بشري احمد على: تحليل “خطاب” القائد حميدتي.!!
تحليل “خطاب” القائد حميدتي.!!
الاستاذ بشري احمد على.
خطاب ” حميدتي “.
هو خطاب موجه للخارج والداخل للخارج هو يتحدث عن تدخلات وأطراف إقليمية لها دور في تمديد زمن الحرب وإطالتها دون النظر للمعاناة الإنسانية التي يمر بها السودانيون ، ومن بين تلك الأطراف التي ذكرها كانت مصر والتي شارك طيرانها الحربي بفعالية في قصف قوات الدعم السريع في منطقة جبل موية وفي غرب السودان
ومصر تقدم نفسها للعالم بأنها منبر إقليمي ودولي يشجع على حل الأزمات السياسية عن طريق الحوار كما تفعل بالنسبة لحرب غزة ، ومشاركتها في الحرب الأهلية في السودان بدعم طرف في الحرب على الآخر يخلع عنها ذلك الثوب البهيج ويسبب لهاً إحراجاً دولياً خاصة أنها كررت ذلك في الصومال حيث قدمت للحكومة هناك اسلحة وذخائر لتقوى شوكتها ضد حكومة أرض الصومال الإنفصالية.
وبذلك تحولت مصر لشرطي في شرق أفريقيا يرسم الحدود ويعلي المصالح القومية المصرية دون الإكتراث للنتائج الكارثية التي تخلفها الحروب ، ومن أجل مصالحها المائية دعمت مصر قوات الإسلاميين في السودان ، ثم إرتحلت شرقاً لتشعل الصراع الصومالي – الصومالي ، ثم محصلة ذلك حصار اثيوبيا ومعاقبتها على مشروع سد النهضة.
ويذهب خطاب حميدتي إلى إحراج قوى الحرية والتغيير المقيمة في القاهرة والتي يقيدها أمر تجديد جوازات السفر والإمتثال لشروط الإقامة المصرية ، وهذه القوى لا تستطيع الإشارة إلى الدور المصري السالب في السودان ناهيك أن تتحدث عن قصف الطيران المصري للمدن والقرى السودانية .
ردت وزارة الخارجية المصرية بسرعة وبطريقة مرتجلة على خطاب حميدتي ، وكانت لغة الخطاب ركيكة يبدو أنه شابها الإستعجال بسبب التهمة الخطيرة ونفت تهمة المشاركة في الحرب ولكن مفردات الخطاب كانت عدائية ووصفت قوات حميدتي بأنها مليشيا تحارب الدولة ، وقد ذكرت في مقدمة المقال أن هذه القضية تشكل حساسية لمصر والتي ترأس الدورة الحالية للإتحاد الأفريقي، وتدخلها في الحرب السودانية يضعف مكانتها الدولية ويفقدها المصداقية لطرف من المفترض أن يلتزم الحياد ، وهي بلد تعتمد على المساعدات والقروض الدولية والتي تشترط تقييد صرف الدولة ومراجعته ، بالإضافة أن موقفها من حرب السودان سوف يجعلها في مواجهة مع عواصم أفريقية مرحبة بحميدتي كرجل له مستقبل سياسي وعسكري في السودان .
الأمر الآخر الذي اشار إليه حميدتي هو الحرب على الحواضن ، فمثلاً الطيران المصري يتجنب قصف قواته المرابطة بالقرب من ولاية نهر النيل حتى لا يحدث خسائر حتى ولو كانت بشكل غير مقصود ، ولكنه في دارفور غير مقيد بأهداف محددة ولا يفرق بين مدني وعسكري ، ويستهدف حتى الماشية والمحاصيل وأبار مياه الشرب.
فالمشروع المصري في السودان يسعى لفصل الولايات التي تجمع المياه لنهر النيل وفصلها عن ولايات غرب السودان ، وهذه الخطة تتطلب تحويل مشروع حميدتي إلى حركة مطلبية مناطقية يُمكنها لاحقاً المشاركة السياسية في الحكم عن طريق حصة تقتسمها مع قوات المشتركة ، بينما يظل الجزء المتبقى من الدولة هو الحديقة الخلفية وخزان مياه تملكه الدولة المصرية وهذا المشروع لا يختلف عن الورقة الإقتصادية التي قدمها آدم سميث الإسلاميين وهو عبد الرحيم حمدي والذي حدد أضلاع المثلث الشهير بمثلث حمدي والذي يمر بمدن الأبيض وبورتسودان ودنقلا ، وفكرة مثلث حمدي قائمة على الإهتمام بـأقاليم محددة في السودان تتركز بها الثروات من ذهب وبترول ومحاصيل مع تجاهل الجنوب وغرب السودان ..
تداعيات الخطاب:
وخلال متابعتي ورغم ظروف السفر وجدت أن معظم المحلليين المصريين يعتبرون أن الحرب في السودان قد إنتهت الآن بإنتصار الجيش ، وشاطرهم في هذه الرؤية كل من بروفيسور غندور وعثمان ميرغني وحسن مكي ولفيف من جوقة الإعلاميين الداعمين للحرب والمقيمين في القاهرة ، وهذا تعجل في قطاف الثمر وعدم تريث، والتحليلات التي طرحوها في وسائل الإعلام ممزوجة بالتمنيات مثل عالم هاري بوتر كما حدث في يوم 15 أبريل عندما روّجوا أنها حرب 72 ساعة ويعود الناس لبيوتهم …
والتدخل المصري سوف يشعل نيران الحرب ويجذب لها المزيد من الأطراف الإقليمية …
ولا أخفي إذا قلت أن الحرب قد بدأت وإنتهى عهد الحلول الوسط.
والتاريخ السوداني لا يُمكن الدخول إليه من بوابات النصر والهزيمة لأحد الأطراف في عام 1992 خسر جون قرنق كبويتا وتوريت وسلسلة من مدن الجنوب وتحالف البشير مع أثيوبيا وتمكنت قواته من تطويق الحركة الشعبية من الخلف.
وتمكن أيضاً الدكتور علي الحاج من شراء من مجموعة الناصر بقيادة الدكتور رياك مشار والتي إنشقت عن حركة الدكتور قرنق بل وحاربته ..
وكل الذين عاشوا ذلك التاريخ يتذكرون مقولة
الليلة يا قرنق ..إيامك إنتهن
والليلة مبيت في توريت ..
فالحذر وكل الحذر من تصديق الأماني بأنها حقائق ، فالحرب ليست دالة خط مستقيم ، بل هي دالة منحى حيث يُمكنك تمثيل المتغير دون سلوك الطريق الطويل.