رئاسة “إيكاس” يهدد آمال السلام شرق أفريقيا .. تجدد التوتر بين الكونغو ورواندا

وكالات – بلو نيوز
في مشهد جديد يعكس هشاشة العلاقات بين كينشاسا وكيغالي، اندلع توتر دبلوماسي حاد بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، بعدما عرقلت الأولى تولي الأخيرة للرئاسة الدورية للمجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكاس)، مما ينذر بتقويض مساعي السلام المتعثرة شرق الكونغو، ويضع الحوار الإقليمي والدولي على المحك.
القرار المفاجئ اتخذ خلال اجتماع للمجموعة في مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، حيث اصطدمت نية تسليم الرئاسة إلى رواندا برفض صريح من الكونغو الديمقراطية وحليفتها بوروندي، وسط أجواء وُصفت بأنها “متوترة”، وفقاً لما نقله مسؤول في إيكاس لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”. وبموجب القرار، ستواصل غينيا الاستوائية قيادة التكتل لمدة عام إضافي، في وقت لم تُخفِ فيه كيغالي امتعاضها، ملوّحةً بالانسحاب من المجموعة التي تضم 11 دولة.
رواندا رأت في الخطوة “انتهاكاً لحقوق الدولة العضو واستغلالاً سياسياً للمؤسسة الإقليمية”، في حين اعتبر مراقبون أن هذا التصعيد ينذر بتدهور جديد في العلاقات الثنائية المتوترة أصلاً، والتي تشوبها اتهامات متبادلة بشأن دعم التمرد في شرق الكونغو، ونهب الثروات المعدنية.
سلام هش ومفاوضات على المحك
هذه الأزمة الدبلوماسية تأتي في توقيت بالغ الحساسية، إذ تزامنت مع تقديم وسطاء قطريين مقترحاً جديداً للسلام إلى حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة “إم 23” المتمردة، بينما تعوّل واشنطن على اتفاق مرتقب نهاية يونيو الجاري، قد يمهّد الطريق لاستثمارات أميركية في قطاع المعادن الحيوية، مقابل تهدئة النزاع الذي يهدد استقرار المنطقة.
الخبير في الشأن الأفريقي محمد تورشين يرى أن ما جرى في قمة “إيكاس” يعكس “فقداناً عميقاً للثقة بين الكونغو ورواندا”، ويضع مبادرات السلام أمام اختبار صعب، مضيفاً أن “الانسداد السياسي قد يتعمّق مع كل خطوة تصعيدية، مهما بدت رمزية”.
أما المحلل التشادي صالح إسحاق عيسى فيقرأ في عرقلة تسلم كيغالي رئاسة “إيكاس” رسالة سياسية واضحة من كينشاسا، مفادها أن رواندا لا يمكن أن تلعب دور القيادة في ظل اتهامها بدعم جماعات مسلحة تهدد أمن دولة عضو في المجموعة، محذراً من أن انسحاب كيغالي من التكتل “قد يفتح الباب أمام تحركات أحادية، وربما تصعيد ميداني جديد”.
صراع نفوذ دولي وخيارات محدودة
الصراع في شرق الكونغو لم يعد قضية محلية، بل بات ساحة لتقاطع مصالح دولية وإقليمية، فبينما تدعم واشنطن جهود نزع فتيل الأزمة وتعزيز استقرار سلاسل التوريد لموارد مثل الكوبالت والذهب، تسعى رواندا لحماية مصالحها الجيوسياسية، وترى في تهميشها من الأطر الإقليمية تهديداً لدورها.
وتتهم كينشاسا كيغالي بتهريب المعادن عبر الحدود وتمويل المتمردين، فيما تنفي رواندا هذه الاتهامات وتؤكد التزامها بالحلول السلمية، رغم المؤشرات المتزايدة على تعزيز وجودها الأمني في المناطق الحدودية.
ويشير تورشين إلى أن “تكرار محاولات الوساطة، سواء من قطر أو أوغندا أو الاتحاد الأفريقي، يصطدم بحقيقة مؤلمة: لا يمكن بناء سلام دائم في ظل تصدع الثقة السياسي، واتساع رقعة التوترات الإقليمية”.
احتمالات مفتوحة وقلق دولي
في ظل هذا المناخ المشحون، تبدو فرص التوصل إلى اتفاق دائم أكثر هشاشة من أي وقت مضى. ومع دخول الملف على طاولة واشنطن، التي تسعى إلى كبح النفوذ الصيني وتثبيت نفوذها في مناطق النزاع الأفريقية، قد تشكّل الأشهر المقبلة لحظة حاسمة.
لكن، وكما يقول إسحاق عيسى، فإن “الإرادة السياسية الغائبة، والانزلاقات الرمزية مثل ملف رئاسة رواندا لإيكاس، قد تحوّل مسار المفاوضات من فرصة للسلام إلى نفق جديد من التصعيد”، داعياً الأطراف الدولية إلى ممارسة ضغوط حقيقية للحفاظ على المسار الدبلوماسي ومنع انزلاق المنطقة إلى دوامة جديدة من العنف.
في النهاية، ما بدا في الظاهر أزمة بروتوكولية داخل منظمة إقليمية، قد يتحوّل إلى كرة لهب تهدّد استقرار منطقة شديدة التوتر، وتُعيد الشرق الكونغولي إلى واجهة الصراعات الدولية، إذا لم يتم احتواء التصعيد سريعاً.