مجاهد بشرى: هل يخطط الأخوان لإغتيال الشيخ محمد بن زايد؟

بقلم: مجاهد بشري
في كل مرة يتوهم فيها تنظيم الإخوان المسلمين أنه قادر على إعادة تدوير مشروعه المتهالك، تتساقط الأقنعة بسرعة، ويعود الوجه الحقيقي للتنظيم إلى الواجهة: وجهٌ لا يعرف الدولة، ولا يعترف بالحدود، ولا يتورع عن إشعال الحروب وتصدير الفوضى والدماء. فمنذ نشأته، لم يكن التنظيم مشروع إصلاح كما زعم، بل أداة اختراق للأمن العربي، ومخلباً في يد كل من يريد زعزعة استقرار المنطقة.
ولعلّ أوضح تجلٍ لهذا الدور التخريبي كان في السودان، حيث تحوّل التنظيم، بعد انقلاب 1989، إلى سلطة كاملة تُدير الدولة كغنيمة عقائدية، وتحوّل السودان إلى منصة لتصدير الإرهاب: احتضن أسامة بن لادن، ودعم محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، وتحالف مع حماس، وفتح قنوات أمنية مع إيران، وتورّط في دعم تنظيمات جهادية مسلّحة من آسيا إلى الساحل الإفريقي.
اليوم، ومع تجدد الحرب في السودان، يتكرّر المشهد ذاته، ولكن بنكهة أكثر فوضوية وخطورة. فالتنظيم الذي عاد إلى الواجهة تحت عباءة الجيش السوداني، لم يكتفِ بخنق الداخل، بل بدأ في تصدير خطاب عدائي خارجي، وصل حد التهديد الصريح لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوجيه اتهامات عدوانية لدولة خليجية عضوة في مجلس التعاون الخليجي، في محاولة مفضوحة لجرّ المنطقة إلى صراع إقليمي يخدم فقط أجندة الخراب.
في خطوة خطيرة وغير مسبوقة، أعلنت السلطة العسكرية غير الشرعية في بورتسودان، بقيادة عبد الفتاح البرهان، دولة الإمارات العربية المتحدة “دولة عدوان”، متهمة إياها بالوقوف خلف قوات R/S في الحرب السودانية الجارية. هذا الإعلان المتهور ليس مجرد تصريح سياسي عابر، بل هو إعلان عداء صريح ضد دولة خليجية عضو في مجلس التعاون الخليجي، ما يفتح أبوابًا لتصعيد إقليمي بالغ الخطورة، ويضع السودان برمته على حافة العزلة والانفجار.
أولًا: دلالات الإعلان وفضيحة التحالف مع الإخوان
هذا التصعيد لا يمكن قراءته بمعزل عن سياق الحرب الأهلية الجارية في السودان، ولا عن النفوذ المتعاظم لتنظيم الإخوان المسلمين داخل المؤسسة العسكرية، والذي بلغ ذروته بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، حين أطاح البرهان بالحكومة المدنية، وأعاد تمكين الدولة العميقة.
فبينما التزم البرهان نفسه الصمت في خطابه الأخير ولم يأتِ على ذكر الإمارات ولو بالإشارة، خرج مساعده المتطرف ياسر العطا، أحد أبرز رجال التنظيم داخل الجيش، ليشن هجومًا شخصيًا وقحًا على رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، متوعدًا إياه بنقل الحرب في عقر داره و قطع يده، وذلك في يناير الماضي مستخدمًا لغة تهديد صريحة، وهو ما يعكس حجم التغلغل الإخواني داخل الجيش السوداني، وتحكمهم بخطابه وسلوكه الخارجي.
هذا الهجوم العلني من مسؤول عسكري كبير ضد رئيس دولة خليجية هو سابقة خطيرة، لا يمكن أن تمر دون حساب، ويضع السعودية، التي دعمت معسكر الجيش حتى الآن، في موقف محرج أمام شريكتها الاستراتيجية الأولى: الإمارات.
ثانيًا: مجلس التعاون الخليجي على المحك
إعلان بورتسودان أن الإمارات “دولة عدوان” يفرض استحقاقات أمنية وعسكرية على مجلس التعاون الخليجي، بحكم أن ميثاق المجلس – وتحديدًا اتفاقية الدفاع المشترك لعام 2000 – ينص بوضوح على أن “الاعتداء على أي دولة عضو هو اعتداء على بقية الدول”، وأن المجلس ملزم بالتضامن العسكري والأمني والدبلوماسي مع أي عضو يتعرض للعدوان أو التهديد.
بالتالي، فإن سكوت المجلس – وخصوصًا السعودية – عن هذه الإهانة والتهديد هو تقويض لوحدة المنظومة الخليجية نفسها، وفتحٌ لباب الابتزاز والتطرف الإخواني على مصراعيه، بل وربما جرّ دول الخليج إلى صراع لا طائل من ورائه.
ثالثًا: سجل الإخوان المسلمين في السودان – تهديد دائم للأمن الإقليمي
ما جرى اليوم ليس مفاجئًا، بل امتداد لسجل دموي معروف لتنظيم الإخوان المسلمين في السودان، الذي لم يتردد منذ مجيئه إلى الحكم عام 1989 في التحالف مع كل جماعة متطرفة تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
ولعل أوضح دليل على خطورتهم هو محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، وهي العملية التي خططت لها الاستخبارات السودانية آنذاك، وكادت أن تنجح لولا تدخل العناية الإلهية ويقظة الأمن الإثيوبي وحرس الرئيس.
لكن هذه لم تكن الحادثة الوحيدة. فالتنظيم الحاكم في السودان حينها:
- فتح أبواب السودان لتنظيم القاعدة، وأسكن أسامة بن لادن في الخرطوم، وقدّم له الغطاء والحماية.
- تحالف مع حماس وسهّل تدريب عناصرها في أراضيه.
- أقام علاقات أمنية وعسكرية سرية مع إيران، وصلت إلى حد استقبال الأسلحة والصواريخ، وبناء مصانع تم تدميرها لاحقًا بغارات إسرائيلية.
- تورط في إرسال نساء سودانيات إلى معسكرات تنظيم داع عش في ليبيا وسوريا، في ما يشبه الاتجار المنظم بالبشر لأغراض جهادية وجنسية.
كل هذه الجرائم والممارسات تُظهر بما لا يدع مجالًا للشك أن تنظيم الإخوان في السودان خطرٌ وجودي على استقرار المنطقة، ولا يمكن الوثوق به أو بأي نظام يُعيد إنتاجه تحت غطاء عسكري أو انتقالي.
رابعًا: هل يخطط الإخوان لاغتيال الشيخ محمد بن زايد؟
في ضوء التهديد العلني من ياسر العطا، وسابقة محاولة اغتيال مبارك، وتاريخ التنظيم الإرهابي، فإن السؤال لم يعد “هل يجرؤون؟”، بل “متى وكيف؟”
السيناريو الأكثر رُعبًا هو تخطيط جناح متطرف داخل الجيش السوداني، أو أحد وكلاء الإخوان في الخارج، لعملية اغتيال تستهدف الشيخ محمد بن زايد أو أحد قادة الإمارات البارزين، عبر عملية خارجية مدروسة أو هجوم بالوكالة.
وليس مستبعدًا أن يتم استغلال شبكات الإخوان في شرق إفريقيا، أو عناصر متطرفة في ليبيا، أو حتى خلايا نائمة في الخليج. فالتنظيم لديه امتداد دولي لا يزال نشطًا رغم الضربات.
خامسًا: التداعيات المحتملة لأي اعتداء على الإمارات
لو تجرأ هذا المعسكر على تنفيذ عملية عدائية مباشرة أو غير مباشرة ضد الإمارات، فإن الرد سيكون ساحقًا:
- رد إماراتي استخباراتي وعسكري غير تقليدي ضد مواقع وأشخاص في السودان وخارجه.
- تحرك خليجي موحد لعزل نظام البرهان والإخوان تمامًا.
- تدخل دولي وفتح تحقيقات في ملفات الإرهاب وجرائم الحرب.
- نهاية نهائية لأي دعم سعودي أو دولي للجيش السوداني.
- فتح الباب أمام قوى مدنية أو عسكرية بديلة تحظى بدعم إقليمي ودولي.
سادسًا: إيران في الخلفية… والإخوان هم الطُعم
المثير للقلق أكثر، هو أن هذا التصعيد ضد الإمارات يتزامن مع تقارب متزايد بين قيادات الجيش المخترق بالإخوان، والنظام الإيراني. وهو ما يشير إلى أن الحرب في السودان تحولت إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية، وقد يتم توظيفها لتهديد أمن الخليج من الخاصرة الجنوبية.
إذا لم تتحرك دول الخليج الآن لكبح جماح هذا التنظيم الإرهابي الذي يختطف الجيش السوداني، فإنهم سيستيقظون على كارثة ستدفع ثمنها الشعوب قبل الحكومات.
خاتمة: نداء إلى العقل الخليجي
إن السكوت عن التهديدات التي صدرت ضد الشيخ محمد بن زايد، وإعلان الإمارات دولة عدوان، ليس فقط موافقة ضمنية على الإرهاب، بل تشجيع له.
على دول الخليج – وفي مقدمتها السعودية – أن تراجع موقفها فورًا من حكومة البرهان، التي أصبحت مجرد واجهة إخوانية تنفذ أجندة دموية تقود السودان والمنطقة إلى الخراب.
اليوم، المطلوب موقف خليجي حازم، قبل أن ندخل جميعًا في نفق أسود، لا أحد يعرف كيف أو متى نخرج منه.
ونذكّر دائماً:
الإرهاب لا يعود من الماضي… إلا حين نغفل عن الحاضر.”