الدكتور عبدالله احمد النعيم: ظلت مختلف القيادات السياسية والعسكرية في السودان تعمل على استغلال جميع الوسائل من أجل الحصول على السلطة والاحتفاظ بها.

59
الدكتور عبدالله احمد النعيم، أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بالجامعات الامريكية.

 

حوار – (2-2).

راينو: بلو نيوز الإخبارية-

  • ثمة تحولات اجتماعية أفرزتها الحرب، إذ تصاعدت خطابات موجهة من الشمال للغرب والعكس. وهي تحولات أفقية قد تهدد إمكانية التعايش المشترك مستقبلا. ما أثر ما يسمى ب”المقاومة الشعبية” التي أعلنها الجيش في حدوث الفرز الاجتماعي والسياسي؟

أولا، إن معنى وتداعيات تصاعد الخطابات الموجهة من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، وما إلى ذلك، تعتمد على غايات ووسائل تلك الخطابات. فإذا كانت وسائلها وغاياتها تهدف لتأسيس وتدعيم التعايش السلمي، فهي ضرورة قومية لازمة وعاجلة من أجل بناء السودان ككيان موحد، وضرورية للاستقرار السياسي والأمن العام، والتنمية، وتعميم الخدمات اللازمة للحياة الإنسانية الكريمة. فنحن السودانيون في أشد الحاجة لأن نواجه أنفسنا بصدق وأمانة بحقيقة المشاكل التي انتهت بنا إلى الحرب الأهلية الشاملة الراهنة، لأننا جميعًا نعاني من العنصرية عميقة الجذور، ومن التسلط والعنجهية، من عموم الرجال على جميع النساء، وبين القبائل والجماعات، وفي أوساط كل قبيلة وجماعة، وما يتبع ذلك من أنانية وتفرد بالسلطة، وعدم تحمل المسؤوليات الأخرى لبناء الوطن. فإذا كانت الخطابات تعالج هذه القضايا وتداعياتها، فهي ضرورة قومية لازمة وعاجلة من أجل المقاومة السلمية المتحضرة للظلم والقهر والفساد.

أما إذا كانت غايات ووسائل هذه الخطابات تهدف لتأسيس وتدعيم ما يسمى ب “المقاومة الشعبية المسلحة” بمعنى الاستنفار القائم على العنف المسلح كوسائل للتغيير السياسي الاجتماعي، فهذه الفتنة الهوجاء التي حذرنا القرآن الكريم منها: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”، والعياذ بالله، وهي الدرك الأسفل الذي تنتهي إليه تجربة السودان منذ ما يسمى ب “حوادث أول مارس” 1955، عشية الاستقلال. فمن أجل الحصول على السلطة والاحتفاظ بها، ظلت مختلف القيادات السياسية والعسكرية في السودان تعمل على استغلال جميع الوسائل لاستمرار استغلالها وتسلطها على الناس، وتهربها من المسؤولية. وفي خطابات 2023- 2024، فإن ما يسمى ب “الاستنفار الشعبي” المزعوم هو آخر الوسائل الخبيثة التي يستغلها نظام الإنقاذ المتهالك للبقاء والاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن. وهذا يعني هنا التضحية بحياة وأمن عامة المواطنين العُزل الأبرياء، وعلى حساب وجود السودان نفسه ككيان سياسي موحد. وهذه فتنة كبيرة، مقصود منها الحرص على السلطة والاحتفاظ بها لفئة سياسية ضئيلة، وليس لكافة السودانيين، وليس للسودان أي مصلحة في ذلك على الإطلاق. فعندما تتفتت المقدرات العسكرية والأمنية، وينتشر السلاح في أيدي نتن تختارهم سدنة نظام الإنقاذ، تفقد الدولة أساس مشروعيتها ومقدرتها على أداء وظيفتها الجوهرية في حفظ الأمن العام وصيانة السيادة والوحدة القومية.

  • هل تشير الى الدعم السريع؟

إذا كانت “قوات الدعم السريع” هي فئة مارقة ومهددة للأمن العام والوحدة القومية، كما تزعم قيادة نظام الإنقاذ، رغم أنها قوات مُنشئة بموجب قانون قومي رسمي تحت نظام الإنقاذ نفسه، وخاضعة لهيكل قيادي في إطار القوات المسلحة النظامية، فماذا سيحدث من أفراد وفئات مسلحة بصورة عشوائية، وبدون أي قدر من القيادة المعروفة والمسؤولة قانونيًّا عما تفعل بذلك السلاح: على من تستخدمه وبموجب أي ضوابط ضد سوء الاستغلال لأغراض شخصية أو حزبية ضيقة؟ إن التاريخ الإنساني عامة، والأفريقي منذ الاستقلال من الاستعمار بصورة خاصة، حافل بالنماذج الصارخة لمثل هذا التسليح العشوائي لأغراض سياسية وأيديولوجية ضيقة، كما يحدث الآن من بعض قيادات نظام الإنقاذ. وتتفاوت النماذج الحديثة والمعاصرة لهذه الكوارث بين الإبادة الاثنية والسياسية كما في حدث رواند عام 1984، إلى الحرب الأهلية الشاملة في الصومال وليبريا في نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الواحد وعشرين، وصولا إلى ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي وحتى الآن، فأي هوس ديني وجنون بالسلطة يدفع قيادات الإنقاذ إلى الوهم بأنهم مستثنون من سنة الله التي سن الناس عليها منذ بدء الخليقة؟

  • في بداية هذه الحرب شهدنا حملات عنيفة إزاء جنود الدعم السريع، وتجاوزتهم إلى مكونات اجتماعية دارفورية بالخصوص، تركزت بشكل أساسي على وصف هؤلاء جميعا ب “الأجانب” و ” المستوطنين الجدد” وهي خطابات رددها بعض مناصري السودان الجديد قبل الحرب. هل ساهم ذلك في منح شرعية سياسية وأخلاقية للدعم السريع في هذه الحرب باعتبارها حرب وجود بالنسبة له وللمكونات التي ناصرته؟ 

من الصعب التنبؤ بما سيحدث للدعم السريع كمكون سياسي وهيكل وكيان مستقل، ولكن الحديث عن هؤلاء “أجانب” و “مستوطنين جدد” هي خطابات ظلت ترددها الصفوة المتسلطة في الوسط لتهميش أو زيادة تهميش قطاعات واسعة من السودانيين في مختلف أنحاء القطر. وهي خطابات أرفضها ولا أتفق معها. فكل شخص نشأ وتربى ويعيش حاليا ضمن الحدود السودانية الجغرافية السياسية هو مواطنًا سودانيًا يستحق كامل حقوق المواطنة، وعليه كل واجباتها. فهذه الحدود أنشأها الاستعمار، وهناك قبائل مشتركة في كل الحدود السودانية، القبائل في دارفور على سبيل المثال، تتصل بتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، كما أن هناك قبائل سودانية لها امتدادات في أثيوبيا وإرتريا ومصر وغيرها. هذه الامتدادات للقبائل لا يجب أن تجعلنا ننزع حق المواطنة عنها أو نصف أفرادها بأنهم أجانب ومستوطنون جدد. المسألة تتعلق بالمواطنة فقط، فإذا كنت مواطنًا ضمن الحدود الجغرافية السياسية الحالية، فأنت سوداني لك كامل حقوق المواطنة وواجباتها.

فيما يتعلق بالمشروعية لحركة الدعم السريع، إذا أصبح الدعم السريع قوة مستقلة قائمة على برنامج سياسي انتخابي وتمارس الديمقراطية القاعدية الشعبية المشروعة والقانونية، فلتكن لهم المشروعية، فالمشروعية في جانب أساسي منها ترتبط بالديمقراطية. ولكن حين تهمش الدولة جزءًا من الشعب، وتنكر عليه حتى حق المقاومة، أي حتى حق مناهضة الظلم والقهر، في هذه الحالة ستكون هناك “مشروعية المقاومة”. مناقشة جذور الأزمة في السودان يجب ألا تتعلق بالتصنيف الذي تضعه النخبة أو الصفوة لمن هو “السوداني” ومن هو “الأجنبي”، وإنما يجب أن نتجه لتأسيس المواطنة السودانية كحق دستوري وقانوني مشروع وقائم وحقيقي. يجب أن نذهب نحو تأسيس المواطنة وواجباتها وحقوقها من حيث هي مواطنة بدل من الاستمرار في تهميش الناس وحرمانهم من إنسانية حقهم في مقاومة الظلم الواقع عليهم، أو نزع المواطنة عنهم.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *