السودان .. حيث تُدار الجرائم العابرة للحدود بواجهة نظامية وعمق إسلامي

5
الاخوان في السودان

السودان .. حيث تُدار الجرائم العابرة للحدود بواجهة نظامية وعمق إسلامي

بقلم الاستاذ: الفاضل محمود أبوبكر

 

في الوقت الذي تنشغل فيه العواصم الغربية بمفاوضات وقف إطلاق نار هشّة في السودان، يجري في الميدان مشهد مختلف تمامًا: مجزرة تُدار بواجهات الدولة النظامية والعسكرية، لكن بقلب إسلامي متطرف لم يغادر المشهد قط.

 

منذ اندلاع حرب 15 أبريل، يكرر العالم الخطأ الكارثي ذاته: التعامل مع الجيش السوداني وكأنه مؤسسة وطنية، والتعامل مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان كأنه شرعي. في تقديري، شرعية البرهان دُفنت منذ أن قاد انقلابًا مكتمل الأركان على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك. ومن ثم، لا يمثل البرهان اليوم سوى مؤسسة عسكرية مختطفة.

 

بذلك، تحوّل السودان عمليًا إلى مسرح معقّد لميليشيات إسلامية، وأجنحة قبلية، ومستنفَرين، ومليشيات إرهابية، تعمل تحت مظلة رسمية زائفة.

 

الأخطر من كل ذلك: عودة كتائب البراء — التي كان يُفترض أن تكون طيّ النسيان مع سقوط البشير — كواحدة من أخطر أذرع القتل والذبح، وبقر بطون الأبرياء والتمثيل بجثثهم في الطرقات، فقط لأنهم ينتمون إلى البشرة السوداء.

وأستشهد هنا بما حدث حين زُرع “كيكل” داخل قوات الدعم السريع، فدخل المدن السودانية فاتحًا وسط تهليل وتكبير الأهالي الذين أقاموا له الولائم. لكنه، ما إن أتم مهمته في تشويه صورة الدعم السريع، حتى عاد إلى الرحم الموبوء الذي خرج منه، لينفّذ إبادة جماعية ضد ذات المواطنين الذين احتفوا به، متقمصًا زيّ العسكري الرسمي، قاضيًا وجلادًا في آنٍ واحد.

 

وسؤالي هنا: لماذا كانت الإبادات تستهدف أبناء الغرب فقط دون القبائل العربية؟ أليس القانون الذي استخدموه يُفترض أن يشمل الجميع تحت مسمى “الوجوه الغريبة”؟ أم أن الحماية القبلية والجغرافية هي جواز العبور إلى النجاة؟

 

على المستنفرين والداعمين لحكومة البرهان أن يدركوا الحقيقة المؤلمة:

هذه الحرب ليست تقليدية، بل حملة تطهير عرقي ممنهجة، أكثر بشاعة من رواندا وسراييفو.

 

الكارثة لم تتوقف داخل حدود السودان. فقد تحولت سفارات البلاد بالخارج إلى غرف عمليات لملاحقة المعارضين، وإدارة حملات ترهيب واغتيال سياسي صامت في أوروبا وأفريقيا، ضمن مشروع إسلامي لا يعترف بالحدود الجغرافية.

 

الأدهى من ذلك: بعض الحركات المسلحة، التي قضت عقودًا تحارب نظام الإنقاذ، اختارت أن تضع يدها في يد قاتلها القديم، منخرطةً في قوات مشتركة تنفذ أوامر عسكرية لصالح المشروع الإسلامي الذي أحرق قراها واغتال قياداتها ذات يوم.

 

ما يجري في السودان اليوم ليس نزاعًا أهليًا تقليديًا.

إنها جريمة عابرة للحدود، ذات طابع أيديولوجي دموي، تقف خلفها بقايا التنظيم الإسلامي الذي حكم البلاد لثلاثة عقود، ويعيد اليوم تصدير الموت عبر واجهة جيش رسمي واتفاقات سلام مُفرغة من مضمونها.

 

إن صمت المجتمع الدولي أمام هذه الفظائع، واستمرار التعامل مع الإسلاميين كجزء من الحل، هو شراكة كاملة في الجريمة.

 

السودان اليوم لا يشكل خطرًا على استقراره الداخلي فحسب، بل بات قنبلة موقوتة تهدد الأمن والسلم الدوليين.

 

ويبقى السؤال الحقيقي:

كم من الدماء ينبغي أن تُسفك قبل أن يجرؤ العالم على تسمية المجرمين بأسمائهم؟

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *