(السودان) تصدير الأزمة خارجيا .. فصل جديد من ارتباك سياسات سلطات بورتسودان

الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للجيش السوداني.
د مصطفى ابراهيم الشيخ
لم تكن تداعيات الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف إبريل 2023، هي وحدها من يثقل كاهل هذا البلد، الذي قتل منه منذ اندلاع الصراع ما يزيد على 120 ألف شخص.
السياسات المرتبكة، فاقمت من الأزمة، وأدخلت البلاد في عزلة إقليمية مع دول الجوار، بعد تصريحات غير ودية اتجاهها، أدلت بها قياذة الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان.
وفي تطور جديد، وعقب إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة “المثلث” الاستراتيجية، التي تُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، اتهم الجيش السوداني، الجيش الليبي بدعم هجوم شنته قوات الدعم السريع على نقاط حدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا.
وأشار حسب مزاعمه
وكانت قوات الدعم السريع، قد أعلنت السيطرة على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، الأربعاء، بعدما أعلن الجيش في بيان انسحابه من المنطقة بشكل مفاجىء عقب اقل من اسبوع على هزائم وخسائر كارثية تكبدها الجيش وحلفاؤه من الإسلاميين المتطرفين في كردفان، وهي احداث أرجعها مراقبون في جزء منها إلى حالة التخبط والصراع المحتدم بين الجيش وحلفائه حول تقسيم الوزارات والمناصب وحتى داخل قيادات الجيش نفسها
وتقع منطقة المثلث قرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي إحدى جبهات القتال الرئيسية في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
نفي وتنديد
الجيش السوداني قال في بداية الأمر، ن إن قواته “أخلت منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا” وذلك “في إطار ما سماه ترتيباته الدفاعية لصد العدوان، قبل أن يلقي باللوم بعد الهزيمة، على الجيش الليبي.
ولكن الجيش الليبي نفى بشكل قاطع، الاتهامات التي وجهها المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة السودانية بشأن الاعتداء على الأراضي السودانية.
وقال إن البيان الصادر عن الجيش السوداني تضمّن رواية «لا تمتّ للواقع بأي صلة»، مؤكد أنه لم ولن يكون يومًا مصدر تهديد لجيرانه، بل يعمل باستمرار على دعم استقرار المنطقة من خلال تنسيق أمني صارم مع دول الجوار لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وأشار البيان إلى أن “المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية من ليبيا من أكثر المتضررين من النزاع السوداني، نتيجة تدفق مئات آلاف اللاجئين السودانيين إلى الأراضي الليبية، مستنكرة تجاهل القيادة العسكرية السودانية لهذه الأوضاع الإنسانية.”
وأعربت عن قلقهامن تكرار ما وصفه بـ»اعتداءات القوات السودانية على الحدود الليبية»، موضحا أن أحد هذه الاعتداءات استهدف دورية عسكرية ليبية خلال قيامها بواجبها في تأمين الحدود، وأن الحادثة انتهت في حينها دون تصعيد، رغم «التهويل الإعلامي الصادر من الجانب السوداني».
ورفض ما اعتبرته «محاولات متكررة» للزج باسم الجيش الليبي في الصراع الداخلي السوداني، مؤكدا أنه يرفض تماما أي دور في تأجيج النزاعات أو الفتن الإقليمية.
وشدد على تمسكه بمبادئ حسن الجوار والقانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مشيرا إلى أنه لن يتهاون في الدفاع عن سيادة ليبيا وأمن حدودها في جميع الاتجاهات.
وكان الجيش السوداني، قد حاول في وقت سابق، جرّ دول تشاد، وكينيا، وإفريقيا الوسطى، إلى الصراع عبر توجيه تهديدات و اتهامات، غير مستندة على أي براهين، بحسب تلك الدول.
خلافات ببورتسودان
في غضون ذلك، تتحدث تتقارير سودانية، عن خلافات متصاعدة داخل قيادة الجيش السوداني، والقوات المتحالفة معه خلال الفترة الأخيرة، على ضوء انتصارات قوات الدعم السريع في مناطق استراتيجية.
وكشفت صحيفة الراكوبة نهاية شهر إبريل الماضي، عن صراعات داخل قيادة الجيش، وبين مجموعات مسلحة، تحالفت معه بعد اندلاع الحرب.
وتحدثت بهذا الخصوص، عن اتهامات وجهها قائد قوات درع السودان أبوعاقلة كيكل لوزير المالية جبريل إبراهيم، وهو قائد حركة العدل والمساواة في إقليم دارفور، بالرغبة في الاستحواذ على المشروع الزراعي بولاية الجزيرة (وسط)، ما يُمكن أن يفضي إلى صراع مناطقي بين مجموعات تمتلك السلاح ترى بأنها حققت إنجازات عسكرية على الأرض.
وأكدت الصحيفة، أنها “ليست هذه المرة الأولى التي ينشب فيها صراع بين مجموعات مسلحة محسوبة على معسكر الجيش في حربه الحالية، إذ سبقت ذلك مناوشات بين كيكل وحاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي (قائد حركة جيش تحرير السودان في دارفور) إثر خلافات مناطقية واتهامات وجهها قائد قوات درع السودان للقوات المشتركة في ولاية الجزيرة.”
وذكرت أن الوضع القائم يشير ” إلى أن الصراعات المناطقية تأخذ في التصاعد بفعل رغبة كل طرف في الحفاظ على ما حققه من مكتسبات خلال الحرب، مع عدم السماح لمجموعات أخرى لديها انتماءات مناطقية بالسيطرة على ثرواتها في إطار صراع السلطة والثروة الدائم في السودان، وأن حالة السيولة الراهنة وعدم قدرة الجيش السيطرة على المجموعات المنضوية تحت لوائه قد تقود إلى اشتباكات من نتائجها تفسخ تحالفات الجيش من جانب.”
إيران .. أي علاقة بتأجيج الصراع؟
ومن جهة أخرى، تحدثت وسائل إعلامية سودانية عن خلافات داخل الجيش السوداني بسبب الحرس الثوري، وسط أطماع إيرانية في التحكم بالجيش السوداني.
وقالت صحيفة إدراك السودانية في تقرير نشرته شهر مايو المنصرم، إن الأوضاع العسكرية ببورتسودان، “كادت ان تنفجر بين قيادات عسكرية، نتيجة قرار تنظيم الحركة الإسلاميين، بنقل عناصر من الحرس الثوري الإيراني إلى منطقة “الرقبة”، علي بعد (10) كيلومتر شمال مدينة بورتسودان.”
وأوضحت نقلا عن مصدر عسكري أن “مجموعات من الحرس الثوري الإيراني بجانب حزب الله اللبناني، كانتا تتواجدان بقاعدة “فلامنجو” العسكرية ونتيجة لإستهداف القاعدة بالمسيرات، قررت الحركة الإسلامية إبعادهما إلى خارج مدينة بورتسودان بمنطقة “الرقبة”.
وذكرت أن هذا القرار فجّر الخلاف داخل الجيش، وأن قيادات رفيعة من الجيش رفضت هذا القرار ، معتبرةً إن تزايد وجود عناصر من كتائب الإسلاميين، بجانب الحرس الثوري الإيراني بقاعدة “فلامنجو” العسكرية، قد يساهم في دخول أطراف دولية أخرى في الحرب، لتتحول البلاد ساحة معركة لتصفية حسابات إقليمية.
دعم مقابل النفوذ
وخلال شهر إبريل 2025، كشف موقع “إيران إنترناشيونال”، أن الحرس الثوري الإيراني أرسل شحنة أسلحة ومعدات عسكرية إلى الجيش السوداني في شهر مارس الماضي.
وأشار نقلا عن مصدر استخباراتي أوروبي أن الحرس الثوري أرسل في 17 مارس الماضي، شحنة أسلحة إلى السودان عبر طائرة تابعة لشركة “فارس إير قشم”، وهي شركة طيران مملوكة للحرس الثوري.
وفي 14 يوليو من العام الماضي، نقلت إيران، باستخدام الطائرة ذاتها، شحنة مماثلة من بندر عباس إلى السودان. وقبل ذلك بشهر، قامت الطائرة برحلة أخرى من إيران إلى السودان.
وتحدث موقع “دبلوماسي إيراني”، التابع لصادق خرازي، السفير السابق للنظام الإيراني في الأمم المتحدة، عقب زيارة وزير الخارجية السوداني إلى طهران، أن إيران تسعى لتحقيق هدفين في السودان؛ أحدهما استغلال احتياطيات اليورانيوم السودانية لتعزيز برنامجها النووي العسكري، فيما يتعلق الآخر، بإضافة السودان إلى ما يسمى “محور المقاومة”، والقوات الوكيلة لطهران في المنطقة.