واشنطن تعاقب الخرطوم بفعل الكيميائي .. ما المتوقع؟

7
الكيماوي

وكالات – بلو نيوز الإخبارية

في خطوة اعتُبرت تصعيدًا نوعيًا في المواقف الدولية تجاه الأزمة السودانية، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الخميس، فرض عقوبات على السودان عقب ثبوت استخدام الجيش لأسلحة كيميائية خلال عمليات عسكرية في عام 2024. وقالت الوزارة في بيان رسمي إن العقوبات تشمل فرض قيود صارمة على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية الأمريكية، على أن تدخل حيز التنفيذ في 6 يونيو المقبل، في مؤشر واضح على تحوّل النزاع السوداني إلى مرحلة حرجة من التدويل والعزلة الشديدة.

قرار وتفاصيل وعقوبات

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، يوم الخميس، عن فرض عقوبات على السودان، بعد أن خلصت إلى أن حكومة السودان استخدمت أسلحة كيميائية خلال عام 2024. جاء هذا القرار بموجب قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقضاء عليها لعام 1991.

وفي بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أكدت المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس، أن هذا القرار سُلّم إلى الكونغرس، مرفقًا بملحق لتقرير الشرط 10(ج) الصادر في 15 أبريل 2025، والذي يفيد بأن حكومة السودان “غير ممتثلة” لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي تُعد طرفًا فيها.

وأوضحت بروس أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ بعد مهلة إخطار للكونغرس مدتها 15 يومًا، ومن المتوقع أن يتم نشر إشعار في السجل الفيدرالي في أو حوالي 6 يونيو 2025، لتصبح العقوبات سارية المفعول. وتشمل هذه العقوبات قيودًا على الصادرات الأمريكية إلى السودان، وعلى وصول الحكومة السودانية إلى خطوط الائتمان الحكومية الأمريكية.

ودعت الولايات المتحدة حكومة السودان إلى “وقف جميع استخدامات الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية”. وجدد البيان تأكيد التزام الولايات المتحدة الكامل بمحاسبة المسؤولين عن المساهمة في انتشار الأسلحة الكيميائية.

شهادات ودلائل صادمة

بحسب تقارير موثوقة من منظمات حقوقية ووسائل إعلام دولية مرموقة، بما في ذلك تحقيق لـ”نيويورك تايمز” حول استخدام سابق للأسلحة الكيميائية في دارفور، فإن الجيش السوداني متهم باستخدام الأسلحة الكيميائية في ثلاث مناسبات مؤكدة على الأقل خلال عام 2024.

تضمنت الطرق المستخدمة في هذه الهجمات تنوعًا شمل ذخائر يدوية، قذائف مدفعية، طائرات مُسيّرة، وضربات جوية بطائرات حربية.

وأشارت تقارير متعددة إلى أن أحد أبرز المواقع التي شهدت هذا الاستخدام كان منطقة شنقل طوباي بولاية شمال دارفور، حيث أُصيب خمسة نازحين بجروح خطيرة، وسط تدمير واسع للبنية التحتية، وانتشار حالات تسمم بين السكان المدنيين العزّل.

كما تم توثيق استخدام مماثل خلال معركة بحري الاستراتيجية، وعند محاولة دخول القصر الجمهوري في الخرطوم. ونقلت التقارير رصد ظهور عناصر مسلحة في منطقة جبل أولياء وهم يحملون عبوات مشبوهة ويرتدون أقنعة واقية من الغازات، مما يعزز فرضية استخدام مواد كيميائية محرّمة.

مؤخرًا، تشير تقارير متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن مستودعًا يُعتقد أنه يحتوي على أسلحة كيميائية، يُعرف باسم “مستودع البراء بن مالك” ويقع في كلية التربية بجامعة الخرطوم في أم درمان، قد تم استهدافه بواسطة طائرة مسيّرة يُزعم أنها تابعة لقوات الدعم السريع.

وبحسب هذه التقارير، فإن القصف أدى إلى تسرب مواد سامة، مما تسبب في حالات تسمم جماعي نُقلت إلى مستشفى النو في أم درمان.

وفقًا لمصادر محلية، فإن أكثر من 250 حالة تسمم وصلت إلى مستشفى النو مباشرة بعد القصف، مع ظهور أعراض مثل ضيق التنفس، والقيء، والطفح الجلدي، مما يشير إلى تعرضهم لمواد كيميائية سامة. في المقابل، تم الترويج إلى أن الحالات المذكورة مصابة بالكوليرا، وهو ما يتعارض مع تشابه أعراض التسمم بسبب السلاح الكيميائي في حالات مماثلة.

ورغم أن هذه المعلومات لم يتم تأكيدها من قبل مصادر مستقلة أو رسمية، إلا أن الاتجاه العام لا يستبعد ذلك، بسبب التجارب السابقة للنظام في الخرطوم ومنسوبيه.

كذلك نقلت بيانات إفادات وشهادات نازحين عن أعراض خطيرة وغير مألوفة شملت صعوبات شديدة في التنفس، وتهيجًا والتهابًا جلديًا شديدًا، ونزيفًا داخليًا حادًا، وهي أعراض تتطابق بشكل لافت مع التعرض لمواد سامة محظورة دوليًا.

في السياق، يشير الدكتور أندرو ويبر، خبير الأسلحة الكيميائية في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار، في تحليلات سابقة له حول استخدام أسلحة مماثلة، إلى أن الأعراض مثل ضيق التنفس الشديد، والتهيج الجلدي، والنزيف الداخلي، قد تكون مؤشرًا على استخدام عوامل خنق (مثل الفوسجين) أو عوامل نفطية (مثل غاز الخردل)، أو حتى بعض أنواع ما يسمى بالعوامل العصبية بجرعات منخفضة.

وتؤكد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية باستمرار أن أي استخدام لمواد كيميائية سامة تسبب الوفاة أو أضرارًا جسيمة، يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، بغض النظر عن طريقة الإطلاق.

بيد أن أخطر التأكيدات جاءت من فيديوهات شاهدها “راينو”، قام بتصويرها أفراد يرتدون زي الجيش وعناصر من الإسلاميين وكتائبهم، وهم يعبثون بمقذوفات كبيرة الحجم، ويرتدون أقنعة واقية من الغازات ويهددون باستخدامها ضد عناصر الدعم السريع.

كما ظهرت فيديوهات أخرى يظهر فيها عناصر يتبعون لذات الفريق وهم يستخدمون المقذوفات ويرتدون الأقنعة ويرددون تكبيرات، فيما يسعل بعضهم رغم ارتدائهم الواقي، عقب تصاعد دخان كثيف بعد القصف من بنادق صغيرة الحجم ذات مواسير واسعة، شبيهة بتلك المستخدمة في الغاز المسيل للدموع إبان التظاهرات.

اتهامات لقمة الهرم العسكري

بحسب ما نقلته الصحافة الأمريكية ومصادر استخباراتية، فإن أوامر استخدام الأسلحة الكيميائية لم تكن على مستوى منخفض في التسلسل القيادي.

فالمعلومات تشير إلى أن هذه الأوامر صدرت بشكل مباشر من الفريق ياسر العطا، عضو مجلس السيادة وقائد سلاح الطيران.

والأكثر إثارة للقلق هو ما يؤكده المحققون الأمريكيون بأن القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، كان على علم تام بذلك ولم يعترض على هذه الأوامر.

هذا ما دفع الإدارة الأمريكية إلى تجاوز فرض عقوبات على المؤسسات العسكرية، لتصل إلى فرض عقوبات شخصية مباشرة على البرهان نفسه، متهمة إياه بالإشراف على “فظائع” ترقى إلى جرائم حرب، و”عرقلة جهود السلام” التي بذلتها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بالإضافة إلى استخدام “التجويع كسلاح حرب” في مناطق النزاع.

ليست الأولى في سجل الجيش السوداني

ليست هذه هي المرة الأولى التي يُتهم فيها الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين. ففي عام 2016، وجهت منظمة العفو الدولية اتهامات خطيرة للنظام السابق بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير باستخدام أسلحة كيميائية محظورة ضد المدنيين في مناطق دارفور، مما أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، بينهم عشرات الأطفال، في عدة هجمات خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2016.

وقد استند تقرير المنظمة، الذي حمل عنوان “دارفور الكيميائية”، إلى أدلة حاسمة شملت صورًا بالأقمار الصناعية، وشهادات لضحايا، ونتائج تحليل لخبراء في الأسلحة الكيميائية أكدوا استخدام غاز الخردل وأعصاب.

كما كشفت مصادر محلية ومحققون عن استخدام سلاح غامض يُعرف بـ”الفاك” في منطقة أبو كرشولا إبان دخول قوات الجبهة الثورية عام 2013، وهو سلاح يُقال إنه يؤدي إلى اختناق المصابين وتيبس أطرافهم وشلل الجهاز العصبي، في ظل تقارير غير مؤكدة عن تورط طيارين روس في تنفيذه.

هذه السوابق التاريخية تضع الاتهامات الحالية في سياق يدعو إلى تحقيق دولي شامل ومستقل.

في أعقاب هذه الاتهامات الخطيرة، وفي وقت سابق، دعت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في السودان إلى فتح تحقيق دولي عاجل وشفاف، مطالبة بتمكين لجان أممية وخبراء من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من دخول المناطق المتضررة لتقييم حجم الأضرار بدقة، وتقديم العلاج الفوري للضحايا، والتخلص الآمن من أي مخزونات متبقية من السلاح الكيميائي. كما شددت الدعوات على ضرورة كشف مواقع التخزين السرية لهذه الأسلحة، وهوية الأفراد المنفذين والمتورطين في إصدار الأوامر، ومحاسبتهم أمام العدالة الدولية دون أي استثناءات.

تأثير العقوبات الأمريكية

تتخطى آثار العقوبات الأمريكية الأخيرة الجانب العسكري، لتصل إلى الاقتصاد السوداني المنهك، أو المنهار أصلًا حسب البعض، لتزيد من معاناته وتفاقم الأزمة الإنسانية.

وتشمل العقوبات، حسب القرار الأمريكي، تجميد خطوط الائتمان الأمريكية، وطبقًا لخبراء الاقتصاد فإن ذلك يعني عزل السودان بشكل شبه كامل عن النظام المصرفي الدولي الذي تديره واشنطن.

ويرى الخبراء أن الشركات والبنوك العالمية ستتردد بشدة في التعامل مع الكيانات السودانية خوفًا من العقوبات، مما سيقطع وصول البلاد إلى التمويل الدولي الضروري للاستيراد والتصدير، ويشل التجارة الخارجية، ويزيد من انهيار قيمة العملة المحلية.

كذلك يتضمن القرار حظر الصادرات الأمريكية الأساسية، مثل قطع غيار الطائرات المدنية، معدات البحث العلمي، والمواد الطبية.

من جانبه، يرى المحلل السياسي الداعم للجيش، محمد عثمان، أن العقوبات الأمريكية الأخيرة التي فُرضت على السودان بسبب مزاعم استخدام أسلحة كيميائية سيكون تأثيرها “محدودًا” على الواقع الاقتصادي للبلاد.

وقال لـ”راينو”: “ليس تقليلًا من شأن العقوبات، ولكن لأن العقوبات الأمريكية لم تُرفع بشكل كامل أصلًا عن السودان”.

ويضيف عثمان أن هذه العقوبات الحالية تأتي في سياق “ضغوط أمريكية على قيادة الجيش للجلوس إلى طاولة المفاوضات لوقف الحرب”، ويربط ذلك بما وصفه بـ”سياسة العصا والجزرة الأمريكية المعروفة”، والتي تعود جذورها إلى توقيع العقوبات على السودان منذ عام 1993 إبان النظام المباد.

وعزا محمد التأثير المحدود للعقوبات إلى “عدم وجود حركة تجارية كبيرة بين البلدين في الأساس”. وأشار إلى أنه “عندما رُفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، كان من الممكن أن يتيح ذلك انفتاحًا ما بين البنوك وشركات الاتصالات، وهو ما لم يحدث إلا في نطاق ضيق جدًا… وأستدرك: لكن الحرب أعادت الجميع إلى المربع الأول، إلى مستوى العلاقات السيئة بين السودان وأمريكا، وإن لم تكن بالسوء الذي شهدته البلاد في السابق إبان نظام البشير”.

عمليًا، ورغم احتمال وجود استثناءات لاحقة لبعض الاحتياجات الإنسانية بحسب طبيعة واشنطن في التعامل، إلا أن المراقبين يرون أن التأثير الأولي للعقوبات سيكون كارثيًا، إذ سيتعطل قطاع الطيران المدني الحيوي لنقل المساعدات والإمدادات، وستتوقف الأبحاث العلمية، بينما سيتأثر القطاع الصحي الذي يعاني أصلًا من نقص حاد في الأدوية والمعدات، مما يهدد حياة الملايين.

وحسب متابعات “راينو”، يؤكد الخبير الاقتصادي المختص في آثار العقوبات من جامعة جورجتاون، د. جونز مور في واحدة من الدراسات، أن مثل هذه العقوبات، حتى لو استثنت جزئيًا المساعدات الإنسانية، ستخلق ما يسمى بـ”تأثير التبريد”، حيث تتجنب الشركات الدولية التعامل مع الدولة المستهدفة خوفًا من العقوبات، مما يؤثر بشكل غير مباشر على وصول المساعدات الضرورية والأدوية.

فيما يتوقع المحلل السياسي عمر سفيان سالم، في حديثه لـ”راينو”، أن “الاتهامات الأمريكية الموثقة لاستخدام أسلحة كيميائية تفتح الباب عمليًا لإحالة الملف السوداني إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، والتي لديها بالفعل مذكرات توقيف سابقة بحق مسؤولين سودانيين”.

ويؤكد سالم أن “الجيش السوداني، المدفوع بأوهام النصر والتفوق العسكري، فضلًا عن عناصر وكتائب الإسلاميين، لا يتحلون بأي وازع أخلاقي يمنعهم من استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، مما يجعلهم عرضة للمساءلة الجنائية”.

ويرى سالم أن البرهان والعطا وكباشي وجابر وجيشهم وحلفاءهم يعلمون جيدًا أن الهدف الرئيسي للعقوبات هو إجبارهم على وقف الحرب والذهاب إلى التفاوض، حتى تُفك دائرة الحصار حولهم، لذا فإنهم سيوظفون كل إمكانياتهم في ارتكاب المزيد من المجازر، حتى تتضاعف رغبة المجتمع الدولي والإقليمي في وقف الحرب، مما يتيح لهم مساحة أكبر في التفاوض لتحقيق التسوية التي تعفيهم من كل شيء، إلا حكم السودان، وهو ما لا يتحقق في ظل وجود الدعم السريع.

 

نقلا عن وكالة راينو الاخبارية

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *