عودة الجنجويد (1-2)
عودة الجنجويد (1-2)
- علي أحمد
منذ اليوم الأول لثورة ديسمبر المجيدة وحتى يومنا هذا ظل وصف وتعريف (الجنجويد) مغلوطاً توصف به قوات الدعم السريع، وقد لعبت الآلة الاعلامية الدعائية للاخوان المسلمين (الكيزان) دوراً كبيراً ومقصوداً في تمرير هذا الخطأ، وحرصت بكل تفان واخلاص على ترسيخه في أذهان شباب الثورة، خصوصاً وان أغلبهم إن لم يكن جميعهم – بحكم السن وحداثة التجربة السياسية- لم يعاصروا تاريخ تكوين مليشيات الجنجويد في العام 2003، التي أسسها (الكيزان) مع اندلاع الحرب في دارفور، وقد نجح الكيزان في تثبيت هذا التعريف والصاقه بالدعم السريع، وأصبح يتم التعامل كحقيقة لا تقبل الجدال، خصوصاً وسط العوام والشباب، علماً بانه عند تأسيس مليشيا (الجنجويد) كان (حميدتي) وقتها صبياً يافعاً لم يتجاوز عمره (18) عاماً.
وربما هي سانحة مع ظهور (موسى هلال) القائد الحقيقي لمليشيا (الجنجويد) أمس، أن نُعرف الشباب المغرر بهم بحقيقة هذه المليشيا سيئة السمعة ونشأتها؛ والتي تأسست في العام 2003 – كما أسلفنا – بقرار من الرئيس المخلوع وبإشراف مباشر من نائبه الأول حينها علي عثمان طه، وأوكل أمر تأسيسها للاستخبارات العسكرية، وتحديداً للفريق “عوض ابنعوف” والفريق “محمد أحمد مصطفى الدابي”، يعاونهما في التسليح والإشراف الهارب “أحمد هارون” المطلوب للعدالة الدولية لاتهامه بإرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ، بمساعدة أرضية من (علي كوشيب) الذي سلم نفسه إلى محكمة الجنايات الدولية، ويحاكم أمامها الآن.
كان “موسى هلال” وقتها مسجوناً بسجن مدينة بورتسودان، بعد ادانته بالسرقة والقتل العمد، حيث كان وقتها قائد تشكيل عصابي (قاطع طريق)، على رأس جماعة صغيرة مسلحة من أبناء قبيلته، بحكم إنه ابن زعيمها وخلفه لاحقاً. وما كان الرجل سيخرج من السجن لولا إندلاع حرب دارفور عام 2003، فعندما عجز الجيش عن دحر المتمردين فكّر في تجميع قطاع الطرق على أساس عنصري (عرب ضد زرقة)، فأطلق سراح “موسى هلال” بأوامر مباشرة من نائب البشير وقائد كتائب الظل علي عثمان محمد طه، حيث تمكن من اللعب على مشاعر (هلال) العروبية – والاجرامية أيضاً – وأوعز له أن مكونه العربي مستهدف من قبل التمرد (الافريقي)، وانه ستسقط عقوبته ويحصل على امتيازات مالية ضخمة للتصدي لهم، فقبل وعُين رئيساً مؤسساً وقائداً لمليشيا (الجنجويد)، والذين ارتكبوا تحت قيادته لاحقاً جرائم وفظائع تشيب لها الولدان، فكان يحرق القرى ويقتل الأطفال ويغتصب النساء ويدفن الناس وهم أحياء – تحت غطاء طيران الجيش – دون شفقة أو رحمة، إذ كان -ولا يزال، قاسي القلب بلا عقال أخلاقي ودون قيم دينية وإنسانية.
بعد تأسيس مليشيا الجنجويد على يد “موسى هلال” بعام فقط، وفي أغسطس عام 2004، طالب مجلس الأمن الحكومة السودانية بنزع أسلحة مليشيا الجنجويد وضرورة تعقب الضالعين في القتل والنهب والاغتصاب، وبرز اسم “موسى هلال” على رأس قائمة من قاموا بعلميات التطهير العرقي في دارفور – ألا لعنة الله عليه. ولهذا السبب وصفته حكومة الولايات المتحدة الأميركية بأنه زعيم الجنجويد.
وقتها لم يكن (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، مشاركاً في هذه المليشيا، لكنه انضم لاحقاً إلى حرس الحدود في العام 2007 – أي بعد المجازر والإبادة الجماعية في دارفور، وكانت حينها قوات نظامية تم دمج عناصر من الجنجويد فيها تمويهياُ على المجتمع الدولي، الأمر الذي أدى إلى تمرد “حميدتي” على العمل وخروجه على سلطة الكيزان عام 2007، ففاوضته الأجهزة العسكرية والأمنية على العودة بمجموعته، فاشترط عليهم أن تصبح قواته قوات نظامية حكومية كاملة لا مليشيا، وبرتب عسكرية وقانون، وهو ما حدث وتم تأسيس قوات الدعم السريع عام 2014 تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وخلال الجلسة رقم 43 من دورة الانعقاد التشريعية الرابعة للمجلس الوطني (برلمان الكيزان)، والتي التأمت في 18 يناير 2017، أجيز قانون الدعم السريع فأتبعت للجيش تحت رئيس الجمهورية مباشرة، وبقية القصة المعروفة، حيث أنحاز حميدتي وقواته إلى ثورة الشعب في ديسمبر 2018، وساهم مساهمة فعالة ورئيسية في عزل الرئيس المخلوع واسقاط نظامهم الاجرامي، لذلك أسقطوا عليه خيباتهم وسموه جنجويديا.
غدا نواصل عن عودة الجنجويد وقائدهم موسى هلال.