بورتسودان في مرمى المسيرات: وسط تصاعد الهجمات .. هل انتهت أسطورة الملاذ الآمن في بورتسودان؟

11
بورتسودان 2

راينو – بلو نيوز الاخبارية

 

في مشهد لم يكن في الحسبان، استفاقت بورتسودان، المدينة التي طالما عُدّت “الملاذ الآمن” في جغرافيا حربٍ ضروس، على دوي انفجارات مزّقت سكونها، وبثّت الهلع في نفوس سكانها، ولخمسة أيام متتالية، لم تهدأ المسيّرات في سماء الشرق، مستهدفة شرايين المدينة الحيوية: ميناء عثمان دقنة، مطار بورتسودان الدولي، مخازن الوقود، القواعد العسكرية، وحتى قاعدة “فلامنغو” البحرية ذات الرمزية الاستراتيجية.

الشرق الذي كان حاضنة الدولة و”غرفة عملياتها السياسية والعسكرية”، لم يعد كذلك. فالمسيّرات قلبت الطاولة على الجميع، وطرحت سؤالاً وجودياً: هل سقطت أسطورة الملاذ الآمن في بورتسودان؟

العتمة والدخان: بورتسودان تحت القصف

في غضون ساعات قليلة، تحولت المدينة إلى ساحة حرب مشتعلة، تتصاعد منها ألسنة اللهب وأعمدة الدخان، ويفرّ سكانها إلى المجهول، تاركين وراءهم منازلهم وأحلامهم. القصف طال المطار، فتوقفت حركة الطيران، وتضررت شبكة الكهرباء، ليغرق الإقليم في ظلام دامس. تقارير أولية أفادت بتوقف الملاحة البحرية وانقطاع الإمدادات، وتدفق جديد للنازحين على مدينة مكتظة أصلاً بمن فرّوا من جحيم الحرب في الخرطوم ودارفور.

الشرارة التي ألهبت الشرق

لم تكن بورتسودان وحدها تحت النار. كسلا، الولاية الحدودية ذات الطابع الهادئ، نالها نصيب من الرعب، بسقوط مقذوفات على أحياء سكنية ومقار حكومية. أما جبيت، فكانت السباقة حين استهدفت ضربة مسيّرة منصة احتفال عسكري شهده قائد الجيش نفسه، عبد الفتاح البرهان، والذي وثقت الكاميرات فراره من الموقع تحت القصف.

وتواصلت الضربات على عطبرة وكوستي وسواكن ومروي، في سلسلة ممنهجة من القصف الذي بدا أكثر دقة واتساعًا، حيث تم استهداف محطات الكهرباء، مستودعات الوقود، وحتى مصانع مدنية، ما أحدث صدمة استراتيجية، ورسالة واضحة مفادها: لا مكان بمنأى عن نيران الحرب.

انهيار السردية الرسمية: بوادر تفكك داخلي

مع تصاعد الهجمات، بدأ التصدع داخل معسكر السلطة في بورتسودان. تقارير مسربة تحدثت عن خلافات حادة في “غرفة الحرب” التي يديرها قادة من بقايا النظام البائد ومنتسبون للحركة الإسلامية. مصادر مطلعة لـ”مدنية نيوز” كشفت عن دعوات متزايدة داخل الدوائر الضيقة لإعلان حالة الطوارئ، وتجميد اتفاق جوبا، وإبعاد وزراء حركات دارفور من الحكومة، في خطاب يعكس توجّهًا تقسيميًا خطيرًا يعيد إلى الأذهان مشهد انفصال الجنوب.

 

وبحسب ذات المصادر، حمّلت هذه الأطراف “شركاء السلام” مسؤولية تدهور الأوضاع، متهمة إياهم بعدم الانخراط الكامل في المعركة، رغم ما قدموه من تضحيات جسيمة في ساحات القتال.

خارطة الحرب تتغير: هل دخلت أطراف جديدة على الخط؟

وسط هذا التدهور، يطفو سؤال ملحّ على السطح: من يقف خلف هذه المسيّرات؟ التحليلات السياسية لا تُجمع على جهة واحدة. فالبعض يشير إلى الدعم السريع، لكن آخرين – مثل المحلل السياسي البعثي علاء الدين بابكر – يرون أن الضربات تتجاوز أطراف النزاع المحلية، وتدخل في إطار صراع دولي على السودان.

 

يقول بابكر لـ”راينو”: “من يقصف محطات الكهرباء والمطارات والمصانع لا ينتمي لأي من الطرفين. هناك أطراف دولية تحرك المشهد من الخلف. الحرب تستهدف السودان، لا الجيش ولا الدعم السريع فقط”.

فضيحة “بايكار”: تركيا تدخل ساحة المعركة

في مارس الماضي، فجّرت صحيفة واشنطن بوست قنبلة إعلامية عندما كشفت عن صفقة سرية بقيمة 120 مليون دولار بين شركة “بايكار” التركية والجيش السوداني، لتزويده بطائرات بدون طيار وصواريخ، في عملية تمّت بسرية تامة في سبتمبر 2024.

لكن ما كان سرًا، تكشف على الأرض. ففي الرابع من مايو، شنت المسيّرات هجومًا دقيقًا على قاعدة “عثمان دقنة”، دمّرت خلاله برج المراقبة ومستودعات الذخيرة، بل وسوّت بالأرض طائرات تركية حديثة كانت قد وصلت لتوها. التحقيق الذي أجراه موقع “برق السودان” كشف أن خبراء أتراك أُصيبوا في الضربة، وتم إجلاؤهم في عملية سرية خشية الفضيحة الدولية.

حين يسقط “الملاذ” وتتشظى الجغرافيا

ما حدث في بورتسودان لا يُمثل مجرد تطور عسكري، بل هو زلزال سياسي وأمني يُعيد رسم خريطة الحرب. فالصراع لم يعد محصورًا بين نهر النيل والخرطوم ودارفور، بل تمدد ليشمل الشرق، قلب الدولة المفترض.

يعلّق المحلل السياسي عمر سفيان سالم لـ”راينو”: “ما نشهده اليوم هو لحظة فارقة. الدعم السريع يرسل رسائل استراتيجية لا تهدف فقط لتحقيق نصر عسكري، بل لإجبار الإسلاميين على القفز من السفينة الغارقة، ويضيف: “المعركة لم تعد على الخرطوم وحدها، بل على شكل الدولة ومستقبل السودان. الشرق الآن هو ساحة المعركة القادمة، ومن يسيطر عليه ربما يحدد مصير الحرب.”

خاتمة: شرق مشتعل .. وجمهورية تسقط

من منصة الاحتفال في جبيت إلى مطار بورتسودان، ومن محطات الكهرباء في عطبرة إلى مستودعات كوستي، تمرّ المسيّرات حاملةً رسالة مدوية: لا أحد في مأمن، ولا مدينة بمنأى عن الخطر.

بورتسودان التي احتمى بها السياسيون والجنرالات تحوّلت إلى مرمى للضربات، و”الشرق الهادئ” بات جبهة جديدة في حربٍ مفتوحة على كل الاتجاهات، تهدد بتمزيق ما تبقى من الدولة السودانية.

نقلاً عن وكالة راينو الإخبارية

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *