قراءة في ميثاق السودان التأسيسي: قفزة دستورية وحقوقية وسياسية نوعية

قراءة في ميثاق السودان التأسيسي: قفزة دستورية وحقوقية وسياسية نوعية
علي أحمد
بحضور وتوقيع (24) كيانًا وحزبًا سياسيًا وحركةً مسلحةً وتحالفًا وقوى مدنيةً ونقابية، وبمشاركة فاعلة من قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة القائد عبد العزيز الحلو، أُسدِل الستار على اجتماعات أكبر تجمع مدني سياسي وحلف عسكري في تاريخ السودان الحديث.
بدأ التأسيس في العاصمة الكينية نيروبي، بقاعة المناضل الإفريقي العظيم جومو كنياتا، بما لهذا الاسم من رمزية ودلالة نضالية وتأثير روحي عميق في نفوس الأفارقة عامة، والثوار من أجل العدالة والإنسانية في العالم قاطبة.
تم أمس تدشين “تحالف السودان التأسيسي”، وإجازة والتوقيع على “ميثاق السودان التأسيسي”، والإقرار بتشكيل “حكومة السلام”.
نظرة عامة:
يقع الميثاق في 16 صفحة، ويتكون من ديباجة وبابين وجدول بالموقعين عليه. خُصِّص الباب الأول للمبادئ العامة، فيما جاء الثاني تحت عنوان “دواعي تشكيل حكومة السلام الانتقالية”. أقر الميثاق تأسيس دولة سودانية جديدة على أسس عادلة ومستدامة، بجانب الوحدة الطوعية للسودان أرضًا وشعبًا، كما أكد على وحدة المصير المشترك للشعوب السودانية، وبناء دولة علمانية ديمقراطية يتحقق فيها العيش الكريم والاستقرار والتنمية، مع القضاء على الفقر والجوع والمرض والجهل والتمييز والتهميش.
لفت الميثاق إلى أن انقلاب 25 أكتوبر 2021، والحروب الأخرى، تسببت في كوارث إنسانية غير مسبوقة، من إزهاق للأرواح، وإهدار للموارد، وتشريد للملايين، وتدمير للبنية التحتية، وقطع للخدمات الأساسية عن المدنيين، بالإضافة إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والماء. كما أثنى على التضحيات العظيمة للشعوب السودانية ومقاومتها الصلبة للاستبداد والظلم.
نظام الحكم والدستور والجيش:
يتكون الفصل الأول من الميثاق، المعنون بـ “المبادئ العامة”، من (25) بندًا، تعبر جميعها عن روح الثورة السودانية وأحلام الشعوب السودانية المهمشة، التي تخوض نضالًا طويلًا ومستمرًا ضد الأنظمة النخبوية المركزية الاستبدادية الفاسدة.
أقر الميثاق صراحة، ودون لبس أو غموض، مبدأ الوحدة الطوعية، وسيادة الدولة على كامل أراضيها ومواردها الطبيعية ومياهها الإقليمية، وأن الشعوب السودانية هي المالكة الأصيلة للسيادة الوطنية والمصدر الأساسي للسلطة. كما ثبَّت علمانية الدولة ولا مركزيتها، على أن تقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وألا تنحاز إلى أي هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية، مع الاعتراف بالتنوع والتمثيل العادل لجميع مكونات المجتمع. كما كفل حق تقرير المصير للشعوب السودانية، حال عدم إقرار العلمانية كمبدأ فوق دستوري في الدستور الحالي أو الدستور الدائم.
من أهم ما ورد في الميثاق
- تأسيس نظام حكم لامركزي (فيدرالي) يعترف بالحق الأصيل لجميع الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية، مع تمثيلها على المستوى القومي.
- إقرار نظام حكم ديمقراطي تعددي.
- تأسيس جيش وطني بعقيدة عسكرية جديدة تقوم على القومية والمهنية، يعكس التعدد والتنوع، ويخضع للرقابة والسيطرة المدنية، مع خلوه من الولاءات الحزبية والأيديولوجية، وألا يتدخل في الشؤون السياسية أو الاقتصادية، بحيث تقتصر وظيفته على حماية البلاد والنظام الدستوري.
الشرطة والمخابرات :
أفردت الوثيقة بندين كاملين للشرطة والمخابرات:
- الشرطة: أكدت الوثيقة ضرورة وجود شرطة مهنية تعكس التنوع في تشكيلاتها، على أن تلتزم بالحيادية والاستقلالية، وألا تنحاز جهويًا أو أيديولوجيًا أو سياسيًا أو قبليًا، مع اقتصار مسؤولياتها على حماية المواطنين ومؤسسات الدولة، وتنفيذ القانون، وصون النظام الديمقراطي، وضمان احترام حقوق الإنسان.
- المخابرات: أُنيطت بها مهام جمع وتحليل المعلومات وتقديمها للجهات المختصة لحماية أمن السودان الداخلي والخارجي، على أن تلتزم بالمعايير ذاتها المفروضة على الجيش والشرطة.
التعليم والمواطنة والحريات:
شدد الميثاق على:
- إعادة صياغة المناهج التعليمية بما يعكس التنوع التاريخي والمعاصر للسودان.
- إعادة كتابة التاريخ وفق منهج تربية وطنية يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي لجميع الشعوب السودانية.
- إقرار مبدأ المواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات، والاعتراف بالتنوع الإثني والديني واللغوي والثقافي.
- جعل العاصمة القومية مرآةً للتنوع السوداني، تعكس قيم المواطنة والتعدد.
حقوق الإنسان وحسن الجوار:
كفل الميثاق الحريات وفقًا للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، بما يشمل:
- حرية العمل النقابي والطوعي، والتجمع السلمي، وحرية التعبير، والحصول على المعلومات والإنترنت.
- مبادئ تكافؤ الفرص، والعدالة، والمحاسبة التاريخية، وعدم الإفلات من العقاب.
- استقلالية القضاء، والالتزام بالعمل السياسي السلمي، وتمكين المرأة وضمان مشاركتها في أجهزة الدولة.
- انتهاج سياسة خارجية متوازنة تقوم على المصالح المشتركة وحسن الجوار، مع مكافحة التطرف والإرهاب العابر للحدود، والالتزام بالاتفاقيات الدولية.
حكومة السلام:
في الباب الثاني، حدد الميثاق دواعي تشكيل “حكومة السلام” في عدة نقاط، أبرزها:
- إنهاء الحروب وتحقيق السلام الشامل والعادل.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، حيث يواجه أكثر من 25 مليون سوداني أزمة غذائية حادة، ونحو 8 ملايين يرزحون تحت مستويات الطوارئ.
- الحفاظ على وحدة السودان الطوعية، وحماية المدنيين، واستعادة الحقوق الدستورية لجميع المواطنين.
- إعادة مسار الحكم المدني الديمقراطي، وإنهاء تعدد الجيوش، وتأسيس جيش جديد.
- إصلاح النظام الاقتصادي والمصرفي، واستعادة مكتسبات المرحلة الانتقالية.
الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب:
أشار الميثاق إلى أن حكومة بورتسودان تمثل تهديدًا غير مسبوق للأمن والسلم الدوليين، من خلال:
- المساومة بأمن البحر الأحمر، وابتزاز الدول للحصول على مساعدات عسكرية.
- إقحام البلاد في سياسة المحاور الدولية والإقليمية، وإعادة العلاقات مع دول لها مشكلات عسكرية مع دول الجوار.
- إعادة نظام الحركة الإسلامية إلى الحكم، والسماح لمنظمات إرهابية بممارسة أنشطتها داخل السودان.
- تحويل السودان إلى معبر للهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
- أزمة اللجوء: حيث لجأ ملايين السودانيين إلى دول الجوار، مما شكل عبئًا كبيرًا عليها، وعرض اللاجئين لمخاطر إنسانية جسيمة.
لذلك، تأسست حكومة السلام لضمان عودة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية بكرامة وأمان في أقرب وقت ممكن.