شركات الأمن الخاصة في كينيا: حماة غير مسلحين في معركة الأمن والتنمية

32
كينيا-1722002693

قوات الأمن الكينية تتصدي بعنف لمتظاهرين ضد الحكومة (شترستوك)

بلو نيوز الإخبارية – وكالات

في قلب شرق أفريقيا، حيث تتقاطع التحديات الأمنية مع آمال التنمية، برزت كينيا كنموذج متفرد في الاعتماد على الشركات الأمنية الخاصة كركيزة أمنية موازية للدولة، تؤدي أدوارًا تتجاوز الحراسة إلى المساهمة في حماية الاقتصاد، ومكافحة الإرهاب، واحتواء الجريمة المنظمة.

فمن أمام البوابات المصفحة في أحياء نيروبي الفاخرة إلى مداخل المؤسسات السياحية والبنوك والمستشفيات، أصبح مشهد الحارس الخاص مألوفًا، يُمثل في صمته الحذر إحدى أكثر المهن انتشارًا في كينيا، وأكثرها أهمية في معادلة الأمن القومي.

تضاعف في العدد .. وتزايد في الدور

شهد قطاع الأمن الخاص في كينيا نموًا هائلًا خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ قفز عدد الشركات من 500 إلى نحو 2000 شركة، ويُتوقع أن يصل هذا الرقم بحلول عام 2025. ويعمل في هذا القطاع أكثر من 800 ألف شخص، بينهم نسبة متزايدة من النساء، ما يعكس تحولات جذرية في طبيعة سوق العمل.

ويأتي هذا التوسع في إطار رؤية كينيا 2030 التي تسعى إلى تحديث بنية الأمن الشاملة، من خلال إشراك التكنولوجيا، وإصلاح الشرطة، وتطوير التكامل بين القطاعين العام والخاص.

كبار اللاعبين على ساحة الأمن

وفقًا لتقرير حديث صدر عن منصة “بيساسا”، تتصدر مشهد الأمن الخاص شركات مثل “SGA” و”Guard World Security” و”G4S”، وكل منها توظف آلاف العاملين وتدير عمليات معقدة تمتد عبر دول شرق أفريقيا. وبرزت شركات مثل “سيكيوركس” و”ويلز فارجو” و”بي إم مورغان” بفضل تركيزها على التكنولوجيا الحديثة والخدمات الأمنية المتخصصة.

احتجاجات شعبية في نيروبي ضد الفساد والبطالة (وكالة الأناضول)

الأمن الخاص .. حائط صد في ظل فراغ رسمي

رغم وجود أكثر من 100 ألف شرطي رسمي، لا تزال كينيا تعاني من فجوة أمنية كبيرة، خصوصًا مع بلوغ عدد سكانها نحو 54 مليون نسمة. في المقابل، أوكلت الكثير من المهام الأمنية إلى شركات خاصة تُسهم فعليًا في الحد من السرقة، وتأمين الاستثمارات، ورفع قيمة العقارات، وتعزيز جاذبية السياحة.

ويقول مراقبون إن هذه الشركات أصبحت شريكة فعلية للدولة، لا سيما في تبادل المعلومات الأمنية، والمشاركة في الطوارئ، وتأمين الفعاليات الكبرى.

بطالة وعصابات .. تحديات تنفخ في نار الجريمة

في ظل بطالة تصل إلى 7.2%، وواقع مرير يعيشه الشباب الباحث عن عمل، أصبحت العصابات الإجرامية مخرجًا خطيرًا. ويشير التاريخ القريب إلى أن كينيا كانت مرتعًا للعصابات المنظمة مثل “مونجيكي”، التي لعبت أدوارًا مدمرة سياسيًا وأمنيًا.

تتنوع أنشطة هذه العصابات بين الاتجار بالمخدرات، وتهريب البشر، والخطف، وقد ارتبطت في كثير من الحالات بأجندات سياسية، لا سيما خلال مواسم الانتخابات.

دمار بمركز ويست غيت للتسوق بعد مواجهات بين الأمن ومسلحين في نيروبي، عام 2013 (الأوروبية)

الأمن الخاص في مرمى التحديات

ورغم الدور المحوري الذي تؤديه الشركات الأمنية، إلا أنها تعاني من ضعف الأجور، وانعدام التسليح، وسوء التدريب. إذ يتقاضى الحارس الأمني ما بين 10 إلى 15 ألف شلن كيني شهريًا، وهو ما لا يتناسب مع المخاطر التي يواجهها.

وبعد ضغوط واحتجاجات، قررت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 ألف شلن (نحو 230 دولارًا) بداية 2025. كما تبحث الجهات المختصة في السماح لبعض الحراس بحمل السلاح في مواقع عالية الخطورة، وهي خطوة تُقابل بحذر ومطالبات بوضع ضوابط صارمة.

ضد الإرهاب .. الشركات الأمنية في خط الدفاع الأول

تزايدت التهديدات الإرهابية في كينيا خلال العقدين الماضيين، بدءًا من مجزرة جامعة غاريسا، إلى هجوم ويست غيت ومركز دوسيت 2، ما دفع الحكومة إلى توسيع نطاق التعاون مع الشركات الأمنية الخاصة لتأمين المنشآت الحيوية.

وفي مؤتمر نيروبي الأمني عام 2019، الذي جمع اتحاد الأمن الكيني والاتحاد الأوروبي، جرى الاعتراف بالدور المتقدم لهذه الشركات في الحرب ضد الإرهاب، وضرورة دمجها في منظومة الأمن الوطني.

قوات الأمن الكينية تتصدي بعنف لمتظاهرين ضد الحكومة (شترستوك)

بين الحاجة والجدل: مستقبل الأمن الخاص في كينيا

تمثل شركات الأمن الخاصة في كينيا اليوم أكثر من مجرد قطاع خدمات؛ إنها حائط صد مجتمعي، وذراع استخباري ميداني، وداعم اقتصادي فعال. لكنها في الوقت ذاته تعيش على حافة تحديات قانونية وحقوقية، وتتطلب مراجعة شاملة في إطار حوكمة شاملة للأمن.

فبينما تعتمد الدولة على هذه الشركات لسد الثغرات، تبقى الأسئلة قائمة:

من يحمي الحُماة؟ ومن يضمن العدالة والأمان للعاملين في أكثر المهن خطورة؟

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *