“نازحو” بورتسودان .. “جوعى” تحت شحنات الإغاثة.
بلو نيوزالإخبارية: شبكة عاين-
تسمع النازحة حليمة آدم، بشكل دائم، بوصول شحنات إغاثة لصالح المتأثرين بالحرب عبر سفن ترسو بالقرب من مخيمها في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، لكنها لم تجد ما يكفي حاجتها من الغذاء.
تتلقى حليمة مع أسرتها المكونة من 8 أفراد ما وصفته بالفتات من المساعدات الإنسانية، ورغم ذلك فهي غير مستمرة، وتوزع بعد شهرين وثلاثة أشهر في بعض الأحيان، بينما لا تستطيع شراء الخبز والمواد الغذائية الضرورية من السوق نسبة للغلاء الطاحن الذي تشهده مدينة بورتسودان الساحلية، كما لا تملك أي مصدر كسب مالي في الوقت الراهن، فهي أرملة.
تقول حليمة في مقابلة مع (عاين) إن آخر حصة غذائية تسلمتها من مفوضية العون الإنساني كانت قبل شهرين، وبالتحديد مطلع يونيو الماضي، “احتوت على واحد كيلوغرام من الدقيق والعدس، وزيت طعام، وبعض الأواني المنزلية، وقد نفدت في ثلاثة أيام فقط، وبعدها أصبحنا نعتمد على مبادرات الطبخ المجتمعية، ولا نعلم أين تذهب المساعدات الإنسانية التي تأتي من الخارج”.
التساؤلات والشكوك بشأن الإغاثة القادمة من الخارج، لا تراود حليمة آدم فحسب، لكنه حال مئات الآلاف من النازحين في مراكز الإيواء بورتسودان، يجأرون بالشكوى من عدم تسلمهم حصصاً من المساعدات الإنسانية، وهم يواجهون شبح الجوع، ولا يجدون من يجيب عن استفساراتهم الملحة، أين تذهب الإغاثة؟
تتولى مفوضية العون الإنساني التابعة للحكومة، التي يسيطر عليها الجيش السوداني، مهمة تنسيق الشأن الإنساني واستلام كافة الإغاثة القادمة من الخارج، وجعلت مهمة توزيعها حصرية عليها، باستثناء برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وبعض المنظمات الإنسانية الغربية، توصل المساعدات إلى النازحين عبر موظفيها، وفق مشرفين ومتطوعين بمراكز الإيواء في بورتسودان.
سلوك علني:
ولم تعد مسألة تسرب الإغاثة إلى الأسواق سراً، فالعديد من الأصناف الغذائية مثل الأرز والسكر ودقيق القمح مطبوع على أغلفتها مجانا والجهات المتبرعة بها، وجدت معروضة في رفوف المتاجر بمدينة بورتسودان ومناطق أخرى، للبيع بمقابل مالي في عدة وقائع، وثقها ناشطون ومتطوعو غرف الطواري.
تكشف سمية أحمد (اسم مستعار لدواعي أمنية) متطوعة في العون الإنساني بورتسودان لـ(عاين) قيام مفوضية العون الإنساني ودوائر أمنية في بورتسودان بمنح شحنات إغاثة إلى زعماء الإدارات الأهلية في منطقة جبيت التي تضم قاعدة كبيرة للجيش السوداني، ومحليات أخرى بغرض كسب ولائهم السياسي لصالح الحكومة الحالية، وإسكات أصواتهم.
وتقول:”تباع الإغاثة في الأسواق، ويخصص بعضها للترضيات السياسية، في حين يواجه النازحون الذين جاءت المساعدات الإنسانية باسماهم، الجوع والعطش داخل مراكز الإيواء في مدينة بورتسودان، وتتوقف حياتهم بشكل تام على المساعدات من المجتمع المحلي والسكان المجاورين للمخيمات، وهي شحيحة مقارنة بالحاجة الفعلية لهم من الطعام”.
وتضيف: “سطات العون الإنساني في الحكومة ترتكب جريمة في حق النازحين، فليس هناك أي مبرر لأن يتعرضوا للجوع في الوقت الذي تتراكم فيه الإغاثة في المخازن، وأخرى تذهب إلى غير مستحقيها”.
aلكن منظمات دولية تتهم الحكومة التي يسيطر عليها الجيش بعرقلة وصول الإغاثة إلى عدد من المناطق في السودان، خاصة إقليمي كردفان ودارفور. وفشلت محادثات بين الجيش والدعم السريع في جنيف مؤخرا كانت تهدف إلى وقف إطلاق نار لأغراض إنسانية، ويجري الترتيب لمحادثات أخرى في سويسرا برعاية أمريكية خلال أغسطس الجاري.
واقع مأساوي:
تقول النازحة حليمة آدم، إنها هربت من منزلها في مدينة بحري شمالي العاصمة السودانية، إلى شندي وبعد أشهر من المعاناة، قررت السفر إلى بورتسودان بحثاً عن وضع معيشي أفضل؛ نظرا إلى وجود مقر الحكومة المركزية، لكنها اصطدمت بواقع أكثر مأساوية في تلك المدينة المطلة على ساحل البحر الأحمر.
وتضيف: “لقد توفي زوجي مع بداية اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتركني مع 7 من الأولاد والبنات، بلا معيل، ومنذ وصولنا إلى بورتسودان، ظللنا نعيش تحت ظروف إنسانية أسوأ، فهناك نقص كبير في الغذاء، حيث توزع علينا مفوضية العون الإنساني حصص محدودة من المساعدات الغذائية لا تكفي حاجتنا إلى يومين”.
وتطلق حليمة مناشدة إلى السلطات المعنية بأن تمنحهم حصصاً كافية من المواد الغذائية، خاصة وأن الإغاثة متوفرة في المخازن حسب علمهم. النازحون في مركز الإيواء الذي تقيم فيه لا يستطيعون شراء احتياجاتهم الغذائية من السوق فهم بلا مصدر كسب مالي في الوقت الحالي، فضلاً عن الغلاء الطاحن في أسعار السلع بتلك المدينة.
وتأوي بورتسودان نحو 239 ألف نازح يقيمون في 34 مركزا وهي عبارة عن مدارس ومؤسسات حكومية، بحسب حصيلة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، صدرت في فبراير الماضي.
وفي مركز إيواء العشي بمدينة بورتسودان والذي يضم مئات الأسر، ظل النازحون لمدة 3 أيام متواصلة بلا طعام في أعقاب سيول جارفة اجتاحت المركز، والتي أدت إلى سقوط بعض الخيام، ولم تحدث أي تدخلات إنسانية، وفق ما نقله “عبد الله” وهو نازح يقيم في المخيم لـ(عاين).
ويقول:”خاطبنا مفوضية العون الإنساني عبر المشرفين في المركز من أجل التدخل وإنقاذ حياتنا، لكنها لم تأتي حتى الآن، لقد سقطت الخيام، وأصبحنا في العراء، حتى المواد الغذائية البسيطة التي كانت بحوزتنا جرفتها السيول، في حين فرضت علينا السلطات الأمنية في المركز تضييقاً كبيراً ومنعتنا من تصوير المعاناة، ورفعها إلى مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويضيف:”لم نتحصل على ما يكفينا من الإغاثة، فهي توزع بعد شهرين، ويكون أغلبها منتهي الصلاحية، وتعرضت للتلف، ربما نتيجة للتخزين الطويل، وهذا سلوك غير مقبول، ويحرمه الدين والقانون، فمن السيء أن تظل المساعدات الإنسانية في المخازن كل هذه المدة، ويوجد آلاف من مستحقيها يعانون الجوع”.
وتابع: “نعيش معاناة كبيرة لا توصف، وأن الأمطار زادت تلك المآسي فصرنا جوعى، وفي العراء بلا إيواء، كما نفتقد المياه الصالحة للشرب، أما الأدوية فهي منعدمة تماما، فهناك العديد من النازحين يعانون أمراضاً مزمنة، ولا يحصلون على حاجتهم من العلاجات المستديمة. إنها مأساة إنسانية لم نشهدها في حياتنا من قبل”.
ومع تطاول أمد الحرب وتعطيل وصول الإغاثة إلى المواطنين المتضررين، ترتفع معدلات انعدام الأمن الغذائي، إذ يوجد 17.7 مليون شخص في السودان يواجهون الجوع الحاد “المرحلة +3 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي”، من بينهم خمسة ملايينٍ شخص وصلوا مرحلة الطوارئ من الجوع “المرحلة الرابعة”، ويتوقع أن يصل 8.5 ملايين شخص قريباً إلى مرحلة الطوارئ كذلك، بحسب منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة.
تسرب الإغاثة للأسواق:
وبحسب سلمى (اسم مستعار لمتطوعة في غرف طوارئ بورتسودان)، فإن مفوضية العون الإنساني ظلت تفرض قيوداً على عمل غرف الطوارئ، وتمنع المنظمات الإنسانية من التعاون معها بحجة أنها غير مسجلة لها، كما تمنع تلك الغرف من دخول دور إيواء النازحين وتوزيع المساعدات التي يجمعونها عن طريق التبرعات الاجتماعية من الخيريين وأصحاب المحال التجارية.
وتقول في حديث لـ(عاين): “لم تكتف مفوضية العون الإنساني بالإغاثة القادمة من الخارج، والتي لم نر لها أي وجود في مخيمات إيواء النازحين في بورتسودان، لكن امتدت يدها لتسيطر على الدعم الاجتماعي المحدود الذي يجمعه المطوعون من السكان المحليين والتجار، إذ طلبت المفوضية تسليمها كل المساعدات الاجتماعية، حتى توزعها على النازحين عبر موظفيها المشرفين على مركز الإيواء.
وتضيف: “هناك فساد وتلاعب واضح في الإغاثة القادمة من الخارج، ونشاهدها في الأسواق بشكل يومي، لا نرى لها أي وجود في مراكز الإيواء في مدينة بورتسودان التي يواجهه النازحون فيها معاناة كبيرة، كما يعانون مشكلات في الإيواء؛ إذ إن الخيام التي يسكنون فيها غير مناسبة لظروف الطقس الحار في بورتسودان، وليس فيها التهوية الكافية، فضلا عن النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب”.
وطلبت (عاين) تعليقا من وزير التنمية الاجتماعية في السودان أحمد آدم بخيت، على ما يتردد بشأن بيع الإغاثة في الأسواق وعدم وصولها مستحقيها، خاصة وأنه ظهر في أكثر من مناسبة، وهو يستقبل شحنات الإغاثة الخارجية في مطار ومواني وبورتسودان، ويقع العون الإنساني تحت سلطاته.
لكن الوزير أحمد آدم بخيت رفض التعليق، وقال: “للأسف لا نستطيع الحديث؛ لأنه نُقِلَت مسؤولية الإشراف على العمل الإنساني لرئاسة مجلس الوزراء، لذا يمكن أن تطرق باب السيد عثمان حسين رئيس المجلس المكلف، ليجيب عن أسئلتك، أو أن تذهب مباشرة إلى المفوض العام لمفوضية العون الإنساني”.
وحرصاً على الحصول على تعليق رسمي على هذه الاتهامات، تواصلت (عاين) مع المفوض العام لمفوضية العون الإنساني في السودان، سلوى آدم بنية، وطلب منها الرد على مزاعم التلاعب بالمساعدات الإنسانية القادمة من الخارج، وتسربها إلى الأسواق وعدم وصولها إلى مستحقيها، ومبررات أن يجوع المتأثرين بالحرب في بورتسودان والمناطق الآمنة في ظل وجود مسارات لوصول الغذاء إليها.
لكنها رفضت التعليق، وقالت إنها “لا تستطيع التحدث؛ لأنها خارج السودان في الوقت الحالي”.
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan