د. احمد تقد: انعكاسات تعيين كامل إدريس على المشهد السياسى

12
تقد

بقلم: الدكتور احمد تقد

عاشت سلطة الامر الواقع فى بورتسودان خلال الأسابيع الماضية اوضاع امنية عصبية، جراء الاستهداف المنتقاة بعناية لبعض الموسسات العسكرية و الامنية و الاقتصادية و مقار القيادات السياسية بواسطة مسيرات استراتيجة متقدمة فنيا و ذات قدرة تدميرية هائلة تسببت فى تدمير العديد من المنشات العسكرية و الاقتصادية المهمة، و أدخلت الرعب فى نفوس المواطنيين و أجبرت القيادات العسكرية و السياسية إلى الاختباء و عطلت عجلة الحركة التجارية و الاقتصادية و أوقفت دولاب العمل فى الخدمة المدنية رغم محدوديته و أخرجته من دائرة الانتاج تماما.

و فى تطور لافت اقدمت قيادة القوات المسلحة على تعيين كامل اديس رئيسا للوزراء فى حكومة بورتسودان بعض ان فشلت محاولات قيادة الجيش إقناع الدكتور عبدالله حمدوك للعودة لرئاسة الوزراء دون حاضنته السياسية، تعيين كامل إدريس لا يغير شيئا فى المشهد السياسى، لا يستطيع إيقاف الحرب و تحقيق السلام و لا إصلاح ما دمرته الحرب، او تحسين صورة قادة الجيش او فك العزلة الدولية، جاء كامل ليعيد البلاد للدكتاتورية العسكرية المسنودة باجندة الحركة الإسلامية تحت غطاء ما يسمى بحرب الكرامة، فما هى انعكاسات تعيينه على مستقبل البلاد؟

منذ الإطاحة بحكومة الثورة و تعطيل الوثيقة الدستورية آلت جميع السلطات التنفيذية و السياسية فى البلاد لقائد القوات المسلحة، و يظل رئيس الوزراء المعين اداة فى يد قائد الجيش و رهينا لسياساته و توجيهاته و موظفا بين يديه و لم يتمتع باية سلطة حصرية خاصة به يستطيع بموجبها انتهاج سياسات خارج إطار السياسية الكلية التى ترسمه قيادة الجيش و الحركة الإسلامية.

تعيين كامل ادريس لم يكن معزولا عن الاجندة و السياسة المصرية تجاه السودان التى تحاول تجيير الساحة لاعادة المؤسسة العسكرية للسلطة و ذلك بتوظيف الثقل الدبلوماسي المصرى فى المحيطين الاقليمى و الدولى لفك عزلة قادة الجيش و شرعنة سلطة الامر الواقع عبر إجراءات داخلية شكلية مثل تعيين رئيس وزراء مدنى و إجراء حوار مدنى على شاكلة حوار خارطة الطريق المطروح من قبل البرهان، و بالمقابل هنالك قوى إقليمية معتبرة تعمل على وقف الحرب و تحقيق السلام و اعادة ترتيب الاوضاع فى البلاد عبر إجراءات دستورية لاعادة السودان إلى الواجهة و خارطة العلاقات الدولية.

جاء كامل إدريس فى ظروف استثنائية و فى وقت المجد فيه ليس لله فى الأعالى و لا بالأرض السلام و لا بالناس المسرة، بل فى وقت المجد فيه للبندقية و بالأرض المسيرات الاستراتيجية و بالناس الحرب و الموت و الدمار و التشريد و الهجرة الخارجية، بالتالى فرص الامن و السلام و الاستقرار تظل غائبة و بل معدومة.

جاء كامل المعجب بنفسه و لا يحمل شيئا للسودان غير سمعته المشروخة دوليا و المهترئة محليا و فى ظل انقسام مجتمعي حاد على أساس جغرافى و جهوى و مجتمع ليس لديه الاستعداد غير الانتصار لمواقفه السياسية و بندقيته العسكرية، تعيين كامل فى هذا الظرف لم يكن عاملا مساعدا فى تحقيق السلام و اعادة اللحمة الاجتماعية فى البلاد بل سيكون عاملا مساعدا فى إزدياد حالة الاحتقان و الانقسام و تفتيت النسيج الاجتماعى.

فى ظل التشوهات التى تشهدها الساحة من انقسام بين الفلول و عناصر النظام السابق من الإسلاميين و أصحاب البندقية المأجورة من بقايا حركات الارتزاق ما بين مؤيد لتعيين كامل و رافض له، يجعل مهمة كامل ادريس صعبة و فرص نجاحه ضيئلة بل معدومة، و من ناحية اخرى الانقسام ما بين القوى السياسية بين قوى مدنية راغبة فى وقف الحرب عبر عملية سياسية متفاوض عليها و تحقيق الانتقال نحو التحول المدنى الديمقراطى و بين قوى ظلامية و اصحاب اجندات و مصالح ذاتية تسعى إلى إطالة امد الصراع و تعمل على تجيير المشهد لدكتاتور عسكرية تنعدم فرص التوافق الوطنى بين الفرقاء السياسيين و يظل رئيس الوزراء المعين منحازا لمواقف قيادة الجيش المنحازة للقوى المدنية الداعمة للحرب.

و بالمقابل هنالك تحالف السودان التاسيسى ذات القاعدة الجماهيرية الواسعة و زراع عسكرى طويلة تستعد لتشكيل حكومة ضرورة لمواجهة متطلبات الواقع السياسية و العسكرية و الإنسانية و الاقتصادية و الاجتماعية، بعد ان اعتمدت ميثاقه السياسى و اجازت وثيقته الدستورية و توافقت على هياكل السلطة تعمل الان على تشكيل حكومة كاملة و تعيين رئيس وزراء فى مواجهة رئيس وزراء بورتسودان، و يقوم بمنازعته على المستويات كافة داخليا و خارجيا مما يجعل مهمة رئيس وزراء بورتسودان صعبا للغاية.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *