الجيش السوداني والأسلحة الكيميائية: من الكارثة إلى المحاكمة .. وخيار التأسيس كطريق للخلاص!

22
sudan-guerre (1)

كودي: “حين تتحول الدولة إلى جهاز عنف شامل، فإن المجتمع برمته يصبح هدفًا مشروعًا في عقل السلطة، لا شريكًا في السيادة.”

الخرطوم – بلو نيوز الإخبارية 

في تحول خطير يعيد السودان إلى واجهة الاهتمام الدولي، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير رسمي صدر في أبريل 2025 عن استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية في عدد من المناطق المدنية خلال العام 2024، أبرزها دارفور والخرطوم. التقرير الذي وُصف بأنه “خطوة أولى نحو العدالة”، اتهم القيادة العامة للجيش السوداني، بما فيها القائد العام عبد الفتاح البرهان، باتخاذ قرار استراتيجي باستخدام غازات السارين والخردل والكلور ضد مدنيين، في انتهاك صارخ لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي صادق عليها السودان عام 1999.

هذا الاستخدام، الذي يعيد إلى الأذهان مشاهد حلبجة والغوطة وخان شيخون، يعبر بحسب الناشط السياسي خالد كودي، عن “لحظة انهيار بنيوي للنظام”، حيث لا تستخدم الأسلحة الكيميائية من موقع قوة، بل كخيار استراتيجي يائس لأنظمة تفقد سيطرتها السياسية والأخلاقية، ويضيف كودي: “حين تتحول الدولة إلى جهاز عنف شامل، فإن المجتمع برمته يصبح هدفًا مشروعًا في عقل السلطة، لا شريكًا في السيادة.”

وسلط كودي الضوء على البنية القيادية التي تحكم قرار استخدام هذا النوع من الأسلحة، مشيرًا إلى أن مثل هذا القرار لا يُتخذ في الميدان، بل على أعلى مستويات القيادة العسكرية، ما يعني أن المسؤولية الجنائية تمتد من المنفذين إلى من أمروا أو تغاضوا، بموجب مبدأي المسؤولية الفردية والقيادية المنصوص عليهما في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

الأدلة، كما وردت في تقارير منظمات دولية، توثق سلسلة من الهجمات الكيميائية التي نفذها الجيش السوداني منذ التسعينيات، بدءًا من جبال النوبة، مرورًا بجبل مرة، وحتى الحرب الأهلية في جنوب السودان. لكن أحداث 2024 تمثل نقطة تحول فارقة، إذ جاءت في قلب العاصمة الخرطوم، ووسط تغطية إعلامية مكثفة وشهادات ميدانية دامغة.

النتائج الإنسانية كانت كارثية: مئات الضحايا، حالات إجهاض وتشوهات، تلوث بيئي طويل الأمد، وانهيار كامل لثقة المواطنين في مؤسسة يُفترض بها أن تحميهم لا أن تبيدهم، وعلى الصعيد الدولي، بدأت ترتسم ملامح مساءلة قانونية شاملة، تشمل احتمالات إصدار مذكرات توقيف، فرض عقوبات، وفتح ملفات جنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية وأمام محاكم أوروبية تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية.

لكن كما يؤكد كودي، فإن المساءلة لا تكفي: “في مواجهة دولة قتلت مواطنيها بالكيماوي، لا يكون الرد الحقيقي إلا ببناء دولة لا تقتل، دولة تُعيد للإنسان مكانته كمصدر للسيادة، لا كموضوع للإبادة.” ويضع كودي هذا الطرح في إطار مشروع “تحالف تأسيس”، الذي يدعو إلى قطيعة شاملة مع الدولة السلطوية القديمة، وبناء سودان ديمقراطي، مدني، متعدد، يفصل الجيش عن السياسة ويؤسس لعدالة شاملة، لا تتوقف عند معاقبة القتلة بل تمتد لتفكيك المنظومة التي شرعنت القتل.

بين فظاعة الجريمة وحتمية العدالة، يقف السودان عند مفترق طرق تاريخي: إما أن يُكتب مستقبله في محاكمات دولية تُنهي منطق الإفلات من العقاب، أو يعاد تأسيسه على أنقاض الخوف والغاز، ليصبح دولة تحمي، لا تفتك، والخيار الآن في يد شعبه، والتاريخ يسجل.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *