فاطمة لقاوة تكتب : ما بين دماء الغلابة وسجود الزيف: هل يمتلك البرهان شجاعة كشف الحقائق في السودان؟

في السودان حيث تتقاطع المأساة بالعبث، و تقف البلاد على حافة الإنهيار الكامل،تتوالى المشاهد الرمزية و التراجيديا المؤلمة التي تحمل في طياتها الكثير من الدلالات، والقليل جداً من الأفعال الحقيقية.
في الوقت الذي تسيل فيه دماء الأبرياء في المُدن والقرى والفرقان، وتُذبح الإنسانية في الخرطوم وسنار وطُرة وشنقلي طوبايه وغيرها ببراميل المتفجرات الحارقة،وتُقطع الرؤوس ويُعدم الغلابة في وضح النهار بأيادي دواعش يظنهم البعض قد أصابهم مس من الجنون إلاَّ أن في الحقيقة هم مصاصي دماء يجيدون قتل الأبرياء والتمثل بجثثهم،وسط هذة المشاهد الدامية، يظهر عبد الفتاح البرهان،في مشهد “السجود في المطار”، وكأن شيئاً لم يكن.
الرمزية في السياسة ليست أمراً جديداً، ولكن حين تصبح بديلاً عن الفعل، وتُستخدم كأداة لتجميل واقع دامٍ، فإنها تتحول إلى إستفزاز صريح لوعي الشعب.
صورة البرهان وهو يسجد على أرض مطار الخرطوم بعد دخوله، لم تكن مشهداً عابراً، بل رسالة مشحونة، أراد بها الرجل القول إنه “استعاد الأرض”، أو “انتصر”. لكن أي نصر هذا، والشعب يدفن أبناءه تحت الركام ،ويبحث البعض عن لقمة الخبز في العراء؟أي نصر وقد خرج البرهان مهرولاً في ساعات متأخرة من الليل نحو بورتسودان، بعد أن ظل متخفي عن الأنظار لأكثر من أربعة أشهر؟أي نصراً والمواطن يُقتل ويُذبح وسط التهليل والتكبير كما أوحى البرهان لدواعشه بذلك يوم أن ذبح أمامهم البطيخة.
البرهان لا يملك شجاعة شخصية تمكنه من الثبات في المعارك لذلك خرج صاغراً بعد إشعاله للحرب،وهو اليوم أيضا لا يمتلك الشجاعة الآدبية للحديث عن “كشف الحقائق”.
البرهان، بحكم موقعه، يعلم تفاصيل دقيقة عن ما يدور في دهاليز الحرب التي أشعلها رؤوس الشياطين الثلاثة -(البرهان والكباشي والعطا)- ومن معهم من دواعش الحركة الإسلاموية الذين أقصاهم الشعب في ثورة ديسمبر المجيدة.
البرهان هو من هندس التحالفات و التمويل، و أمر بالانتهاكات وساهم في الصفقات التي بينت الأطماع الخارجية وجعلت مِصر وإيران وغيرها من الدول تتلاعب بمصير الشعب السوداني ، أيضاً البرهان هو جزءاً من تلك المنظومة التي أطالت أمد الحرب وشردت الشعب السوداني وعمقت مأساته، لذا فإن السؤال الأهم ليس: هل يستطيع؟ بل: هل سيفعل؟ وهل لديه الإستعداد ليُدين نفسه ومن حوله؟.
هُناك سؤال أخر جوهري ما زال في خاطري منذ لحظة إنطلاق أول رصاصة غاشمة في المدينة الرياضية ومن ثم تم الغدر بقوات الدعم السريع المفوجه في معسكرات سُركاب:هل البرهان أسير أم شريك؟
منذ إندلاع الحرب في أبريل 2023، بدأ واضحاً أن قيادة الجيش ليست كتلة واحدة متماسكة، بل شبكة مصالح وأجندات،والبرهان، إن لم يكن العقل المدبر، فهو على الأقل الراعي الرسمي للمرحلة،ولكن هناك تقاطعات بينه وبين رؤوس الشياطيين الأخرين،وظهر ذلك في التراشقات التي يتم إحتواءها ولكنها نأر هشيم لن تنطفي.
وإن كان البرهان يسعى لتقديم نفسه كقائد وطني، فعليه أن يبدأ أولاً بكشف ما دار خلف الكواليس منذ اليوم الأول للصراع:
• كيف وصلت الأمور إلى هذه المرحلة؟
• من سلّح مليشيات البراؤؤؤؤن ومن غض الطرف؟
• ماذا عن الدور الإقليمي؟
• ولماذا هرب البرهان من القيادة والقصر؟! بل لماذا أدار الحرب بطريقة لتلتهم الوطن بأكمله؟و لماذا يحاول دواعش بورتسودان جر البلاد نحو آتون الحروب الأهلية؟
البرهان اليوم أمام خيارين:
• أن يستمر في العروض المسرحية، ويكسب دقائق إضافية في سُلطة متهالكة.
• أو أن يواجه الحقيقة، ويقول ما يعرفه، ويبدأ مصالحة مع الشعب والتاريخ، حتى لو كان الثمن باهظاً.
ففي لحظة تاريخية كهذه، لا يكفي السجود على الأرض، بل ينبغي الركوع أمام ضمير الوطن، والإعتراف بأن ما يحدث ليس قدراً، بل صناعة بشرية – شارك فيها من في الحكم بقدر ما شارك فيها من حمل السلاح، وحرض ودبر من أجل الحفاظ على إمتيازاته أو بدافع العودة لكرسي السلطة.
ولنا عودة بإذن الله.