استخدام الأسلحة الكيميائية في حرب السودان: قراءة قانونية في القرار الأمريكي ومسؤولية سلطات بورتسودان

48
IMG-20250525-WA0011

استخدام الأسلحة الكيميائية في حرب السودان: قراءة قانونية في القرار الأمريكي ومسؤولية سلطات بورتسودان

بقلم: أسامة سعيد 

 

مقدمة:

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 24 أبريل/نيسان 2025، بموجب قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991، أن حكومة السودان ارتكبت انتهاكًا جسيمًا باستخدامها أسلحة كيميائية في عام 2024، وهو ما يشكّل خرقًا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي يُعد السودان طرفًا فيها منذ مايو 1999.

 

ويعد هذا الإعلان بمثابة توصيف قانوني ابتدائي لسلوك يدخل ضمن نطاق الجرائم الدولية المحظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويستوجب المساءلة بموجب أحكام اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وميثاق روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.

 

في المقابل، أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن تشكيل لجنة تحقيق “وطنية”، ما يفرض قراءة قانونية حول مدى مشروعية هذه اللجنة، وقدرتها على تقديم مساءلة حقيقية في ضوء الوقائع المثبتة ميدانيًا.

 

 

أولًا: الإطار القانوني لحظر الأسلحة الكيميائية

 

يحظر القانون الدولي استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل مطلق، استنادًا إلى قواعد ملزمة في:

1. اتفاقية الأسلحة الكيميائية (1993) – التي تحظر استخدام أو تطوير أو إنتاج أو نقل هذه الأسلحة.

2 . قواعد القانون الدولي العرفي – التي تعتبر الأسلحة السامة أدوات غير مشروعة في النزاع المسلح، سواء دوليًا أو غير دولي.

3. مبادئ مسؤولية الدول عن الأفعال الدولية غير المشروعة – التي تضع على الدولة واجب التحقيق والمساءلة والإصلاح في حال انتهاكها للاتفاقيات الدولية.

4. القانون الجنائي الدولي – حيث يُصنف استخدام المواد السامة ضمن جرائم الحرب إذا استُخدم ضد مقاتلين، وضمن الجرائم ضد الإنسانية إذا استُخدم ضد المدنيين بشكل ممنهج أو واسع النطاق .

 

ثانيًا: المسؤولية الدولية

 

بموجب المادة 1 من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية و تدميرها ، فإن الدولة الطرف تتعهد بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية تحت أي ظرف”.

عليه فإن استخدام هذه الأسلحة من قبل وحدات تابعة للجيش السوداني، أو بالتنسيق مع ميليشيات متحالفة، يُحمّل سلطات بورتسودان المسؤولية كاملة عن انتهاك التزامات و تعهدات الدولة ، سواء أكان:

• استخدامًا مباشرًا بأمر من القيادة،

• أو تقصيرًا في منع الاستخدام من قبل قوات تابعة لها،

• أو حتى فشلًا في التحقيق والمساءلة بعد الاستخدام.

 

وفقًا لقرار الخارجية الأمريكية، فإن السودان في حالة “عدم امتثال جوهري”، وهو وصف قانوني يُستخدم عادةً قبل إحالة الأمر إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لاتخاذ تدابير تصاعدية، تشمل: تعليق الحقوق والامتيازات، إحالة الملف إلى مجلس الأمن و طلب فتح تحقيق دولي مستقل.

 

ثالثًا: أدلة مادية ومؤشرات على الاستخدام

 

من خلال التوثيق الميداني، تم رصد عدد من المؤشرات التي تُعتبر ذات قيمة قانونية استدلالية، تشمل:

• مقاطع مصورة لعناصر مسلحة بزي الجيش السوداني وميليشيات “البراء الإسلامية” وهي تطلق عبوات تُظهر آثارًا مشابهة لتأثير الأسلحة الكيميائية (اختناق، سُعال دموي، ارتباك عصبي).

• العثور على أقنعة واقية من الغازات بعد انسحاب الجيش من منطقة الخُوي في ولاية غرب كردفان، وهي تجهيزات تُستخدم تحديدًا عند التخطيط لاستخدام أو توقع التعرض لأسلحة كيميائية.

• شهادات من عاملين في المجال الطبي والإنساني تشير إلى أعراض غير معتادة على ضحايا القصف في مناطق متفرقة من الخرطوم ودارفور.

 

هذه المؤشرات تُشكّل أساسًا معقولًا للمطالبة بفتح تحقيق دولي ذي طابع جنائي.

 

رابعًا: تقييم “اللجنة الوطنية” المعلنة من قبل البرهان

 

أعلن الجنرال عبد الفتاح البرهان عن تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم. غير أن التقييم القانوني لهذا الإعلان يثير ملاحظات جوهرية:

 

1. اللجنة شُكلت بقرار من “رئيس مجلس السيادة ” الذي هو في موقع القيادة العليا للقوات المتهمة، مما يُعد تضاربًا صارخًا في المصالح، ويُفرغ اللجنة من أي استقلالية.

2.تعيد هذه اللجنة إلى الأذهان ممارسات نظام البشير في مواجهة اتهامات الإبادة الجماعية في دارفور، حيث تم تشكيل لجان صورية بغرض كسب الوقت وامتصاص الضغط الدولي، دون الوصول إلى نتائج شفافة أو مساءلة فعلية.

3. لا تضم اللجنة جهات تقنية مختصة بالكشف عن استخدام المواد الكيميائية (مثل مختبرات الطب الشرعي، أو خبراء الأسلحة الكيميائية)، كما لم تُشر إلى التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو آليات الأمم المتحدة.

4. مخالفة المعايير الدولية للتحقيقات المستقلة .

 

خامساً: الدعوة إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة

 

انطلاقًا من خطورة الجريمة وغياب الثقة في الآليات الوطنية، فإن المخرج الوحيد المقبول قانونيًا هو:

• تشكيل بعثة تقصي حقائق دولية بموجب صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أو

• تفعيل صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما أن السودان مشمول بولايته منذ قرار مجلس الأمن 1593 (2005)،

• أو اعتماد آلية تحقيق دولية مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، على غرار تلك المستخدمة في التحقيقات بسوريا أو جنوب السودان.

خاتمة

يشكل استخدام الأسلحة الكيميائية في السودان، كما ورد في القرار الأمريكي، خرقًا فادحًا للقانون الدولي يستوجب مساءلة جنائية حقيقية. وأي محاولة لتدوير الاتهام عبر لجان صورية، هي امتداد لإرث الإفلات من العقاب، الذي أوصل السودان إلى هذه المرحلة الكارثية.

المطلوب الآن، ليس لجنة من المتهم، بل تحقيق مستقل من جهة دولية محايدة، لضمان العدالة، وحماية المدنيين، وإنهاء دورة الجرائم الممنهجة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *