التدين عند الكيزان: تديّن التنظيم لا تديّن الإيمان. نقاش حول رؤية عمار محمد ادم

5
اعمار محمد آدم

التدين عند الكيزان: تديّن التنظيم لا تديّن الإيمان. نقاش حول رؤية عمار محمد ادم

 

صلاح احمد

 

نشر القيادي السابق بالحركة الإسلامية عمار محمد آدم مقالاً موجزاً؛ يمثل في جوهره شهادة من داخل التجربة الحركية الإسلامية في السودان، ويشكّل وثيقة نقد ذاتي مهمة لفهم التديّن عند الإسلاميين من داخل بنية التنظيم ذاته.

في تجربة الإسلاميين السودانيين، لم يكن الانتماء إلى الدين في جوهره إيمانًا نقيًا أو عبادة خالصة لله، بل كان – كما يصفه عمار – تديّنًا تنظيمياً تُمارَس فيه الطقوس لا من باب العبادة، بل من باب الالتزام التنظيمي والانتماء السياسي.

ويرى عمار محمد آدم أن الانتماء إلى التنظيم كان في مرات كثيرة أقوى من الانتماء إلى الدين نفسه. فبدلاً من أن يكون التنظيم أداة لإقامة الدين ونشره، أصبح الدين وسيلة لتعزيز نفوذ التنظيم وحمايته، بل و”تبريره” أمام أعضائه والرأي العام.

ويعترف عمار محمد آدم، بشجاعة أن كثيرًا من مظاهر التديّن داخل الجماعة كانت خاوية من الروح، تُمارَس بآلية ورتابة، وتكتسب قدسيتها لا من علاقتها بالله، بل من كونها جزءًا من “نظام الطاعة” داخل التنظيم.

التنظيم، كما يقول، أصبح غاية في ذاته، لا وسيلة لإقامة الدين، واستُخدم الدين كغطاء لتحقيق التمكين والسلطة والثروة، فصار الغرض الحقيقي هو الدنيا لأجل الدنيا، لا مرضاة الله.

إن أبرز ما يميز تديّن الإسلاميين بحسب هذا النقد، هو أنه يخلو من الخشوع الفردي ومن معاني العبادة الخالصة. فالصلاة، الصيام، الجهاد، الأذكار… جميعها تحوّلت إلى نشاطات جماعية تؤدَّى لتقوية أواصر التنظيم، لا لتزكية النفس أو طلب القرب من الله.

أحد أخطر ما يشير إليه الكاتب هو تحوّل الشعائر الإسلامية إلى طقوس جوفاء. الصيام الجماعي في أيام الاثنين والخميس لم يكن تعبيرًا عن خشية الله أو رغبة في تزكية النفس، بل كان مناسبة تنظيمية يُستغل فيها الصيام للقاءات وتداول القضايا السياسية.

وبحسب الشهادة، لم يكن للدين حضور حقيقي في تفاصيل حياة الكثير من كوادر التنظيم. لم تكن الصلاة لحظة روحانية، بل فرضًا يُؤدى على عجل من أجل اللحاق بـ”الاجتماع الحركي”. لم تكن المساجد بيوتًا للعبادة، بل تحوّلت إلى مقرات للتنظيم، تخلو من الذكر والدعاء، وتمتلئ بالنشاطات السياسية والاجتماعية التي تخدم التنظيم لا الإسلام.

الأخطر، كما يصف، هو أن الولاء انتقل من الله إلى التنظيم، ومن العقيدة إلى الهياكل، ومن النص إلى الأشخاص، مما يجعل هذا الشكل من التدين نوعاً من الشرك التنظيمي حيث تُقدّم طاعة التنظيم و”كهنة المعبد” على عبودية الله الخالصة.

في تجربته الشخصية مع الجهاد، يعترف الكاتب أنه ذهب “محرجاً”، لا بدافع الإيمان، بل بفعل الضغط الاجتماعي والتنظيمي، بل ويشهد أن كثيراً من “المجاهدين” لم تكن نيتهم دينية، كان الخروج الى الجهاد عند الكيزان لا حبًا في الجهاد ولا رغبة في نيل الشهادة، بل للظهور الإعلامي، أو تعويض الإحباط السياسي الذي نالهم بعد هزيمتهم في الجامعات.

ويذكر عمار بشهادته التي لا تنقصها الجرأة: التنظيم في جوهره علماني براغماتي، يستخدم الدين قناعًا، لكنه لا يستمد بركته من السماء، بل من الأرض ومن لعبة السلطة والمال.

أهم ما يمكن استخلاصه من شهادة عمار محمد آدم، هو أن التنظيم الإسلامي في السودان لم يكن حركة دعوية تستمد شرعيتها من التزكية، بل تنظيم سياسي براغماتي، يستغل الدين لمراكمة السلطة والثروة. وبهذا المعنى، فإن الحركة الإسلامية كما مورست في السودان أقرب إلى تنظيم إجرامي مقنّع بغطاء ديني، لا يستمد قوته من السماء، بل من الأرض، من الأجهزة، من الهياكل، ومن نهب المال والتشبث بالسلطة.

إن أخطر ما فعله الإسلاميون – بحسب هذه الشهادة – أنهم جعلوا من الدين قناعًا، ومن الإيمان مجرد أداء شكلي، ومن الطاعة لله طاعة عمياء لرموزهم وهياكلهم.

وتمثل تجربة الكيزان بالسودان أوضح دليل على التناقض الصارخ بين الشعار والممارسة. فقد حكم الكيزان السودان ثلاثين عامًا، تحت راية “هي لله”، لكنهم نهبوا، وقتلوا، واغتصبوا، وسجنوا، وفصلوا الكفاءات، وأدخلوا البلاد في حروب أهلية وانهيار اقتصادي شامل.

صلاح احمد

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *