تأخير في إعلان الحكومة. وهذا التأخير يجب أن يُقال بشأنه ما لم يُقل بعد.

الفراغ، حين يطول، يولّد الشك. والشك، حين لا يُجاب عليه بخطاب واضح، يتحوّل إلى شائعة قابلة للتصديق، خاصة في ظل الهشاشة الإعلامية، وعطش الناس لمعلومة في مشهد يغرق في الدم والرماد بفعل الإخوان المسلمين و مليشيا الجيش في بورسودان .

التأخير، إذا كان جزءًا من سعي لبناء حكومة ذات مشروع، يمكن تبريره.

لكن إذا ارتبط بخلافات تموضع ومحاصصة، فإن السؤال يصبح أكثر إلحاحًا: هل نعيد إنتاج الأزمة باسم الثورة؟

هناك من داخل “تأسيس” – وفق ما يتردد في الكواليس – يسعى لتحويل ثِقله العسكري أو السياسي إلى نفوذ داخل جسم الحكومة المرتقبة. وهناك، في المقابل، قوى ترفض هذا التوجّه وتعتبره نكسة فكرية ستعيدنا إلى ذات النفق.

في المقابل، لا تتوقف أجهزة بورتسودان عن محاولات إرباك هذا المسار.

التقارير المسربة تشير إلى أن بعض الجهات السيادية المرتبطة بالنظام القديم تبعث برسائل مشوشة للصحافة الإقليمية، تمهيدًا لضرب التحالف من الداخل. الجزيرة لم تكن سوى أول من التقط الإشارة.

والسؤال الأهم هنا: لماذا الآن؟ ولماذا يريد الإخوان ان يُصوَّروا  القائد الحلو كمجرد باحث عن منصب؟

الجواب بسيط، وخطير:

لأن تحويل مشروع تحريري إلى خلاف سلطوي يُفقده روحه… ويُقدّمه للناس كخيبة جديدة، لا كأمل.

لكن رغم كل ذلك، لا يُعفى تحالف “تأسيس” من المسؤولية.

القيادة مطالبة بالخروج إلى العلن، وشرح أسباب التأخير، وتأكيد وحدة الموقف، وإرسال رسالة واضحة للناس الذين ينتظرون لا شعارات، بل دولة.

الشعب السوداني، كما قال الحلو في لقائي معه، “لا يطلب الكثير… فقط أن يُعامل بعدالة في دولة مواطنة ليست قائمة على صراع بين المركز و الهامش ” و دستور يخاطب جذور المشكل السوداني .

وإذا كانت هذه القوى فعلاً تمثّل المشروع البديل، فعليها أن تتحدث، أن تشرح، وأن تتحمّل المسؤولية الأخلاقية والسياسية أمام ملايين يعيشون على هامش الأمل.

الجزيرة لم تكن دقيقة.

الحركة الشعبية لم تهدد.

و”تأسيس” لم يسقط، لكنه تأخر. وتأخيره، في ظل الحرب والمجاعة والانهيار، لم يعد بريئًا.

آن للقيادة أن تتحدث. وآن للناس أن تسمع الحقيقة.

لأن الذين ينتظرون، يدفعون الثمن من لحمهم الحي.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *