روسيا تراوغ العقوبات وتغرق غرب أفريقيا بالأسلحة: “فيلق أفريقيا” يعيد تشكيل خريطة النفوذ العسكري في القارة

وكالات – بلو نيوز
في خضم انشغالها بالحرب الدامية في أوكرانيا، تُواصل روسيا تحركاتها التوسعية بصمت على جبهة أخرى أقل صخبًا ولكن لا تقل أهمية: القارة الأفريقية. فقد كشفت تحقيقات أجرتها وكالة “أسوشييتد برس” أن موسكو تُهرّب أسلحة ثقيلة ومعدات متطورة إلى دول أفريقية عبر شبكة معقّدة من السفن الخاضعة للعقوبات، في تحدٍ مباشر للإجراءات الغربية الرامية إلى خنق آلة الحرب الروسية.
وبحسب صور أقمار صناعية وتحليل إشارات ملاحية، تتبعت الوكالة قافلة من السفن الروسية — من بينها سفينتا “بالتيك ليدر” و “باتريا” وهي تشق طريقها من بحر البلطيق إلى ميناء كوناكري في غينيا، مُحمّلة بدبابات، ومدافع هاوتزر، ومعدات تشويش إلكتروني، ومركبات مدرعة روسية الصنع.
المفاجئ أن هذه الشحنات الضخمة لم تُرسل إلى دولة في حالة حرب نظامية، بل لتغذية صعود قوة غامضة تُعرف بـ”فيلق أفريقيا”، وهي وحدة سرية تابعة للجيش الروسي، تتولى موسكو من خلالها إحلال نفوذها العسكري والاستخباراتي المباشر في دول الساحل الأفريقي، في ظل انسحاب متزايد للقوات الغربية من المنطقة.
الفراغ الذي تركته باريس وواشنطن، تملؤه موسكو
مع انسحاب فرنسا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر إثر سلسلة انقلابات، ومع تقليص الحضور الأميركي، وجدت روسيا في هذا الفراغ الأمني فرصة مثالية. وبحسب مسؤولين عسكريين أوروبيين، فإن الأسلحة الروسية التي تُنقل إلى مالي تُستخدم مباشرة من قبل “فيلق أفريقيا”، وليس فقط من الجيش المالي.
وقد وثقت صور أقمار صناعية قوافل مدرعات روسية، بما فيها ناقلات جنود “BTR-80” ومركبات “سبارتاك”، وهي تتجه من غينيا إلى العاصمة المالية باماكو، برًا، في عمليات لوجستية ضخمة تؤكد حجم التنسيق الروسي العابر للحدود.
من فاغنر إلى فيلق الكرملين: إعادة تموضع بنكهة استخباراتية
وفيما بدأت مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية، التي طالما كانت الذراع غير الرسمي للكرملين في أفريقيا، تفقد موقعها بعد تمردها الدموي ومقتل زعيمها بريغوجين، تولّت وحدة 29155 التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية الإشراف المباشر على العمليات، بحسب الاتحاد الأوروبي، الذي فرض عقوبات على قائدها اللواء أندريه أفيريانوف.
ويبدو أن “فيلق أفريقيا” لم يأتِ فقط بأسلحة، بل بميزانية تجنيد ضخمة أيضًا، حيث تُقدّم روسيا عروضًا مغرية للمرتزقة، تشمل مبالغ تصل إلى 26 ألف دولار وقطع أراضٍ مقابل الانضمام إلى الفيلق الذي تحوّل بسرعة إلى أداة رئيسية لموسكو في أفريقيا.
أمن مقابل موارد: استراتيجية موسكو الجديدة
ويجمع مراقبون على أن روسيا تستخدم “فيلق أفريقيا” ليس فقط لترسيخ نفوذها العسكري، بل أيضًا لضمان وصولها إلى الموارد الطبيعية الثمينة، تمامًا كما فعلت “فاغنر” سابقًا في السودان وأفريقيا الوسطى، حيث نُشرت القوات الروسية مقابل امتيازات تعدين.
وفي وقت تُعاني فيه حكومات المنطقة من تصاعد هجمات الجماعات المتشددة، تسوّق روسيا نفسها كـ”المنقذ العسكري” — مستعدة لتقديم الدعم الأمني السريع، ولكن بثمن جيوسياسي باهظ.
المعادلة الجديدة: قارة على صفيح ساخن
في ظل تراجع النفوذ الغربي، وتنامي الغضب الشعبي من القوى التقليدية، تُعيد روسيا رسم المشهد في أفريقيا بأسلوب هجومي يجمع بين العسكرة، والسرية الاستخباراتية، والصفقات الاستراتيجية. ومع استمرار وصول قوافل الأسلحة، يبدو أن “فيلق أفريقيا” سيلعب دورًا متناميًا في مستقبل القارة المضطرب.
ويبقى السؤال المطروح: هل نشهد ميلاد جبهة باردة جديدة بين الغرب وروسيا، ولكن هذه المرة على تراب أفريقيا؟