سليمان مسار يكتب: ما “يوحدنا” هو جرح سيف بنى أمية.

38

يقال أن عبدالحميد الكاتب وكان يعمل لدى مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية بالشام أرسل إلى أبى مسلم الخرسانى قائد جيوش الثوار العباسيين رسالة طويلة جدآ لدرجة أن رقاق الجلد الذى كتبت عليه حملت على جمل، وكان هدف عبد الحميد أن توقع بلاغته الشقاق بين صفوف الثوار فهم فرس وعرب والعرب منقسمون إلى سنة وشيعة،بل وبعضهم خوارج وهم قد خرجوا على بنى أمية دون أن يتفقوا على بديل واضح لهم لأن أهواء الثوار كانت مختلفة،بعضهم يرى أن الإمامة حق لأبناء الحسين بن علي بن أبي طالب وبعضهم يرى أنها حق لأخيه الحسين وفريق ثالث يرى أنها حق لبنى هاشم عامة وبعضهم يرى أن بنى العباس أولى. أما قائد الجميع فمولى فارسى كان يأتى بالطعام للمساجين الهاشميين فى سجون بنى أمية،وليس ذا عصبية أو قبلية تضمن له ولاء الناس.

فلما وصلت رسالة عبدالحميد الكاتب إلى أبى مسلم الخرسانى أمر أبى مسلم أن تحرق الرسالة بالنار قبل أن تقرأ ،وأخذ طرفا منها على قدر حدوة الحصان وكتب عليها بيتا من الشعر مطلعه :

محى السيف أصدار البلاغة وانتحى *عليك ليوث الغاب من كل جانب ،ثم أمر الرسل بإعادتها إلى عبدالحميد. لم يفسر أكثر المؤرخين البيت لأنهم إعتبروا أن معناه واضح،فأبومسلم يقول أن السيف أى القوة العسكرية معه ، وأن بلاغة عبدالحميد لن تثنيه عن عزمه وأن الأسود من بنى العباس قد أقبلوا على بن مروان لينزعوا ملكه ولا مرد لذلك.

فقد يكون السيف المقصود هنا هو سيف بنى أمية أى جرائم بنى أمية ضد بنى هاشم وضد الناس عموما تمحو سطور بلاغة كاتبهم، فالغضب المكنون فى صدور الناس لما تراكم من جرائمهم يمنعم من تلقى بلاغتهم وقراءة رسائلهم،فما خطه بنى أمية بالسيف يمحو ماخطه كاتبهم عبدالحميد بالقلم، فكلهم جرحهم سيف بنى أمية فلن يفرق بينهم أصدار البلاغة.

إن إجماع الناس على هدف أو سردية أو عقيدة أو فكرة ما قد يحل محل القيادة المركزية لهم،فتملى الفكرة على الناس تصرفهم بدلا من أن يأمرهم بذلك أى قائد أو خطيب مفوه.

فالثورة كالعقيدة فالناس يثورون مختارين لا مجبرين فإن كانوا كذلك فإنهم لا ينكسرون بإنكسارها وهذا قد يقود أحيانآ إلى إنهيار الثورة وذلك لغياب القائد،لأن نجاح أى ثورة يحتاج إلى قائد ذو كاريزما وإلهام لمن حوله ،وهذا ماتتميز به ثورة ١٥ أبريل المجيده وهى تتميز بقائد فذ وذو عقيدة قتالية وكاريزما بين جنوده أى الثوار،قل مايجود بها الزمان.

وإذا أمعنا النظر إلى كل الثورات عبر التأريخ نجد أن نجاحها وبلوغها إلى هدفها المنشود يتمحور حول القيادة الملهمة والرشيدة والتى تؤمن بقضيتها التى ثارت من أجلها وهذا مايتوفر فى قائد هذه الثورة ألا وهو قائد قوات الدعم السريع،الذى ألهم كل أبناء الشعب السوداني وجعلهم يلتفون حول هذه الثورة،بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وتناسوا تناحرهم واختلافهم الفكرى والسياسى والعقدى والقبلى ،لأن سيف الإنقاذ قد طالهم جميعا من قتل وتنكيل وتشريد وعنصرية بغيضة قد عمت جميع أرجاء هذا الوطن.

ومانقصد به سيف الإنقاذ أو الجبهة اللإسلامية أيضا هوغلوها وفجورها فى الخصومةلكل من خالفها الرأى.

وهذا ما أوضحت ملامحه ثورة أبريل والتى نادت بالإصلاح العسكرى وهيكلته وفق المعايير التى تكفل لكل أبناء الأقاليم حقهم فيها دون من أو أذى،وكذلك نادت هذه الثورة العظيمة بالتوزيع العادل للثروة والسلطةوالتى كانت حكرا فقط لأبناء رقعة جغرافية بعينها ولم يكن لأبناء الهامش سوى الترميز التضليلى فى هذه المؤسسات المأفونة والمليئة بالحقد والكراهية والتى بدورها خرجت قاده عسكريين ذو عقدة ونقص يشعرون به منذ تخرجهم من المؤسسات العسكرية المعطوبة.

إن ثورة ١٥ أبريل أيضا قد كشفت لنا سوءة مايسمى بالقوى السياسية أو الأحزاب والتى بدورهالم تكن سوى واجهات لإثنيات وعرقيات بعينها وهى أيضا قد ساهمت مساهمة كبرى فى عطب الدولة منذ نشأتها.

وهذه الثورة العظيمة قد وحدت كل من طاله جرح سيف النخب النيلية المأفونه والتى لم ترتقي أبدا إلى مصاف القوى السياسية الوطنية القوميه…

لذا وحدت هذه الثورة كل من ظلم وطاله ذلك الجرح العميق والذى لم يندمل بعد.

لذا نجد أن كل أبناء الشعب السوداني قد إلتف حول هذه الثورة إلا من أبى وارتهن إلى جلاده وهذا شئ بديهى لأن البعض يرى أن التحرر جريمة لاتغتفر،ولكن حتما هؤلاء سيعودون إلى الرشد والوعى الذى تطالب به هذه الثورة الأبية. وحتما ستنتصر الثورة وتصل إلى مبتغاها دون كلل أو ملل مادام يؤمن بها من إلتف حولها وستحقق مبتغاها النبيل.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *