منال علي: حين يُمجَّد الرصاص وتُهان الثورة: قانون الوجوه الغريبة وتحجيم الدولة

بقلم: منال علي محمود
في الوقت الذي كان فيه الشعب السوداني يحلم بانتقال ديمقراطي يعيد له سيادته وكرامته، خرج البرهان ليقول صراحة: “المجد للبندقية، تاتي مافي مجد للساتك ولا لناسها”. هذا التصريح ليس فقط صفعة لوجدان الثورة، بل تلخيص مرعب لواقع تُدار فيه البلاد بالبندقية لا بالإرادة الشعبية.
تحت هذا الغطاء الدموي، تمدد ما يُعرف بـ”قانون الوجوه الغريبة”، وهو ليس قانونًا مكتوبًا، بل سلوك سياسي منظم يقوم على التخوين والتصنيف والتجريم على الهوى. بدأ باستهداف الثوار والنشطاء، ثم اتسع ليشمل الدول، فوُصفت الإمارات بأنها “دويلة شر”، وأُطلقت اتهامات بالخيانة والعمالة على دول أفريقية جارة، وصولاً إلى تهديدات بغزو تشاد. كل ذلك ضمن حالة هستيريا قومية زائفة تُدار بعقلية “الإسلاموي المحاصر”.
ولكن الحقيقة أن هذا القانون لم يكن يصف الآخرين بقدر ما كان يعكس حالة السودان نفسه. عندما وصف ياسر العطا الإمارات بـ”الدويلة”، لم يكن يرى فيها إلا صورة السودان الذي تآكل بفعل السياسات الإسلامية العسكرية. المثل السوداني يقول: “الفيك بدر بيه”. فـ”الدويلة” التي أراد العطا تصديرها للخارج، كانت في الحقيقة مرآة داخلية لحالة التآكل والانهيار تحت حكم البندقية.
نعتذر — وبسخرية مرة — لكل دولة طالتها هذه التصنيفات الجوفاء. نعتذر للإمارات، لتشاد، ولأي دولة أفريقية أو عربية صُنّفت عدوًا فقط لأنها لم تبارك جنون المشروع الإسلاموي السوداني. نعتذر عن سوء الجوار، عن الألفاظ الرعناء، عن السياسة التي حوّلت السودان من وطن كان يُحتفى به في المحافل، إلى كيان يهدد جيرانه ويتطاول على أشقائه.
نعتذر باسم الشعب لا النظام، وباسم الثورة لا الانقلاب. نعتذر لأننا نعلم أن الدولة لا تُبنى بإقصاء الآخرين، ولا تُحترم إن لم تحترم محيطها.
لقد تم تحجيم معنى الدولة السودانية من قبل الإسلامويين، حتى أصبحت دويلة فعلاً، لا تملك قرارها، ولا تحترم ذاتها، ولا تعرف من هم أصدقاؤها. لكن هذا الشعب، الذي أطاح بديكتاتور، لا يمكن أن يُحبَس في قفص الأوهام والعداء والوصاية.
المجد للشعوب التي تقول لا. المجد للثورة. والمجد للدولة التي سنبنيها معًا، من رماد الوجوه الغريبة.