الكيميائي يفتح أبواب الجحيم: واشنطن تعاقب الخرطوم و”قـمم” ترحب وتطالب بتجفيف منابع الإرهاب

6
كيماوي

الصورة من CNN Arabic

الخرطوم – بلو نيوز الإخبارية

في خطوة تنذر بتحول جذري في تعامل المجتمع الدولي مع النزاع السوداني، فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على السودان، بعد تأكيد تورط الجيش في استخدام أسلحة كيميائية خلال معاركه عام 2024. القرار، الصادر بموجب قانون أمريكي يعود إلى عام 1991، يشكل ضربة قاصمة للنظام العسكري في الخرطوم، ويمهد لمرحلة من العزلة الدولية وربما المساءلة الجنائية.

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، أن حكومة السودان “انتهكت اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية”، وأكدت أن القرار أُبلغ إلى الكونغرس وسيدخل حيز التنفيذ في 6 يونيو المقبل. وتشمل العقوبات حظرًا على الصادرات الحيوية، وقطع خطوط الائتمان، وتجريد السودان من الامتيازات المالية والتجارية المرتبطة بالنظام المالي الدولي.

البيان الأمريكي حمّل الحكومة السودانية مسؤولية مباشرة، وطالبها بوقف “كل استخدام للأسلحة الكيميائية فورًا”، في لهجة تجاوزت التحذير إلى عتبة المحاسبة.

تقارير ميدانية موثوقة وتحقيقات صحفية دولية، من بينها نيويورك تايمز، وثّقت استخدام الأسلحة الكيميائية في ثلاث مناسبات مؤكدة، أبرزها الهجوم على منطقة شنقل طوباي في شمال دارفور، حيث ظهرت أعراض التسمم الكيميائي على النازحين، مع تسجيل حالات اختناق وطفح جلدي ودمار واسع.

وفي حادثة أخرى، تعرض مستودع يشتبه في احتوائه على أسلحة كيميائية داخل كلية التربية بجامعة الخرطوم في أم درمان لقصف بطائرة مسيرة يُعتقد أنها تابعة لقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تسرب مواد سامة ونقل مئات الحالات إلى مستشفى النو.

شهادات حية من نازحين ومقاتلين، إضافة إلى فيديوهات تداولها نشطاء، تُظهر جنودًا بزي الجيش السوداني وهم يتعاملون مع مقذوفات مشبوهة ويرتدون أقنعة غازية، في مشاهد تثير الريبة وتدل على معرفة مسبقة بطبيعة المواد المستخدمة.

الأخطر في الموقف الأمريكي ليس فقط الاعتراف باستخدام السلاح الكيميائي، بل تحميل المسؤولية لقيادات عليا. ووفق تسريبات صحفية ومصادر استخباراتية، فإن الفريق ياسر العطا، عضو مجلس السيادة، هو من أصدر الأوامر باستخدام هذه الأسلحة، بعلم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة.

ولم تكتف واشنطن بالعقوبات المؤسسية، بل فرضت عقوبات شخصية على البرهان، متهمةً إياه بالإشراف على “جرائم حرب” و”عرقلة جهود السلام”، إضافة إلى استخدام “التجويع كسلاح” ضد المدنيين.

في رد فعل داخلي، رحبت القوى المدنية المتحدة “قِـمَم” بشدة بقرار العقوبات، واعتبرته “خطوة تأخرت كثيرًا لكنها رادعة”، حسب ما أكده عثمان عبد الرحمن سليمان، الناطق الرسمي باسم التحالف. وقال سليمان إن القرار من شأنه إرباك حسابات الجيش وتقييد الدول التي تدعمه، مطالبًا بتوسيع دائرة العقوبات لتشمل تلك الدول، بالإضافة إلى قادة النظام السابق وعلى رأسهم حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية.

 

وأضاف سليمان: “الشعب السوداني دفع ثمناً باهظاً لاستخدام هذه الأسلحة المميتة”، مؤكدًا أن ممارسات جيش البرهان “تكرّس لانتشار الإرهاب في السودان والمنطقة، ما يتطلب مواجهة حازمة من المجتمع الدولي”. وأشار إلى أن العقوبات الدولية يجب أن تُستخدم كأداة لتجفيف منابع الإرهاب ومحاصرة القوى التي تزعزع استقرار البلاد.

ليست هذه المرة الأولى التي يُتهم فيها الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية. ففي عام 2016، وثّقت منظمة العفو الدولية استخدام نظام البشير غاز الخردل في دارفور، ما أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، معظمهم من الأطفال. كما سُجل في جنوب كردفان استخدام غازات مجهولة تسببت باختناق وشلل عصبي.

ويرى خبراء أن العقوبات الأمريكية الجديدة ستزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي الهش. فحظر الائتمان والتعاملات المصرفية سيعزل السودان عن النظام المالي العالمي، ويضاعف التضخم، وقد يؤدي إلى مزيد من الانهيار في قيمة الجنيه السوداني. ويحذر اقتصاديون من تأثير “الصدمة الثانوية” التي قد تدفع الشركات الدولية إلى مقاطعة السودان حتى في الشحنات الإنسانية.

ويرجح مراقبون أن الاتهامات الأمريكية قد تعيد ملف السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي سبق أن أصدرت مذكرات توقيف بحق عدد من قادة النظام السابق. ويقول المحلل عمر سفيان إن “ما يقوم به الجيش السوداني حاليًا يرقى لجرائم ضد الإنسانية”، مضيفًا أن قادة الجيش يسابقون الزمن لفرض وقائع على الأرض تمنحهم موطئ قدم في أي تسوية سياسية مستقبلية، حتى ولو عبر إعفاءات من المحاسبة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *