مجاهد بشرى يكتب: تحــــالف الشر (1)

مجاهد بشرى يكتب: تحــــالف الشر (1)
في مسار التاريخ الإنساني، لم تكن الحرب مجرد معركة عسكرية لتغيير الخرائط، بل كانت في كثير من الأحيان أداة وخطة مدروسة لتدمير البنى الاقتصادية الوطنية وإعادة تشكيلها من أجل إنتاج قوى سياسية واقتصادية جديدة تدين بالولاء المطلق لطرف مستفيد من الحرب.
فبعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، جرى تدمير منظم للبنية التحتية العراقية، خصوصًا المصانع الكبرى ومرافق الإنتاج الوطني، تمهيدًا لفتح السوق أمام شركات أمريكية وأجنبية.
وتحت غطاء “إعادة الإعمار”، دخلت الشركات الأجنبية لتحكم قبضتها على النفط والاقتصاد العراقي لعقود لاحقة.
بعد الحروب المتتالية على غزة، استُخدم الحصار والحرب لتدمير المصانع والورش الصغيرة.
عُرضت مشاريع إعادة إعمار من قِبل مصر، لكنها كانت بوابة لفرض السيطرة السياسية والاقتصادية، بحيث أصبحت غزة تعتمد على الموردين المصريين والمانحين الخارجيين للبقاء.
• كذلك في ليبيا (2011م):
سقوط نظام القذافي تلاه مباشرة سباق محموم بين شركات غربية وعربية للسيطرة على النفط والقطاعات الحيوية.
التدمير المتعمد للبنية الاقتصادية أعاد تشكيل خريطة النفوذ داخل ليبيا، وأصبحت بعض المناطق تدار اقتصاديًا عبر وكلاء إقليميين من أهمهم مصر.
ما ستقرأه في هذا المقال من حقائق لا تخطر على بال أحد، هو حقائق ظلت تدور متخفية خلف الدخان الكثيف للحرب، ومن أجل فهمها يجب العودة إلى ما بعد سقوط نظام الإسلاميين الفاسد، وما تلاه من فقدانهم للسلطة وأموال الشعب السوداني التي نهبوها على مدار عقود، مما جعلهم مجموعة من الفارين والهاربين من العدالة، ومطلوبين للمحاسبة على جرائمهم البشعة. ومع تضييق الخناق عليهم، والسعي المستمر للمدنيين في ملاحقتهم، ومحاولة استعادة هذه الأموال منهم داخليًا وخارجيًا، والأهم من ذلك تفكيك تمكينهم الاقتصادي المتمثل في استثمارات الجيش التي ابتلعت أكثر من 80٪ من اقتصاد السودان، مما يعني أن تنظيم الحركة الإسلامية، وقادة العسكر، وكل شبكات رجال الأعمال المستفيدين من ذلك الوضع الاقتصادي المعوج، سيفقدون كل ما اكتسبوه من سحت، وبالتالي يفقدوا كل امتيازاتهم وأرباحهم التي حققوها على حساب المواطنين السودانيين المغلوب على أمرهم.
بالتالي كان لا بد من التخلص من هذا الخطر المحدق، ولأول مرة يتفق جيش الحركة الإسلامية مع خصومه التاريخيين من الحركات المسلحة التي ظل يقاتلها لعشرات السنين، ورجال الأعمال والإدارات الأهلية التي ظلت ترضع من ثدي هذا الفساد، اتفقوا على الإطاحة بالمدنيين، وتنفيذ انقلاب عسكري كان هو الذي فتح الباب على مصراعيه ودفع بالبلاد إلى آتون حرب مدمرة.
لكن لم تكن هذه الجهات المذكورة أعلاه هي الوحيدة التي تآمرت وشاركت في الانقلاب على المدنيين في 25 من أكتوبر 2021، لقد شاركت جهات خارجية في هذه المؤامرة، على رأسها النظام العسكري المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي وجهاز مخابراته. وكان السيسي يمتلك عدة أسباب خطيرة تجعل مشاركته حتمية في هذه العملية. فما هي الأسباب؟
من المتعارف عليه أن مصر ظلت لسنوات لا نستطيع حسابها تعمل على استغلال كل ثروات السودان، بدءًا من المياه، إلى الثروة الحيوانية، والزراعية. وفي الثلاثين عامًا الماضية كان للجيش السوداني دور رئيسي في توفير كل ما يحتاجه الاقتصاد المصري من لحوم ومحاصيل وثروات معدنية وحيوانية، وبأبخس الأثمان، كل ذلك يتم عبر شركات الجيش التي تسيطر على الاقتصاد السوداني بصورة شبه تامة، وتتطابق مواقفها السياسية مع مواقف القاهرة.
وفي 14 من ديسمبر 2020، وهو التاريخ الذي بدأ فيه الإعداد للقضاء على المدنيين، أعلن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك أنه من غير المقبول بأن يسيطر الجيش على الاقتصاد، وأن الوقت قد حان لأن تدخل شركاته تحت ولاية وزارة المالية على المال العام، وأن تعمل بشفافية كغيرها من الشركات الأخرى ما عدا الصناعات الدفاعية.
أعقب هذا التصريح الخطير حالة هيجان وغضب أصابت قائد الجيش السفاح عبد الفتاح البرهان، وهو يستمع لرئيس الوزراء الذي يعني تصريحه تهديدًا لمصالح كل هذه الأطراف التي ذكرناها. وعلى طاولة المخابرات المصرية التي أصبح مديرها ضيفًا دائمًا على البرهان، بدأت خطة لا تهدف فقط للإطاحة بالمدنيين، بل وضمان استبدالهم بطبقة سياسية واقتصادية جديدة، تدين بالولاء والتبعية السياسية والاقتصادية للعسكر، ولمصر. ومن هناك بدأ السفاح البرهان حربًا كلامية ضد المدنيين لم تنتهِ إلا باقتحام عسكره لمنزل حمدوك فجر الانقلاب، واعتقاله لشهر كامل.
ولأن مياهًا كثيرة آسنة جرت تحت الجسر، وشربتها قلوب الإسلاميين الممتلئة حقدًا وكراهية، فقد اعتبروا أن كل من أسهم في إسقاط نظامهم من عسكريين وسياسيين، حتى ولو كانوا من الحركة الإسلامية أو المشاركين في الانقلاب، اعتبروهم أعداء وخصومًا وجبت محاسبتهم. وهو ما زرع التخوف في نفوس العسكر والدعم، فعادوا من جديد لأحضان المدنيين، فكلا الرجلين يعلمان جيدًا أن الحل السلمي عبر آليات العمل السياسي يمكن أن يعالج كافة مشاكلهما، وأولها الدمج، والترتيبات الأمنية، والخروج من العمل التجاري والاستثماري عبر الجيش والدعم.
فكان المشروع الأخطر على النظام البائد وعلى مصر “الاتفاق الإطاري”، والذي كان سيغير من تركيبة الجيش، ويطيح بقيادات هي في سلسلة رواتب المخابرات المصرية، ويفقد القاهرة سيطرتها على الجيش والسلطة في السودان، والأخطر سيجعلها تخسر حرب المياه، وهي قضية وجودية لمصر ما عجّل بأكبر حرب تآمر فيها العسكر ورجال أعمال سودانيون، ومصر على السودان…
حرب خفية غير معلنة..
تم فيها خداع الشعب السوداني باسم معركة الكرامة..
بينما هي أكثر ما تسبب في إذلاله..
نكشف تفاصيلها الصادمة والقذرة في سلسلة من المقالات القادمة بإذن الله.
يتبع…