ممادو التجاني: “البرهان، كامل ادريس” .. وقشة الغريق !

بقلم: ممادو التجاني
جاء تعيين الدكتور كامل ادريس في منصب رئيس وزراء حكومة برهان وعندما أقول حكومة برهان لأن التكييف الدستوري لهذه الحكومة صعب جدا فهي حكومة أمر واقع بعد الانقلاب العسكري على شرعية ثورة ديسمبر ومعلوم أن المجلس السيادي الذي يرأسه برهان ومعه الاعضاء المدنيين وممثلي اتفاقية سلام جوبا قد انهار بعد الانقلاب بعدها قام برهان بتعيين مدنيين في خانة مدنيي الحرية والتغيير ولكن بعد ظهور الإتفاق الإطاري تصدع المكون العسكري للدولة بعد تباعد الشقة بين القوات المسلحة والدعم السريع حيث تباين الموقف من الانقلاب بعد تبرؤ قائد الدعم السريع من الانقلاب بالاعتذار عنه للشعب السوداني فشن الجيش حربه ضد الدعم السريع مدعوما بكتائب الإسلاميين اثر الحرب هذه فقد قائد الجيش وضعيته الدستورية كرئيس مجلس سيادة إذ انهار المكون العسكري الذي وقع على الوثيقة الدستورية التي أسست للسلطة بعد سقوط نظام المؤتمر الوطني وقبله أسقط الجيش الطرف الآخر المؤسس معه لسلطة الانتقال الديموقراطي ، هذه المقدمة مهمة للحديث عن ما ينتظر رئيس الوزراء الجديد وبعيدا عن الشبهات المثارة حوله من نزاهة إلى جريمة التزوير وهي تتعلق بالشرف والأمانة ، ماذا يمكن أن يقدم كرئيس للوزراء في سلطة تمارس الترقيع لستر عورة الشرعية المنتهكة تارة بحرب ابريل الحالية وقبلها بالانقلاب العسكري على شرعية ثورة ديسمبر ؟؟! في أعقاب سقوط نظام البشير تغيرت كثير من الأوضاع الإقليمية في محيط السودان الافريقي والعربي فنظام البشير على الرغم من حالة الحصار والعقوبات المفروضة عليه كان يمثل مركزا إقليما في شرق ووسط أفريقيا حيث كان يتحرك السودان فيه كوسيط في جنوب السودان والصومال وكان يعمل ضمن تحالف عاصفة الحزم مع دول عربية مركزية كالمملكة العربية السعودية هذه الوضعية تغيرت بعد سقوط نظام البشير واعني وضعية الحصار والعقوبات حيث زادت قوة الدفع بالنسبة للسودان بفعل تشكيل حكومة الثورة والتي انفتح الأفق بعدها أمام السودان ورفعت العقوبات واقتربت حكومة حمدوك من نقطة إعفاء الديون وفقا لمبادرة نادي باريس هذه الوضعية انهارت تماما بعد انقلاب اكتوبر على حكومة حمدوك وبعد اندلاع حرب ابريل تم القضاء تماما على مكتسبات الثورة وانهارت حتى مكامن قوة السودان الجيوبولتيكية ففقد السودان عضويته في الاتحاد الافريقي وانهارت العلاقات الخارجية للسودان إذ تبين أنها حرب لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لما قبل سقوط نظام المؤتمر الوطني زاد من ذلك أن الدولة السودانية انهارت تماما على كل المستويات الاقتصادية والعسكرية حيث حل محل الجيش السوداني المليشيات الإسلامية والقبلية والان مهما بدا للناظر من أن الجيش قد استعاد السيطرة على العاصمة وولايات وسط السودان فإن الواقع يقول بأن المليشيات الاسلامية و القبلية والحركات المسلحة هي التي تسيطر على الأرض وهي التي ترتكب الانتهاكات بحق المدنيين فضلا عن نهب الممتلكات العامة والخاصة والتي تتم تحت رؤية ونظر قادة الجيش النظامي وهم لا يستطيعون منعها لأن الأمر خرج عن السيطرة في ظل هذه الأوضاع الداخلية والخارجية لا يمكن أن نتوقع نجاحا لرئيس الوزراء ولابد من الإشارة إلى أن هناك تضارب مصالح بين شركاء سلطة بورتسودان حيث رحب رئيس حزب المؤتمر الوطني المفوض احمد هارون بتعيين الدكتور كامل ادريس كرئيس للوزراء ولكن القيادات العسكرية لكتائب الإسلاميين ترفض تعيين الدكتور كامل ادريس وتوجد تصريحات منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي عن ذلك ، حزب المؤتمر الوطني المتهم الأول بإشعال حرب ابريل يسعى للعودة إلى السلطة عبر عملية سياسية سريعة تتعلق بتكليف حكومة تسيير أعمال مهمتها حل القضايا المتعلقة بالأمن ومساعدة الجيش لإنجاز الحرب حتى كردفان ثم العمل على إنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية سريعة تعيد لهم السلطة وهذا ما لن يستطيع البرهان توفيره فالبرهان المعروف بتردده وعدم جسارته في اتخاذ القرارات الكبيرة فضلا عن الصعوبات التي ستواجهه مع دول الإقليم الرافضة لعودة الإسلاميين للسلطة ستضع البرهان ورئاسته بل وحتى الحركة الإسلامية في الزاوية في ظل حوجة السودان إلى دعم اقتصادي كبير لمقابلة مشكلة إعادة الإعمار ولا ننسى هنا شركاء البرهان في اتفاقية جوبا للسلام الذين يطمعون في استدامة حالة الفوضى التي خلفتها الحرب و غياب حكومة بصلاحيات حقيقية حيث كانت سلطات الحكم في يد جبريل ابراهيم وزير المالية ورئيس العدل والمساواة ، كل هذه التحديات مقروءة باستمرار الحرب في ولايات الغرب الكبير يعني بأن المهمة صعبة بل مستحيلة لأن الدعم السريع ما يزال قادرا على الحركة العسكرية وقادر على ضرب عمق سلطة بورتسودان عبر سلاح المسيرات الاستراتيجية ، لذا فإن تعيين رئيس وزراء جديد لن يغير من الأمر شيئا اللهم إلا أن تمكن الرجل من طرح مبادرة للسلام وإيقاف الحرب وهذا ما لن تسمح به الحركة الإسلامية إذ أن الحل السياسي و السلمي للحرب الحالية يعني عودة قياداتها إلى السجن وعودة الملاحقات القضائية وتفكيك التمكين الاقتصادي والعسكري لمراكز قوتها ، الخلاصة هي أنه لا يوجد خيارات كثيرة أمام البرهان أيا كان رئيس وزرائه والخيار الوحيد الافضل للشعب السوداني هو المضي في عملية سياسية سلمية تنهي دولة العنف والابرتايد وتأسيس دولة جديدة تسع جميع مكوناتها الاجتماعية ولا تفرق بينهم بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة …