دكتور الوليد مادبو: دولة المترنحة وتسمية العابرين .. كامل إدريس رئيسًا!

13
دكتور الوليد مادبو

دكتور الوليد مادبو.

“الأزمة تكمن في أن القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد؛ وفي هذا الفراغ تظهر أعراض مرضية كثيرة”

 أنطونيو غرامشي

 

بقلم: دكتور الوليد ادم مابو

ليست المسألة في من عُيِّن أو من أُقيل، بل في غياب المعيار الذي يُحتكم إليه حين تُجرى التعيينات، وفي هشاشة المنطق الذي يسوّغ الإقالات، وفي استخفاف من يتولون الأمر بطبيعة المرحلة وخطورة الرهان على السراب. تعيين الدكتور كامل إدريس على رأس حكومة الأمر الواقع لا يمكن أن يُقرأ إلا في سياق حالة التيه المؤسسي، والتخبط السياسي، والفراغ القيمي الذي يُدار من خلاله ما تبقى من مركز السلطة في بورتسودان.

إن ما يحدث ليس إلا تعبيرًا فجًّا عن دولة تتآكل أطرافها وتذوي في مركزها، وتظن أن ترقيع الشرعية ممكن بوجوه جديدة، ما دامت الواجهة تُغطي هشاشة البناء. غير أن تعيينات كهذه لا تُسهم إلا في تكريس الانكشاف، إذ تنطلق من منطق الوجاهة لا من منطق الكياسة، ومن هواجس السيطرة لا من أسس الإصلاح، ومن ترضيات اللوبيات الجهوية لا من فهم لطبيعة المرحلة وشروط تجاوزها.

من هذا المنطلق، يأتي تعيين الدكتور كامل إدريس لا كبداية، بل كعرض جديد في مسرح التمويه. فبعد إقالة رئيس وزراء مكلف لم يمكث إلا بضعة أسابيع بسبب ما قيل عن “رفض إقليمي” له بسبب خلفيته الإخوانية، يُدفع الآن بكامل إدريس إلى الواجهة. لكن هذا لا يعالج أزمة الشرعية، بل يعمّقها. إذ إن تعيين شخصية لا علاقة لها بالحراك الوطني، ولا بمطالب الشارع الثوري، ولا بالواقع المعاش، يبدو خطوة أخرى في سياسة “الترقيع”.

بيد أن جوهر الأزمة في السودان لا يرتبط بقدرات الأفراد بقدر ما يرتبط بغياب المؤسسات. فالدول الراسخة، مهما تواضعت مواهب من يتصدّرون إدارتها (ممثلين، رياضيين، إذاعيين، مغنيين، إلى آخره)، تستند إلى نظم وهيكلة تجعل القرار السياسي منضبطًا ومحمولًا على أسس واضحة. أما في السودان، فغياب هذا الإطار البنيوي يجعل من أي تعيين أو تغيير، مهما حسنت نواياه، مجرد مغامرة في الفراغ. دون بنية مؤسسية قوية تُنظّم العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتُرسّخ معايير الكفاءة والمساءلة، ستظل الدولة تُدار بردود الأفعال لا برؤية، وتظل الأزمات تتناسخ بدل أن تُحل.

ذلك أن بناء السودان لا يتم عبر إصلاحات مظهرية أو تعديلات ديكورية، ولا من خلال “شخصيات هلامية” لا وزن لها في الوجدان العام ولا أثر لها في المسار الوطني. إن ما يحتاجه السودان هو إصلاحات حقيقية تُعيد تعريف الدولة لا كأداة للهيمنة بل كقيمة أخلاقية وفلسفية وفكرية يُعيد فيها الشعب تعريف نفسه كجماعة سياسية واحدة، لا كقبائل تتنازع على المغانم.

ختامًا، يستحق كامل إدريس المباركة والدعوات له بالتوفيق، فإنه رغم الجدل الذي لاحقه، ظل لعقود يسعى بإصرار لبلوغ منصب رئيس الوزراء، متنقلاً في كل منعطف سياسي حاملاً طموحه دون كلل، في مشهد يتكرر بلا جدوى. واليوم، يأتي تعيينه في هذا المنصب برمزيته الدولية وخلفيته القانونية، لكن في سياق سياسي مهلهل يفتقر للرؤية والمشروعية الشعبية أو المؤسسية، ما يجعل من هذا التعيين تتويجًا متأخرًا لمسار طويل، وكأن السياسة – في بلاد أنهكها العبث – قررت، ولو لمرة، أن تكافئ الصبر والمثابرة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *