د. خالد كودي في تفكيك لخطاب خالد سلك: خرافة إصلاح القمع .. رد على تسويق الوهم!

د.خالد كودى ينتقد مقال مهندس خالد عمر: تسويق الوهم – هل يمكن اصلاح آلة القمع السودانية؟
خالد عمر: الهندسة السياسية في السودان والفشل – إعادة تدوير الفشل أم بناء جديد؟
حين يتحدث خالد عمر، السياسي والمهندس الذي أهدر مع غيره فرصاً تاريخية لإعادة بناء الدولة السودانية، فإنه يتقمص دور الناقد الثوري بينما يعيد تسويق ذات الوهم البالي في زجاجة براقة. مقالته الأخيرة على منصة إكس بتاريخ 5/12 بعنوان “طريقنا إلى مستقبل أفضل لا يمر عبر سجون الماضي أو الحاضر” ليست سوى محاولة بائسة لتغطية الفشل بتغليف أنيق. بينما يستعرض نقاطه حول “السلام” و”الجيش” و”الدين والدولة”، يظهر كالمنقذ الثوري، لكنه في الواقع ليس إلا متواطئًا مع النظام القديم الذي يدّعي انتقاده.
ما يقدمه خالد عمر ليس إلا عينة نموذجية من خطاب النخب السودانية الفاشلة التي تتقن التلاعب بالكلمات بينما تواصل إعادة تدوير ذات المشاريع الإصلاحية الميتة. هذه النخب لا تسعى إلا إلى ترميم أنقاض النظام القديم، وليس هدمه وإعادة بنائه. إنها عاجزة تماماً عن تجاوز “عقدة المركز” وعن رؤية أن السودان الجديد يتشكل الآن خارج أسوارها، وتحديداً في تحالف “تأسيس” الذي لم ولن يمنحهم فرصة لتلميع الفشل.
أولاً: الجيش السوداني – بنية قمعية لا تصلح لإعادة التدوير:
يتحدث خالد عمر عن إصلاح الجيش السوداني كما لو كان هذا الجيش مؤسسة مدنية صالحة لإعادة الهيكلة كغيرها. ولكنه يتغافل عن جذور هذا الجيش:
– جيش صنعه الاستعمار البريطاني لقتل السودانيين وليس لحمايتهم، وتم تجنيده وتدريبه على عقيدة قمع الثورات الشعبية، بدءًا من الثورة المهدية وصولاً إلى ثورة ديسمبر.
– جيش ارتكب المجازر ضد شعبه: الجنوب، دارفور، جبال النوبة، الفونج الجديد ولاحقا الخرطوم نفسها- وامام مباني قيادته العامة كمان!. فكيف نتحدث عن “إصلاحه” بينما المؤسسة العسكرية هي ذاتها مؤسسة قمعية ذات جذور استعمارية؟
في الهندسة الإنشائية، هناك مفهوم مركزي يُعرف باسم “النقطة الحرجة””ولنذكر الباشمهندس،
(Critical Point)
وهو اللحظة التي تتجاوز فيها البنية قدراتها الإنشائية وتصبح عرضة للانهيار الكلي. وعندما تصل بنية إلى هذه النقطة، فإن أي محاولة للإصلاح تكون عبثية واحتيال ما لم يتم تفكيكها وإعادة بنائها وفقاً لمعايير جديدة.
فريدريك إنجلز وغيره من الاشتراكيين يرددوا:
“الجيوش التي يتم تكوينها للدفاع عن الطبقة الحاكمة تصبح أداة لقمع البروليتاريا والشعوب المضطهدة، ولا يمكن إصلاحها، بل يجب تفكيكها”
وفي الهندسة المدنية، هناك مفهوم يُعرف بـ “الهدم وإعادة البناء”
(Demolition and Reconstruction)
وهو القرار الذي يُتخذ عندما تكون البنية التحتية قد تجاوزت الحد الأدنى من السلامة الهيكلية، بحيث تصبح غير صالحة لأي إصلاحات جزئية أو سطحية- لاينفع الطلاء حينها ياباشمهندس!.
وفي السودان، لم يتغير هذا الجيش منذ تأسيسه كجيش عميل للاستعمار البريطاني، مروراً بتحوله إلى أداة في يد الأنظمة العسكرية المتعاقبة، وصولاً إلى تحالفه مع مليشيات الإسلاميين ومن قبل انشاء المليشيات وتقنينها بما في ذلك قوات الدعم السريع الذي انقلب عليها لاحقا.
فهل يمكن لذات المؤسسة التي صنعت القتل والقمع أن تتحول فجأة إلى جيش “وطني” بمجرد إصدار قانون إصلاح؟
الإجابة المنطقية: بالطبع لا. وإذا كان خالد عمر، المهندس الذي يفترض أن يفهم منطق النظم والبنى، يدعي أنه يمكن إصلاح الجيش السوداني (الواحد ده) دون تفكيكه، فإنه ينتهج ذات العقلية الإصلاحية الساذجة التي قادت البلاد إلى هذه اللحظة الكارثية، والتي امام الجميع.
المنطق الهندسي والإداري ينص على أنه عندما تفشل بنية ما في تحقيق الهدف منها بشكل كامل على مدى عشرات السنين، فإن الخيار الصحيح ليس إعادة طلاءها، بل هدمها وإعادة بنائها من الأساس.
والأمثلة على ذلك في تاريخ الثورات والتحولات الكبيرة كثيرة:
– روسيا بعد الثورة البلشفية: تم تفكيك الجيش القيصري بالكامل، وإعادة تشكيل الجيش الأحمر بعقيدة جديدة وثورية
– جنوب إفريقيا بعد سقوط الأبارتهايد: لم يكتفوا بإصلاح الشرطة العنصرية؛ بل أعادوا هيكلتها كاملة ضمن برامج إعادة التأهيل والتحول الديمقراطي
– ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية: أعيدت هيكلة الجيش الألماني بالكامل تحت إشراف قوات التحالف وفق عقيدة جديدة مناهضة للفاشية.
إذن، لماذا يقترح خالد عمر إصلاح الجيش دون تفكيكه (وكمان عايزينو يصلح نفسه)!؟
الإجابة ببساطة: لأن اقتراح تفكيك الجيش هو كسر للمركزية التي تسعى النخب السياسية للحفاظ عليها، ولأن النخبة المركزية تفضل الحفاظ على مؤسسة عسكرية قوية يمكن استخدامها لفرض “السلام” القسري على الهامش بشروط تحافظ علي الامتيازات التاريخية وبنية مراكز القوي. ولو هنالك أسباب اخري موضوعية فاليدلونا عليها!
ثانيًا: العلاقة بين الدين والدولة – التواطؤ المفضوح:
في قضية العلاقة بين الدين والدولة، يختار الباشمهندس خالد عمر لغة غامضة تتجنب قول ما يجب قوله صراحة: أن الدولة السودانية يجب أن تكون علمانية بالكامل، وإلا فإنها ستبقى ساحة صراع ديني وعرقي لا ينتهي.
– لم يجرؤ خالد عمر على القول بأن العلمانية شرط أساسي للمواطنة المتساوية.
– لم يتحدث عن الحق في تقرير المصير كشرط أساسي للتعايش المشترك الطوعي.
– لم يتناول العدالة التاريخية كضرورة لإعادة تعريف العقد الاجتماعي.
الكثير من مفكري الثورة والحرية يعتمدون اقوال مثل:
“الحرية تبدأ بالاعتراف بالآخر المختلف، لكن لا يمكن أن يكون هناك اعتراف حقيقي بالآخر دون الفصل بين الدين والدولة”
وماذا يقول خالد عمر؟ إنه يحاول التسويق لوحدة وطنية قائمة على “الحوار” بين من يطالبون بحقوقهم الأساسية وبين من يعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية!
ده كلام ده؟
المنطق السياسي يقول:
لا يمكن أن تقوم دولة مدنية ديمقراطية في ظل هيمنة الخطاب الديني، ولا يمكن أن تحقق المواطنة المتساوية إلا إذا تم الفصل الكامل بين الدين والدولة/تطبيق نظام علماني.
لكن خالد عمر، ومعظم النخب السياسية السودانية، يرفضون قول هذه الحقيقة البسيطة ولهذا يظلوا فاشلين.
لماذا؟
لأنهم يخشون فقدان السيطرة على الخطاب العام. لأنهم يعرفون أن الهامش الذي تحركه القوى الثورية الجديدة – تحالف “تأسيس” – يطالب بما هو أبعد من الإصلاحات الشكلية التي يدعون اليها: الثورة الان تطالب بإعادة تعريف الدولة من الجذور، من منظور علماني ديمقراطي لامركزي ترميمي.
ثالثًا: النخب السودانية – إعادة تدوير الفشل وإعادة إنتاج الأزمة:
حينما يتحدث خالد عمر عن “السلام” و”الإصلاح”، فإنه يتحدث كمن يوزع الوصفات على شعب لم يختبر الكوارث من قبل! لكنه يتناسى أنه وحزبه – الذي شغل مناصب سيادية في حكومة الثورة – قد أتيحت لهم الفرصة لتنفيذ ما يبشرون به الآن، وأهدروا هذه الفرصة.
– حينما كان خالد عمر في الحكومة الانتقالية، لماذا لم يطرح خطة علمانية واضحة؟
– لماذا لم يقترح مشروعًا حقيقيًا لإعادة هيكلة الجيش؟
– لماذا لم يقم بمراجعة القوانين والاتفاقيات مع قوات الدعم السريع؟
الإجابة واضحة: لأن النخب السياسية السودانية تفضل الحديث عن الإصلاح بينما تمارس نفس التكتيكات القديمة: الالتفاف حول الحقائق، وإعادة تدوير السلطة، وتجميل النظام القائم بمساحيق خطابية جوفاء.
من اراء فرانز فانون:
ان الطبقة الوسطى المثقفة في البلدان المستعمَرة، حينما تتحدث عن الثورة، فإنها تسعى فقط لاستبدال المستعمر القديم بنخبة محلية تمارس ذات القمع.
وهذا هو حال خالد عمر الآن. فهو لا يقترح مشروعًا جديدًا، بل يعيد إنتاج خطاب إصلاحي ميت، مُطعّم بمفردات حديثة، لكنه يستهدف الحفاظ على الوضع القائم، وتلميع صورة المركز القديم، وهذا لايمكن!
اخيرا: من يتحدث عن السلام دون مواجهة الحقيقة هو شريك في الحرب.
إن خطاب خالد عمر حول السلام والإصلاح ليس سوى محاولة لتلميع وجه نظام قديم فاشل، بينما السودان الجديد يتشكل خارج أسوار المركز، وفي قلب تحالف “تأسيس”.
هذا التحالف الذي يطرح بوضوح:
– تفكيك الجيش، لا إصلاحه، وبناء جيش جديد.
– العلمانية/ فصل الدين عن الدولة، لا ترقيع النصوص.
– العدالة التاريخية لا الانتقالية وحسب.
وبناء علي أنطونيو غرامشي:
الثورة هي أن نقول الحقيقة في وجه النظام القائم، حتى وإن بدا ذلك جنونًا!
لذلك، فإن تحالف “تأسيس” هو الطريق نحو السودان الجديد، أما من يعيدون تدوير الماضي في زجاجة براقة، فهم مجرد أدوات مؤقتة… في نظام ينهار.
النضال مستمر والنصر اكيد.