بدين عبدالله ديان: حكومة تصنع المستقبل لشعوبها بشعار (نعم لدنيا قد عملنا)

99
بدين عبدالله

بدين عبدالله ديان

[email protected]

في ليلة بائسة من أواخر القرن العشرين، شهدت السودان انقلاباً غيّر مسار تاريخها. ففي 30 يونيو 1989 استيقظت الشعوب السودانية على فجرٍ مشؤوم، حين نفّذت الحركة الإسلامية بقيادة الجبهة الإسلامية وزعيمها حسن الترابي، وبواسطة مجموعة من الضباط بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير، انقلابها الدموي. وقد ارتبط ذلك الانقلاب منذ ساعاته الأولى بالخراب والإبادة، لكنه صدق في شيء واحد فقط: شعاره الشهير “لا لدنيا قد عملنا”.

ذلك الشعار لم يكن مجرد كلمات، بل كان إعلاناً صريحاً بأنهم لن يعملوا من أجل دنيا السودان ولا من أجل ازدهارها وخدماتها. فدخلت البلاد في ظلام دامس، وضاعت أحلام الشعوب السودانية التي كانت تتطلع إلى الخبز، والتعليم، والغد الأفضل. أصبح المواطنون ضحايا لشعارٍ سلبي جعل الوطن مسرحية هزلية بطلها الفشل ومخرجها الطمع ونهب الأموال.

الحركة الإسلامية… مشروع تخريب لا بناء

الحركة الإسلامية لم تؤمن يوماً بالدولة الوطنية، ولا بخدمة مواطنيها، بل كانت حركة توسعية عابرة للحدود. عملت على تدمير مؤسسات السودان وتحويلها إلى أدوات تابعة لها، حتى المؤسسة العسكرية أصبحت ذراعاً لمشروعها. ومع شعار “لا لدنيا قد عملنا” عمّقت الانقسام، غذّت الحروب الأهلية، واعتبرت الديمقراطية كفراً، فصار الوطن رهينة تنظيم عالمي على حساب معاناة الشعوب السودانية.

منذ لحظة الانقلاب، تم تصوير السلطة وكأنها “مشروع ديني” لإقامة دولة إسلامية نموذجية. لكن الحقيقة أنها كانت مشروعاً للهيمنة والسيطرة على موارد الدولة ومقدراتها. والنتيجة: خراب اقتصادي، خصخصة عشوائية، انهيار الخدمات، وفقر يطحن الناس حتى اليوم.

ميلاد حكومة التأسيس

من رحم تلك المأساة، برزت فكرة حكومة التأسيس؛ حكومة خدمية هدفها إعادة الاعتبار للشعوب السودانية المقهورة والمهمشة. كما قالها رئيس المجلس الرئاسي محمد حمدان دقلو، وأكدها القائد عبدالعزيز آدم الحلو، ورددها رئيس الوزراء محمد حسن التعايشي: إنها حكومة لخدمة الشعوب السودانية ومحاربة التهميش.

إن شعار “نعم لدنيا قد عملنا” يمثل تحولاً جوهرياً من عقلية النهب إلى عقلية البناء، ومن سلطة القمع إلى سلطة الخدمة. إنها دعوة لتأسيس مؤسسات تقوم على العدالة، الشفافية، والكفاءة، وتلبي حاجات الشعوب السودانية في التعليم، الصحة، البنية التحتية، وفرص العمل.

نعم لدنيا قد عملنا

الحكومة الخدمية تضع المواطن في قلب رسالتها، وتجعل من الخدمة غايتها لا وسيلة للهيمنة. هي حكومة تدرك أن النهضة لا تبنى بالأماني والشعارات، بل بالعمل الجاد، التضحية، والتكاتف بين الدولة والمجتمع.

نعم لدنيا قد عملنا تعني الانتقال من دولة عسكرية بيروقراطية مثقلة بالقيود، إلى إدارة حديثة مرنة تُسهّل حياة الناس، وتحوّل الوعود إلى إنجازات ملموسة. هي حكومة تقرّ بأن النهوض ممكن، وأن السودان يستحق حياة كريمة وآفاقاً أرحب.

حكومة خدمية علمانية

الحكومة الخدمية الحقيقية هي حكومة علمانية تفصل الدين عن السياسة، لتبقى السياسة أداة للبناء، ويظل الدين لله بعيداً عن التوظيف. هي حكومة تعتمد على العقول السودانية، وتؤمن أن التنمية تُبنى بالعلم، العرق، والمثابرة، لا بالخطابات الفارغة.

إنها حكومة تحارب البطالة، تفتح أبواب العمل، توفر تعليماً راقياً، ورعاية صحية شاملة، وتبني بنية تحتية تليق بالشعوب السودانية. حكومة تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتجعل الأخير شريكاً أصيلاً في البناء.

نحو مستقبل مشرق

إن نعم لدنيا قد عملنا ليست شعاراً فقط، بل رؤية لمستقبل أفضل تُكتب فصوله بجهود السودانيين جميعاً. إنها تعني أن العلاقة بين الدولة والمواطن تقوم على الشراكة والثقة، وأن إنجاز كل فرد يجد صدى في سياسات الدولة وقراراتها.

فلنرفع جميعاً هذا الشعار:

نعم للحكومة الخدمية، نعم لدنيا قد عملنا… من أجل شعوب سودانية حرة، كريمة، ومزدهرة.

About The Author

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com